الإنجليزية تزاحم الفرنسية في التعليم بالجزائر.. سياسة أم براجماتية؟
بذلت الجزائر، حيث الفرنسية هي اللغة الأجنبية الأولى، جهوداً مضاعفة لإدخال الإنجليزية في التعليم الابتدائي منذ بداية العام الدراسي.
القرار أثار ارتياحاً لدى معارضي الاستخدام الواسع للغة الفرنسية، في مقابل انتقاد البعض للتسرّع في تنفيذه.
لطالما كانت مسألة اللغة في الجزائر موضع نقاش حاد. ففي حين أن هناك إجماعاً على الوضع الرسمي للغة العربية، فإن مكانة الأمازيغية (البربرية)، المعترف بها كلغة رسمية منذ عام 2016، والفرنسية، لغة التعليم العلمي والأعمال، الموروثة من المستعمر الفرنسي السابق، تثير تساؤلات وخلافات لا نهاية لها.
وقال فاروق لعزيزي وهو أب لتلميذين في المرحلة الابتدائية بالعاصمة الجزائرية لوكالة فرنس برس "هذا القرار يمثل تطورا، لكن كان يجب التحضير له جيدا".
تحركات سريعة
أصبح تعلم الإنجليزية واجبا على التلاميذ الذين عادوا إلى مدارسهم في 21 سبتمبر/ أيلول، منذ المرحلة الابتدائية، بينما كان تدريسها يبدأ في المرحلة المتوسطة.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون هو الذي أمر بإدراج اللغة الإنجليزية في المدارس خلال اجتماع لمجلس الوزراء في 19 يونيو/ حزيران. وهو أوضح في نهاية يوليو/ تموز أمام الصحفيين أن "الفرنسية هي غنيمة حرب ولكن اللغة الإنجليزية تظل اللغة الدولية".
خلال فترة العطل الصيفية دخلت وزارة التربية في سباق مع الزمن لتنفيذ التعليمات الرئاسية. وفي أقل من شهرين، تم توظيف حوالي 5000 مدرس لغة إنجليزية وتدريبهم. كما تم إعداد كتاب مدرسي وتوزيعه على المدارس في وقت قياسي.
في المقابل أعرب المتحدث باسم المجلس الوطني المستقل لموظفي التربية، وهو نقابة قوية، عن أسفه لهذا التحرك السريع، قائلا "عندما نسارع لإدماج الإنجليزية دون توفير الأجواء اللازمة، (تتساءل) هل هذا سيخدم نجاح تطبيق القرار أم لا".
تعويض نقص المدرسين
وأشار الخبير اللغوي عبد الرزاق دوراري إلى توظيف مترجمين لتعويض النقص في المعلمين. وأوضح لوكالة فرنس برس "اللجوء إليهم ليس أفضل طريقة لتعليم اللغة لأن المترجم ليس معلّما ولم يتدرب على التدريس.. إذا لم يكن لدينا ما يكفي من المعلمين الأكفاء، فمن الأفضل ألا نبدأ على الفور".
وتقدم نحو 60 ألف جامعي للحصول على وظيفة في التعليم، واشترطت وزارة التربية الحصول على شهادة الليسانس في اللغة الإنجليزية أو الترجمة.
وبدوره اعتبر أحمد تيسة، أستاذ اللغة الإنجليزية سابقا، أن "تدريس أربع لغات (العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية) لتلاميذ المدارس الابتدائية سيخلق إرباكاً في عقول الأطفال".
من ناحية أخرى، رحب أولئك الذين يريدون إنهاء التعليم بالفرنسية بقرار السلطات الذي يضع الآن الفرنسية والإنجليزية في مقام واحد.
واعتبر رئيس نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، الصادق دزيري أن "القرار جيد وانتظرناه طويلا.. لأن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والتكنولوجيا"
وكذلك رحّب عبد الحميد عابد وهو أستاذ لغة إنجليزية في مدرسة متوسطة بالجزائر العاصمة، بقرار الرئيس تبون، معتبرا أن "اللغة الفرنسية قد مرّ عليها الزمن". وقال "يجب أن نواكب التطور التكنولوجي. يجب ألا ننظر إلى هذه المسألة من زاوية التنافس بين الفرنسية والإنجليزية ولكن من وجهة نظر براجماتية".
غنيمة حرب
لعقود من الزمن، خاض المحافظون والعلمانيون معركة شرسة على مكانة اللغة الفرنسية في المنهج التعليمي في الجزائر. وفي خضم الجدل، ذهب البعض إلى القول بأن القرار الجديد يمثل إرادة سياسية في الاستعاضة عن الفرنسية بلغة شكسبير.
وبالنسبة لأحمد تيسة فإن "رئيس الجمهورية كان واضحا. ووصفها بأنها "غنيمة حرب" ما يعني أن الجزائر تستفيد من هذه اللغة في حياتها المؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية".
وأوضح "لقد فوجئت الدوائر المعادية للفرنسيين بهذا (الوصف). كانوا يعتقدون أن الفرنسية ستّلغى من التعليم الابتدائي ويحلمون برؤيتها تختفي من البلاد".
ورأى عبد الرزاق دوراري أنه "سيكون من العبث بل ومن الصعب للغاية استبدال لغة بأخرى في حالة الجزائر"، بسبب السياق "الثقافي واللغوي والتاريخي وحتى الجغرافي".
وقال هذا الخبير اللغوي "لدينا أكثر من 8 ملايين جزائري يعيشون في فرنسا، عائلات مختلطة تأتي وتغادر. وأهم التبادلات السياحية قائمة أساسا مع فرنسا وليس مع إنجلترا".