تقرير.. "إمبراطورية بركان" نقطة تحول في تاريخ الكرة المغربية
إمبراطورية فريق نهضة بركان ونشأة النادي المغربي الذي بات مزاحما على الألقاب القارية رغم عدم امتلاكه الشعبية الكبرى محليا.
عرف نادي نهضة بركان منذ نشأته حتى وقت قريب، معاملة الفرق الصغرى ضعيفة الشعبية، محتشمة التأثير في كرة القدم المغربية، إلا أن كل شيء تغير مع العقد الثاني من الألفية الجديدة، فصارت مدينة البرتقال إحدى العلامات الرياضية البارزة في المغرب بل وفي أفريقيا.
جروس يوجه رسالة للاعبي الزمالك قبل صدام نهضة بركان
النادي الذي تأسس عام 1938 أراد تغيير الصورة المتعارف عليها في المسابقات الأفريقية خلال السنوات الأربع الماضية بأن الأندية ذات الشعبية الجماهيرية هي الوحيدة القادرة على المنافسة، وأن أندية المدن الصغيرة إذا توفرت لها الإمكانيات الفنية اللازمة يمكنها تحطيم كل التوقعات ومزاحمة الكبار على الألقاب الحقيقية.
بركان لم يكن يتمتع بأي شعبية في المغرب قبل عام 2012، وعلى مدار السنوات الماضية عُرفت أندية مثل الجيش الملكي والمكناسي وحسنية أغادير والمغرب الفاسي في الوطن العربي بالإضافة للفتح الرباطي والوداد والرجاء، لكن الوضع اختلف الآن، وبات بركان يحظى بتأييد وبتعاطف ملحوظ في جُل أرجاء المملكة ولديه شهرة قارية لا بأس بها، بعدما عبر عن نفسه وعن القدرات الفنية والإدارية التي يتمتع بها في السنوات الست الماضية.
تقدم فريق النهضة البركانية بجدارة نحو الأدوار الإقصائية للكونفدرالية ونافس على اللقب هذا الأسبوع أمام الزمالك المصري بعد أشهر قليلة من تتويجه المظفر بلقب كأس العرش المغربي على حساب وداد فاس.
الفريق صاحب الرداء البرتقالي لعب بأسلوب انسيابي وحركي مميز، وهذا جعل البعض يصفه بهولندا المغرب، مثلما يُوصف الإسماعيلي بالبرازيل في مصر.
ونال مستواه الفني استحسان الجميع ليصبح حديث جميع وسائل الإعلام في مصر وتونس بشكل غير مسبوق على مدار الأسبوعين الماضيين بسبب تفوقه على الصفاقسي في نصف نهائي الكونفدرالية قبل أن يستضيف الزمالك في ذهاب النهائي على الملعب “البلدي” يوم الأحد الماضي، ويتفوق عليه هو الآخر بهدف دون رد سجله التوجولي “لابا كودجو” في الدقيقة 94.
مثل شجرة البرتقال
حكاية بركان بدأت منذ الحرب العالمية الثانية، فشعب هذه المدينة الصغيرة الذي لا يتعدى تعداده 150 ألف نسمة على ارتباط وثيق بكرة القدم رغم بُعد المسافة بينهم وبين العاصمة المغربية القديمة “فاس” وعن كل المدن ذات التأثير الاقتصادي والعلمي والسياسي في البلاد.
نشأ نادي بركان في عام 1938 باسم الجمعية الرياضية البركانية، وغَير اسمه في عام 1971 إلى نهضة بركان.
وفي عام 1976 انتشرت اللعبة أكثر من أي وقت مضى في بركان، وتحول نهضة بركان إلى فريق الاتحاد الإسلامي البركاني، في دلالة على الالتزام الديني والتمسك بالعادات والتقاليد بالمدينة.
وظهر في نفس السنة التي تغير فيها اسم النادي للمرة الثانية، فريق سمى نفسه الشباب الرياضي البركاني.
بعد أشهر قليلة قرر الفريقان الاندماج معًا ليشكلا ممثلاً واحدًا للكرة في بركان تحت اسم نهضة بركان.
الأب الروحي
أراد النادي كتابة تاريخ خاص واستثنائي لنفسه في العصر الحديث مع الأب الروحي "فوزي لقجع"، بعد سنوات عجاف ما بين دوري الهواة ودوري الدرجة الثانية منذ الهبوط في عام 1986.
استخدم النادي بقيادة فوزي لقجع نقطة ضعفه الأولى، المتمثلة في ضعف الكتلة السكانية للمدينة، ليرتكز عليها لتكون مصدر قوته في تحقيق النتائج الإيجابية، فلا يوجد ضغوطات نفسية أو أضواء شهرة قد تؤثر بالسلب على اللاعبين النجوم الذين قام بضمهم بعد توليه المسؤولية.
واستعان لقجع بتجارب أوروبية لهز عرش كبار الكرة المغربية والأفريقية، بضم لاعبين لم يتحملوا ضغوطات الأندية الكبرى، مثلما فعل رئيس فياريال "فرناندو رويج" الذي ضم فورلان من مانشستر يونايتد وريكيلمي من برشلونة وسورين من لاتسيو ليبلغ فياريال نصف نهائي أبطال أوروبا 2006 ونصف نهائي الدوري الأوروبي عدة مرات.
ومثل شجرة البرتقال التي تحتاج للصبر لخمس سنوات كي تنمو وتطرح الـ 1000 ثمرة بعد زرعها، كان ينمو نادي نهضة بركان مع لقجع، فصعد إلى القسم الأول عام 2012 واحتل مراكز مميزة في البطولة وحقق نتائج ملفتة، وأصبح الآن بين أفضل أندية المغرب والقارة السمراء ونجومه تحت الطلب في الميركاتو الصيفي بصفة مستمرة.
وتطور بركان محليًا بالتأهل لنهائي كأس العرش المغربي 2014 ومن ثم التتويج به عام 2018، واشتد عوده قاريًا بالتواجد في مراحل متقدمة ببطولة الكونفدرالية 2018 و2019.
وفي نفس الوقت، كان يتقدم فوزي لقجع في الاتجاه الآخر من حياته المهنية، وتتشعب علاقاته ونفوذه في أروقة الاتحادين المغربي والأفريقي.
وتزامن مع ترأسه للاتحاد المغربي، عودة البلاد للمشاركة في كأس العالم، وتتويج الوداد والرجاء بكأسي دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية 2017 و2018، حيث سخر كل الظروف للمنتخب والأندية لتحقيق الإنجازات الحقيقية، هذا كله حدث بعد أن خطف مقعد “محمد رورواة” في اللجنة التنفيذية للكاف عن منطقة شمال أفريقيا.
امتداد جذور فوزي لقجع من بركان إلى أروقة الاتحاد المغربي والاتحاد الأفريقي “كاف”، دفعه نحو ترك “عبد المجيد مضران” لتسيير أمور نهضة بركان في منصب الرئيس المنتدب الذي يستمع لآراء الجماهير العاشقة جيدًا في مقهاه الكروي المثير للإعجاب “الجزيرة”، كي يتفرغ هو لعمله الصعب كرئيس للاتحاد المغربي وكنائب لأحمد أحمد في الكاف.
وتجلت قيمة وشخصية فوزي لقجع قبل أيام من مباراة الزمالك، عندما نجح في وأد حرب كلامية مع رئيس الزمالك “مرتضى منصور”، حين أصر الأخير على وجود مخالفات تنظيمية في المغرب افتعلها لقجع وأدت إلى تأهل بركان إلى النهائي على حساب الصفاقسي بسيناريو مثير للجدل.
وتمادى مرتضى في اتهاماته وتهديداته بأنه لن يسمح بتكرار ما حدث للصفاقسي مع فريقه وسيفعل كل ما في وسعه كي لا يتأثر فريقه ويلعب في ظروف عادية.
لكن فوزي قجع رد عليه بدبلوماسية هدأت الموقف، موضحًا كافة الحقائق لوسائل الإعلام في فيديو مع أحد وسائل الإعلام المحلية، لاقى إشادة من جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الإعلام المصري، أكد خلاله على نزاهة تأهل بركان إلى هذه المرحلة.
وهكذا باتت تصريحات مرتضى بعد موقف لقجع، مُجرد زوبعة في فنجان، خصوصًا وأن الاستقبال الحافل لبعثة الأبيض بمطار وجدة أنجاد كان مُبهرًا، فلم يجد مرتضى مفرًا من رد كرم الضيافة باستقبال مماثل في مطار القاهرة رغم خسارة لقاء الذهاب.
امبراطورية بركان
اكتسب نهضة بركان شعبية في المنطقة الشرقية للمغرب تفوق شعبية أندية لها صولات وجولات في الدوري المغربي في عقود مضت مثل “مولودية وجدة” الملقب بسندباد الشرق.
وساعد بركان تلك النتائج الرنانة التي نجح في تحقيقها أمام الوداد والرجاء في الدوري المحلي وكأس العرش، وهذا دفع عددا من المواهب الشابة في المنطقة الشرقية نحو التطلع للعب معه والدفاع عن شعاره بدلاً من شباب ريف الحسيمة ومولودية وجدة.
لكن النادي يفتقد منذ صعوده إلى الدوري المغربي للمحترفين عام 2012 لمراكز التكوين، ويعتمد بشكل مفرط على شراء أميز اللاعبين بدعم من فوزي لقجع.
ولأن لقجع يسعى لتطوير مشروعه ولبناء إمبراطورية حقيقية في شرق المغرب، وضع حجر الأساس لبناء أكاديمية خاصة بكرة القدم ستهتم بالمواهب الناشئة لصناعة لاعبين بمقاييس احترافية للاعتماد عليهم في الفريق مستقبلاً.
وستمنح تلك الخطوة كل اللاعبين الشباب في المنطقة الشرقية فرصة لخوض تجربة غابت عن المنطقة منذ سنوات عديدة.
ويبقى الهدف الرئيسي لثورة فوزي لقجع تحقيق بركان للقب الدوري المحلي، ومَد المنتخب المغربي الأول بلاعبين نشأوا وترعرعوا في بركان بدلاً من الركض خلف لاعبي المغرب في دول المهجر لإقناعهم بتمثيل أسود أطلس.