مسجد سيدي الحَلْوي في الجزائر.. أعجوبة الزيانيين في تلمسان
مسجد سيدي الحلوي سمي باسم شيخ القضاء في إشبيلية، وشيد عام 754 هـ.. تعرف على فن العمارة المرينية للزيانيين في الجزائر
توجد في الجزائر عديد من المدن التي بقيت محافظة على إرث العمارة العربية الإسلامية من مساجد وقصور ومواقع أثرية ما زالت شاهدة إلى يومنا على حقب الحضارة الإسلامية التي مرت على الجزائر من الأدارسة إلى الموحدين والمرابطين والزيانيين.
- مسجد عقبة بن نافع.. شاهد على الفتوحات الإسلامية في الجزائر
- "الجامع الكبير" بالجزائر.. شاهد منذ 7 قرون على عصر المرابطين
ومن بين المدن الجزائرية المتشبعة بالثقافة العربية الإسلامية في كل تفاصيلها، توجد لؤلؤة المغرب العربي، وهي مدينة تلمسان الواقعة غرب الجزائر، وهي المدينة التي تسحر كل من زارها، ويصفونها أيضا بـ"المتحف الكبير".
تتميز تلمسان بطابعها العمراني الفريد الذي نجده في كثير من البنايات القديمة الموروثة عن الحضارة الإسلامية في الجزائر، كما بقيت عديد من الشواهد الدينية الشامخة، من أبرزها "مسجد سيدي الحَلْوي" الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، وبقي شاهداً حياً على دولة الزيانيين في الجزائر التي كانت تلمسان عاصمتها، وحكمت الجزائر من 1235 ميلادي حتى 1554.
تاريخ مسجد سيدي الحَلْوي
"مسجد سيدي الحَلْوي في تلمسان الجزائرية يعد البصمة المترسخة للزيانيين، ويقع في شمال وسط المدينة بسفح جبل المدينة، ويعود تاريخ تشييده إلى عام 754 هجريا الموافق لـ 1353 ميلاديا من قبل السلطان المريني أبي عفان فارس، ويشبه في هندسته المعمارية مسجد قرطبة بإسبانيا ومسجد حسان في العاصمة المغربية الرباط.
ولتسمية المسجد قصة ككثير من مساجد الجزائر العتيقة، حيث قرر السلطان المريني أبي عفان فارس تشييده "تكريماً لشيخ القضاء الأندلسي أبي عبد الله الشوذي الإشبيلي" الذي تولى القضاء في الأندلس، ويسميه أهل تلمسان منذ القدم "سيدي الحلوي".
من هو سيدي الحلوي؟
شيخ القضاء والعالم الكبير أبو عبدالله الشوذي الإشبيلي، تولى القضاء في إشبيلية، وبعد سقوطها على يد قشتالة المسيحية سنة 1248 م وتعرضِ أهل المدينة للقتل والتهجير. لم يجد شيخ القضاء إلا مدينة تلمسان "منفى له" مع عدد كبير من سكان الأندلس الذين فروا إلى مختلف المدن الجزائرية، واستقر العالم بتلمسان عام 737 هجريا الموافق لـ 1266 م، لتكون فرصة له للتفرغ للعلم والفقه.
- "سيدي غانم".. أول مسجد شُيد في الجزائر منذ 1380 عاما
- "الموحدون" بالجزائر.. مسجد تحت الأرض تحدى الاستعمار
لم يكن أبو عبدالله الشوذي الإشبيلي عالماً فقط، بل كان من أشهر صانعي الحلوى في مدينة تلمسان الجزائرية التي كانت مصدراً لزرقة، ومن مهنته الجديدة لقبه أهل المدينة "بالحلوي"، إذ كان يصنع الحلوى ويبيعها لسكان المدينة في الصباح.
غير أنه كان يفضل أن يخصص وقتاً في المساء ليوزع الحلوى بالمجان على أطفال المدينة، الذين كانوا ينتظرونه كل مساء ويلتفون حوله، وأصبح من أشهر وأكثر الأشخاص الذين كسبوا حب سكان مدينة تلمسان.
استدعاه سلطان الدولة الزيانية إلى قصره، وطلب منه تعليم أبنائه الأمراء، وأصبح مع مرور الوقت من أكثر الرجال الموثوقين عند السلطان، وذكرت دراسات تاريخية أن أحد وزراء السلطان نصب له فخاً لإبعاده عن حاشية السلطان.
وذكرت الدراسات التاريخية أن الوزير اتهم العالم الأندلسي بممارسة السحر والشعوذة، وأعطى أوامر بقتله وتعليق رأسه، ورمي جثته للكلاب، ووجد سكان المدينة رأس العالم "سيدي الحلوي" وقرروا دفنه في تلة مرتفعة.
وبعد مدة، اكتشف السلطان خداع وزيره له بحسب الدراسات التاريخية، وبأنه مات ظلماً، فقرر دفن وزيره حياً، والتكفير عن ذنبه بتكريم العالم وشيخ القضاء الأندلسي ببناء مسجد بالقرب من قبره، وسماه مسجد "سيدي الحلوي"، ويقع ضريح "سيدي الحلوي" وسط جرف بالجهة الجنوبية الشرقية للمسجد.
هندسة مسجد سيدي الحَلْوي
تعكس الهندسة المعمارية للمسجد فن العمارة المرينية، ويلقب "بأعجوبة الدولة الزيانية"، ويظهر شكله مستطيلاً، وله ثلاثة أبواب في الجهات الشرقية والغربية والوسطى من المسجد.
حتى إن لأبواب المسجد خصوصية رائعة، تتمثل في النقوشات والفسيفساء والزخارف، وفوقها توجد لوحة منقوشة بخطوط أندلسية.
وبالنسبة للبوابة الرئيسية للمسجد، فيحيط بها شريط زخرفي، ويسمى "إفريز" وهو مكون من بلاط فسيفسائي به أشكال فخارية هندسية مدقوقة قطعة بقطعة، ويعلوها شريط من زخارف هندسية مكتوب عليها تاريخ تشييد المسجد واسم مؤسسه، وتظهر بأشكال نجمية بثمانية رؤوس، ويسمى "الزليج"، وهو من نوع الفن الإسلامي الذي تطور في منطقة المغرب العربي والأندلس.
يوجد بالمسجد صحن مربع الشكل يتوسطه حوض الوضوء، وتحيط به أورقة تضم قاعة صلاة مربعة الشكل وتقع في مقدمة المسجد، كما تتكون قاعة الصلاة من 5 أروقة و4 بلاطات متوازية مع جدار القبلة وصفين من الأعمدة المرمرية.
وسقوف المسجد التقليدية مصنوعة من خشب الأرز، وتظهر بزخارف هندسية متشابكة مكونة من نجميات ومثمنات ومعينات ومربعات، وهي السقوف التي ورثها الزيانيون عن الموحدين.
مئذنة المسجد شيدت في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد، وترتفع بشكل مربع الزوايا، وبها برج رئيسي ومزين بشبكة من المعينات وبزخارف مصنوعة من الزليج المستوحى من العمارة الموحدية.
يبلغ ارتفاع المئذنة 20.35 متر، وطول ضلعها 4.67 متر، وبداخلها سلم به 89 درجة، ومغطى بقبو نصف دائري، وينتهي برج المئذنة بسور صغير يصل ارتفاعه إلى 1.15 متر، تعلوه 12 شرفة يبلغ ارتفاعها 0.50 متر، وكل واحدة منها مسننة بخمسة أسنان.