تعرف على مسجد "سيدي غانم" الواقع في مدينة "ميلة" العتيقة التي تبعد 495 كيلومترا شرق العاصمة الجزائرية.
توجد بالجزائر الكثير من المساجد ودور العبادة التي يعود تاريخها إلى قرون خلت، لكن ورغم عددها الهائل، إلا أن الحديث عن أول مسجد يشيد في بلد عربي وإسلامي كالجزائر يبقى من المواضيع التي يتم التطرق لها نادرا.
فأول مسجد شُيد في الجزائر والثاني بالمغرب العربي بعد مسجد القيروان بتونس، هو مسجد الفاتح الإسلامي "أبو المهاجر دينار" أو كما يسمى اليوم مسجد "سيدي غانم"، الواقع في مدينة "ميلة" العتيقة التي تبعد 495 كيلومترا شرق العاصمة الجزائرية.
أما تسميته اليوم بمسجد "سيدي غانم" فهو مرتبط بأحد أولياء الله الصالحين الذين كانوا من رجالات العلم والمعرفة في هذه المنطقة.
فالأبحاث التاريخية أكدت أن هذا المسجد هو الأقدم في الجزائر، نظرا لمعطيات علمية، ومنها اتجاه محراب المسجد الأصلي والذي كان نحو الجنوب، كما كان شائعا في المساجد الإسلامية الأولى بالمشرق العربي.
ففي سنة 55 هجرية، فتح الصحابي "أبو المهاجر دينار" مدينة "ميلة" التي كانت آنذاك مهداً للديانة المسيحية، وفي سنة 59 للهجرة، شيد الصحابي "أبو المهاجر دينار" أول مسجد بالجزائر الموافق لسنة 678 ميلادية، حيث صنفه المؤرخون بأنه أقدم مسجد على مستوى المغرب العربي بعد مسجد القيروان.
فمنارة المسجد كان بها 365 درجا على عدد أيام السنة، ويبلغ علوها 62 مترا، وهو ما يعادل 20 طبقا من البنايات الحديثة، أما عن تخطيطه، فيذكر علماء الآثار والتاريخ أنه يشبه مسجد القيروان بتونس والمسجد الأموي بسوريا.
من جانب آخر، حدد علماء التاريخ معالم المسجد الذي تم بناؤه بعد 4 سنوات من حكم البيزنطيين، من خلال الباب الشرقي لمدينة "ميلة" العتيقة، الذي يسمى "باب البلد"، وهي المنطقة التي كان فيها المسجد ملاصقا لدار الإمارة.
لكن الاستعمار الفرنسي المعروف بحقده على الإسلام والمسلمين وبعد احتلاله الجزائر، هدم منارة المسجد وبنى بحجارتها كنيسة بوسط المدينة تعرف اليوم باسم "جامع المارابو"، أما المسجد فقد قسمه الفرنسيون إلى قسمين.
القسم العلوي خصص كمرتع لجنود الاحتلال الفرنسي، أما القسم السفلي فجعلته إدارة الاحتلال "اسطبلات للخنازير والأحصنة"، كما تم تحويل دار الإمارة التي بناها الفاتح أبو المهاجر إلى "مطبخ للجنود"، وجعل من بيت الوضوء "مرشات للجنود".
حيث بقيت إلى يومنا هذا، الثكنة العسكرية والأسوار الأربعة شاهدة على فترة الاستعمار الفرنسي، في حين بقي المسجد مغطى من الخارج بالقرميد، بعد أن حاول الاستعمار تدميره بالكامل، فبقيت آثاره رغم عوامل الزمن ومحاولات الاستعمار طمس الهوية الإسلامية الجزائرية، وهي الأثار التي تدل على معلم تاريخي رفض السقوط، وشاهدا على تاريخ الجزائر.
وللمحافظة على تاريخ الجزائر، شهد هذا المعلم الديني والتاريخي منذ سنوات، اهتماما أكاديميا متزايدا من خلال عدد من الدراسات الأثرية والتاريخية، وكذا زيارات الباحثين والطلبة الجامعيين، وهي الدراسات التي سمحت باكتشاف حقائق قيمة تتعلق بهذا الصرح التاريخي، ولعل أهم ما توصل إليه الباحثون من أدلة وحقائق حول مسجد "سيدي غانم"، أنه أقيم "بمحاذاة الكنيسة الرومانية البازيليكا"، و"ليس على أنقاضها" كما كان شائعا في السابق.
كما دلت نصوص أثرية على قدم هذا المسجد في التاريخ الإسلامي، من بينها نوعية مواد البناء القديمة جدا، فضلا عن اكتشاف قطعة نقدية تعود للعهد الإدريسي، كما أشار الباحثون إلى اقتداء بناء المسجد بأنماط عمرانية وزخارف عُرفت "بالمساجد المدينية" نسبة إلى المدينة المنورة ومسجدي القيروان والأموي.
وكانت وزارة الثقافة الجزائرية، قد أطلقت برنامجاً لترميم المسجد، وإعادة الاعتبار له خاصة وأنه يشكل معلماً دينياً وتاريخياً وثقافياً مهماً للجزائر، كما قامت بتسييج المسجد وكل الأسوار المحيطة به.