الإمارات منذ بداية الجائحة، استحضرت الحكمة الإدارية التقليدية التي ترى في الأزمات وجها آخر غير أنها كارثة، بأن فيها الفرصة أيضاً.
"الأزمة ستمضي"، تكررت هاتان الكلمتان في العديد من تصريحات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال لقاءاته التي كان يظهر فيها إما موجهاً رسالته إلى شعب دولة الإمارات أو في مناسبات معينة، أو لقاءات مع المسؤولين عن إدارة أزمة فيروس كورونا.
في إشارة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى أنه من طبيعة الحياة أن تكون هناك أزمات لكن لا نستسلم لها بل علينا التحلي بالإرادة والصبر لمواجهتها، وهذه الأيام نستذكر تلك الكلمات، التي بدأت مع الجائحة، ونستبشر خيراً في عودة الحياة إلى طبيعتها، ولكن ليس كما كانت فمرحلة ما بعد فيروس كورونا لن تكون كما كانت قبلها، هذا الأمر ينطبق على الاقتصاد والسياسة كما ينطبق على العلاقات الاجتماعية والإنسانية.
الإمارات منذ بداية الجائحة، استحضرت الحكمة الإدارية التقليدية التي ترى في الأزمات وجها آخر غير أنها كارثة، بأن فيها الفرصة أيضاً.
ففي الوقت الذي أدت فيه جائحة كورونا ببعض الدول أن تعيش حالة الصدمة والقلق، فإن دولة الإمارات وجدت فيها مجالا للاستعداد والتدرب لمواجهة أزمات أكبر وربما أقوى في قادم الأيام، وذلك من خلال طريقة إدارتها التي لاقت إعجاب العالم خاصة من ناحية طمأنة شعبها من مواطنين ومقيمين الذين تعاملت معهم بمقياس واحد، في زمن كان الكل فيه قلق وهلع.
بل إن قيادة الإمارات مثلت مصدر الأمل والتفاؤل لكل من واجه مصاعب على مستوى الدول أو الأفراد، فإذا كانت قد أرسلت مساعدات طبية وغذائية لحوالي 54 دولة في العالم تقدر 641 طناً بعضها بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، فإنها كذلك وبمبادرة شخصية من قيادتها حركت الكثير من طائراتها لانتشال العديد من مواطني الدول الأخرى من الصين وغيرها من دول العالم لمواطنيها ولحالات إنسانية، فكانت الدولة الأكثر قوة في العالم بمواجهة هذه الأزمة.
كما يبدو لي رفضت الإمارات، نظرياً وعملياً أن تكون أسيرة لتداعيات الجائحة، رغم أنها سجلت ضحايا لكن كانت الأقل وهذا نتيجة لتطبيق الإمارات لاستراتيجيتها التقليدية، القائمة على استباقية الأزمات وخمدها في مهدها قبل أن تستفحل وتتفشى تأثيراتها، بل إنها خرجت حتى الآن من هذه الجائحة باحترام أكبر على المستوى الدولي، واستطاعت أن تؤمن للعالم مبدئياً حوالي 30 مليون كمامة في العام من مصنع "ستراتا" في مدينة العين، كما أنها استطاعت أن تطور تقنية تعمل بأشعة الليزر يمكنها رصد فيروس كورونا بمجرد دخوله لجسم الإنسان من خلال الدم، كل هذا حدث لأن دولة الإمارات اختارت التعامل مع كورونا بالعقل والمنطق وأنها أزمة كباقي الأزمات التي تحدث "وتمضي" وينبغي ألا تقف الحياة عندها.
الإمارات بدأت الآن التفكير في مرحلة ما بعد "كورونا"، كحال باقي الحكومات في العالم، لكن هذا لا يعني التهاون مع الخطورة التي يشكلها هذا المرض، إلا أن التعامل بواقعية يتطلب التفكير في كل الجوانب التي تؤثر في حياة الناس، فالحظر الكلي باعتباره استراتيجية السيطرة على انتشار الوباء.
إلا أنه خلق مصاعب اجتماعية واقتصادية ليست على الأفراد فقط بل الشركات، التي بدأ بعضها الإعلان عن الإفلاس، وحتى الحكومات التي تواجه أزمات اقتصادية ومالية أخرى، ما يعني أهمية استئناف الحياة لكن دون الاعتقاد بأنه تم التغلب على الفيروس والقضاء عليه، لأن العلماء مايزالون عاجزين عن اكتشاف لقاح له، أي أن الرهان الآن على وعي أفراد المجتمع مواطنين ومقيمين، في مواجهة هذه الجائحة الخطيرة فهم شركاء في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة الجائحة.
الإمارات منذ بداية الجائحة، استحضرت الحكمة الإدارية التقليدية التي ترى في الأزمات وجها آخر غير أنها كارثة، بأن فيها الفرصة أيضاً.
لكي تمضي هذه الأيام الصعبة ونخرج منها بشكل أقوى مما دخلنا فيها، وبالتالي تكتمل الصورة الرائعة لجهود الحكومة الإماراتية فذلك يتطلب تعاون الشعب الإماراتي، في عدم إحداث أي ثغرة يمكنها من التأثير سلبا على الجهد المبذول، وعلينا الحفاظ على الإجراءات المطلوبة خاصة تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي باعتباره هو الحل الآن، وإلا ستكون النتيجة عكسية وتهدد حياة أناس غالين علينا، وهو ما لا يرغب فيه أي عاقل.
لا يوجد اتفاق على المستوى الدولي على آلية محددة لكبح انتشار فيروس كورونا لكن هناك قناعة بأن أفضل الاستراتيجيات هي ضبط الإنسان لتصرفاته الفردية حماية لنفسه وللآخرين، فهي الأمل الوحيد حالياً لحين اكتشاف علاج للوباء.
ما يعني أن النجاح في السيطرة عليه تنطلق من الشعور بالمسؤولية العائلية والوطنية، فالحديث هنا عن الواجبات المطلوبة من الأفراد في حماية المجتمع والوطن، وهي ليست خيارات شخصية من الممكن أن نؤدي إلى كوارث ومآس خاصة في ظل تحذيرات المختصين بأن هناك موجات أخرى لهذا الفيروس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة