الجزائر تحدد موعد افتتاح "الجامع الأعظم".. ما قصته؟
تبون يحدد تاريخ ذكرى اندلاع الثورة التحريرية موعدا لافتتاح مسجد الجزائر الأعظم، و"العين الإخبارية" تكشف قصة دلالاته التاريخية والدينية.
بعد 5 أعوام من الانتظار، يترقب الجزائريون افتتاح "جامع الجزائر الأعظم" في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تزامناً مع الذكرى الـ66 لاندلاع الثورة ضد الاستعمار الفرنسي (1954– 1962).
القرار أعلنه، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال أول زيارة تفقدية له إلى المسجد منذ توليه الحكم، وهو المسجد الذي عاد إليه بعد أن كان مشرفاً على عملية إنجازه عندما كان وزيراً للسكن ورئيساً للوزراء (عامي 2014 و2017)، "وهدد حينها المتسببين في تأخير إنجازه بأقصى العقوبات".
وعاد إليه رئيساً للبلاد، ليؤدي به أول صلاة، تحية لثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، إيذاناً باقتراب موعد افتتاحه.
وخلال زيارته، كشف "تبون" عن اختيار الذكرى الـ66 لاندلاع الثورة موعدا لتدشينه، وأمر بإنشاء هيئة تسيير الجامع.
صدمة أتباع أردوغان
ولأن "الصدفة خير من ألف ميعاد" كما يقول المثل، فقد تزامن الإعلان عن موعد افتتاح هذا الصرح الديني الكبير في العالمين العربي والإسلامي، مع "البهرجة والدراما" التي أطلقها إخوان الجزائر بعد قرار النظام التركي تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد.
حينها، استهجن كثير من الجزائريين طريقة تعامل من يصفونهم بـ"الجالية التركية" في إشارة إلى الإخوان وذبابهم الإلكتروني مع حدث لا علاقة له ببلادهم، حينما راحوا "يهللون ويباركون وحتى يتباكون" على مسجد آيا صوفيا، كما علق كثير من رواد مواقع التواصل.
كما زعم ذلك الذباب الإخواني بأن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد "انتصار تاريخي للمسلمين"، وهي التعليقات والمنشورات التي صدمت الجزائريين من "أتباع الطريقة الأردغانية" مما أسموه "عبارات تأليه أردوغان أو اعتباره رسولاً جديداً ظهر في آيا صوفيا".
وانتقدوا في المقابل "عمى الإخوان" عن صرح "مسجد الجزائر الأعظم" كثالث أكبر مسجد في العالم، وما يعنيه من رمزية دينية وتاريخية كبيرة ومعمارية لكل العرب والمسلمين، أخرجت مسجداً بـ"خصوصيات جزائرية وهندسة معمارية إسلامية مغاربية".
وحذر آخرون من أن تركيز الذباب الإخواني على مسجد آيا صوفيا قد يكون "مؤشراً على سعي تركي إخواني لتحويل قبلة المسلمين من القدس والحرمين الشريفين إلى المسجد التركي"، تماشياً مع الأوهام المرضية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة "أوهام الدولة العثمانية".
دلالة تاريخية دينية
ما لا يعرفه الكثير، أو ما يريد الإخوان طمسه عن حقيقة مسجد الجزائر الأعظم، هي حقائق يجمع الجزائريون على وصفها بـ"المشرفة" التي تضاف إلى مساحته الشاسعة وهندسته المعمارية الخاصة والتقنيات الحديثة في بنائه.
حيث يرتبط مكان تشييد الجامع برمزية تاريخية وثقافية ودينية خاصة جدا، حيث تم بنائه في منطقة "لافيجري" وتم تغييرها إلى "المحمدية"، ومن هنا تكشف "العين الإخبارية" القصة المرتبطة بتضحيات الجزائريين إبان فترة الاحتلال الفرنسي.
البداية من حقيقة الاسم القديم "لافيجري"، حيث أطلقت فرنسا التسمية على تلك المنطقة في العاصمة الجزائرية نسبة إلى الكاردينال "شارل لافيجري" الذي دخل مع الجيش الفرنسي بعد احتلال الجزائر سنة 1830 مع "جيش آخر من المبشرين".
"لافيجري" أسس "جمعية الآباء البيض التبشيرية" وشيد بالمنطقة عدد كبيراً من الكنائس التبشيرية، لتتحول تلك المنطقة في الجزائر العاصمة إلى "عاصمة للتبشير في الجزائر وكل أفريقيا".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ارتكب الكاردينال لافيجري "إبادة جماعية" في حق قبيلة "العوفية" سنة 1832 والتي كانت تقطن بالمنطقة ذاتها التي حولها إلى عاصمة للتبشير، بعد أن رفضوا الاستسلام وإخلاء المكان وتسليم الأرض.
لم يعتمد الكاردينال الفرنسي في حملة التبشير على الإقناع، بل استعمل كل أنواع التعذيب لإجبار الجزائريين على اعتناق الديانة المسيحية، وقتل الآلاف منهم.
وفي 2014 اتخذت الجزائر خطوة لـ"محو تلك الذكرى الأليمة والدامية من تاريخ الاستعمار الفرنسي"، وقررت بناء صرح ديني ضخم يكون منارة إسلامية جديدة تضيء أفريقيا وشمالها بـ"السلام الحقيقي البعيد عن كل أشكال الإرهاب والتطرف والأخونة".
وفي تعليقه على اقتراب موعد افتتاح ثالث أكبر مسجد في العالم، كتب الباحث بوزيد بومدين عبر صفحته على "فيسبوك": "سيكون جامع الجزائر أمَّ الجوامع الأقطاب التي على الدولة وضع دفتر شروط يَحول دون العبث في الهندسة المعمارية، وأن المساجد ليست فقط للتعبّد ولكنها حياة، فيها الجمال والخير والحقّ والعلم".
وتابع قائلاً: "نكون بفضلها أمام رؤية بصرية جديدة تهذِّب وجداننا وتعطينا معنى الحسّ بالجمال وبالبيئة، إنه البياض الروحي الذي هو أهم من الشكل، يقبل بالآخر وينتشلنا من العقل الطائفي وجاهلية العِرق والتاريخ، فالإسلام والجزائر أكبر من التاريخ واللغة والأصل الإثني، وإن كان بعض من هذا تعبير عن ذلك".