الإنجليزية تهدد عرش اللغة الفرنسية في الجزائر
توجه جزائري رسمي نحو تعميم اللغة الإنجليزية في التعليم، وتبون يتعهد بجعلها اللغة الثانية في البلاد.
تتجه الجزائر لتعميم استعمال اللغة الإنجليزية في المؤسسات التعليمية والجامعية للمرة الأولى منذ نيل استقلالها عن الاحتلال الفرنسي قبل نحو 58 عاماً.
واتخذت السلطات الجزائرية في الآونة الأخيرة خطوات عملية لفرض اللغة الإنجليزية بعد 6 عقود من سيطرة اللغة الفرنسية، التي قسّمت الجزائريين بين مَن يعتبرها "غنيمة حرب" وآخرين يعدونها "غزواً ثقافياً".
- الجزائر تحدد موعد افتتاح "الجامع الأعظم".. ما قصته؟
- فضيحة "العربية" بوثيقة لوزارة الثقافة الجزائرية.. ومواقع التواصل تشتعل
آخر تلك الخطوات كانت مصادقة مجلس الوزراء الجزائري برئاسة عبدالمجيد تبون على فتح "المدرسة البريطانية"، وإعطاء تعليمات "صارمة" للحكومة لتوفير جميع الظروف لفتح أبوابها وتسهيل عملها.
كما أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية (الجامعات) عن مشروع لإصلاح الجامعة، يرتكز على "الانفتاح على اللغات الأجنبية خصوصاً الإنجليزية.
كما كثف وزير الجامعات الجزائري عبدالباقي بن زيان لقاءاته مع سفيري بريطانيا وأيرلندا الشمالية بالجزائر بهدف "تعزيز مكانة اللغة الإنجليزية" في البلاد.
وأكدت الوزارة الجزائرية في بيانات لها اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيلها سعيها "لأن تكون الجامعة قاطرة التنمية الاقتصادية عبر تعميم اللغة الإنجليزية"، وتم الاتفاق مع لندن وبلفاست على تسهيل تنقل الباحثين بين البلدين والجزائر لتقاسم الخبرات والتجارب الميدانية وتطوير التعليم وضمان جودته.
تحرر من هيمنة اللغة الفرنسية
ولطالما شكلت هيمنة اللغة الفرنسية على المناهج التعليمية والوثائق الإدارية وحتى خطابات المسؤولين انتقاداً شعبياً واسعاً، لتبدأ الجزائر مع حراك 22 فبراير/شباط 2019 المطالب بالتغيير الجذري، وتعيد حساباتها مع "لغة مستعمر الأمس" عبر خطوات باتت "تهدد عرش اللغة الفرنسية" بالجزائر.
وأصبح استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية "مطلباً شعبياً" في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذا البلد العربي، واعتبر حينها المتظاهرون أن اللغة الفرنسية "ما هي إلا امتداد للوصاية الفرنسية على الجزائر".
وتعد الجزائر ثاني أكبر بلد فرانكفوني بعد فرنسا، رغم عدم انضمامها إلى منظمة الفرنكوفونية التي تضم الدول التي تعتمد الفرنسية لغة رسمية أو الأكثر تحدثاً واستعمالاً بين شعوبها.
وذكر "مرصد اللغة الفرنسية" التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية في تقرير له العام الماضي، بأن عدد المتحدثين باللغة الفرنسية في العالم بلغ 300 مليون شخص، بينهم 13 مليونا و800 ألف جزائري، أي ما نسبته 33% من الجزائريين يتحدثون الفرنسية في حياتهم اليومية.
وكانت وزارة الدفاع الجزائرية أول جهة رسمية جزائرية "تعلن القطيعة مع اللغة الفرنسية" عام 2015، بعد قرار مفاجئ بتغيير لافتة مقر الوزارة بالعاصمة واستبدالها بأخرى مكتوب عليها "وزارة الدفاع الوطني" باللغتين العربية والإنجليزية بدل الفرنسية.
تبعتها مؤسسة "بريد الجزائر" عام 2018، عندما اتخذت خطوة مفاجئة بإلغاء استعمال اللغة الفرنسية في جميع وثائقها الرسمية واستبدالها باللغة العربية.
وأظهرت نتائج استفتاء إلكتروني أطلقته العام الماضي وزارة التعليم العالي الجزائرية حول استبدال لغة التدريس والمناهج الجامعية من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية، عن رغبة أكثر من 80% من طلبة الجامعات اعتماد اللغة الإنجليزية في المناهج الجامعية.
وتفاعل الجزائريون بشكل غير مسبوق مع وزير الخارجية صبري بوقادوم الذي يقول المراقبون إنه "أحدث الاستثناء" بحديثه ببعض اللغات الأجنبية خلال المؤتمرات الصحفية مع نظرائه من مختلف الدول وفي الأمم المتحدة، خصوصاً بالإنجليزية والإسبانية وإتقانه للعربية، وتفاديه الحديث بالفرنسية حين ظهوره عبر وسائل الإعلام.
وتُدرس تخصصات علمية كثيرة في الجامعات الجزائرية باللغة الفرنسية، أبرزها الطب والصيدلة وجراحة الأسنان والهندسة المدنية والري والإعلام والميكانيكا وغيرها.
كما أطلقت الحكومة الجزائرية قناة تلفزيونية تعليمية جديدة، وحددت 3 لغات فقط لتدريس التلاميذ والطلبة بها في قرار غير مسبوق، وهي العربية والإنجليزية والصينية، واستثنت منها اللغة الفرنسية.
وأعلنت أيضا وزارة التربية والتعليم الجزائرية "إلغاء امتحان مادة اللغة الفرنسية" من امتحانات الترقية المهنية في القطاع للمرة الأولى منذ استقلال الجزائر.
إرادة سياسية
ويرتبط التوجه الجزائري الجديد مع اللغة الفرنسية بالبرنامج الانتخابي للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، حيث تعهد بأن "يجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الثانية في البلاد".
ويعكس ذلك- بحسب المراقبين- تبني السلطات الجزائرية الجديدة مطالب الشارع، لبلورتها في شكل إرادة سياسية "قد تسقط اللغة الفرنسية" من عرشها.
وهي القرارات التي أخرجت السفارة الفرنسية في الجزائر عن صمتها، إذ أعربت عن "مخاوفها على مكانة لغة بلادها في الجزائر"، ورغبتها في "الحفاظ على العلاقات بين البلدين خصوصاً في المجال التعليمي" وتطوير ما وصفته بـ"الإرث المشترك".
زوال الفرنسية بعد 30 عاماً
في سياق متصل، كشفت دراسة للمجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر عن "احتمال زوال اللغة الفرنسية من الجزائر بحلول عام 2050".
وتوقعت الدراسة أن تصبح الإنجليزية اللغة الأجنبية الأولى في الجزائر عام 2050، تليها الإسبانية والروسية، مع عودة تصدر اللغة العربية في البلاد.
حاجة تعليمية وثقافية
وأشار الأكاديمي والباحث يحيى جعفري في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن "مسألة القطيعة مع اللغة الفرنسية لا يمكن اعتبارها قطيعة مع لغة، بل مع مشروع ثقافي يعتبره الجزائريون استكمالاً للاستقلال الوطني".
واعتبر أن "اللغة الفرنسية في كل العالم محدودة ومحصورة ومهجورة، وحتى فرنسا تجري تعديلات على مناهجها للالتحاق بلغة العلم والبحث والتي يتداولها أكبر عدد من سكان العالم".
وأوضح أن "المطلب في الجزائر هو انتقال معرفي قبل أن يكون مطلباً سياسياً لاستكمال الاستقلال، على اعتبار أن اللغة الإنجليزية هي حاجة معرفية بالنسبة للجزائر للتمكن من استحقاق لغة حية ولغة القرار السياسي العالمي اليوم".
ويرى الأكاديمي الجزائري أن "اللغة الإنجليزية باتت مطلباً شعبياً حقيقياً وليس عاطفياً، بحكم أن الجزائريين وخاصة الطلبة منهم أصبحوا أكثر تفتحاً بفضل منصات التواصل الاجتماعي، وأدركوا بأن الإنجليزية أنفع لهم، وهو اليوم يطالب به سياسياً ومعرفياً".
وأرجع توفر الإرادة السياسية لتعميم اللغة الإنجليزية في البلاد بعد سنوات من سيطرة الفرنسية إلى "أن المطلب الشعبي كان منذ القدم، لكن قوبل بتردد رسمي، لعدة أسباب، أبرزها ارتباط النخب الحاكمة في الجزائر بهذا الانتماء، لكن اليوم تحررت الإرادة السياسية".
ضرورة اقتصادية
أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور لزهر ماروك فقد أعطى أبعاداً أخرى لأهمية إعادة النظر في اللغة الإنجليزية في البلاد، مركزا على أهميته في الجانب الاقتصادي.
وأوضح في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "الجزائر متأخرة كثيراً في إدراج اللغة الإنجليزية كلغة حيوية وحية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، خاصة مع وجود لوبي قوي داخل الجزائر يخدم لصالح اللغة الفرنسية على حساب اللغة الإنجليزية، رغم تقهقر الفرنسية حتى في عقر دارها، وهذا اللوبي المتنفذ داخل الإدارة عرقل إدراج الإنجليزية وقام بعملية الغلق على الجزائر حتى لا تدرجها بشكلها الطبيعي، وهذا ما جعل المنظومتين التربوية والجامعية في الجزائر تتأخر كثيراً عن الركب العالمي، والجامعات الجزائرية غير مصنفة بالنظر إلى غياب اللغة الإنجليزية".
وأضاف أن الجزائر بأمس الحاجة للتدريس بالإنجليزية في جميع التخصصات "حتى نواكب التطور العلمي والحضاري الذي يشهده العالم، وكل الدول المتقدمة اقتصادياً متحكمة بشكل جيد في هذه اللغة".
aXA6IDMuMTQ0LjEwOC4yMDAg جزيرة ام اند امز