"الموحدون" بالجزائر.. مسجد تحت الأرض تحدى الاستعمار
في مدينة "البَيَّض" (800 كيلومتر جنوب غرب الجزائر) وفي صحراء قاحلة يوجد "مسجد الموحدين" المشيد تحت الأرض
يوجد في الجزائر قرابة الـ20 ألف مسجد، بني 90 بالمئة منها بعد استقلال الجزائر عام 1962، حيث تضاعف عددها في المدن الجزائرية خاصة بعد ارتفاع عدد السكان، وحتى في القرى والبلدات وفي أعالي الجبال، فلا يمكن للمتنقل إليها إلا أن يجد مسجدا ومئذنة كغيرها من بقية المدن.
لكن أن يجد الجزائري أو أي زائر إلى هذا البلد العربي المسلم "مسجدا تحت الأرض"، فإن الأمر يدفعه إما لزيارته أو للاستفسار عنه.
ففي مدينة "البَيَّض" (800 كلم جنوب غرب الجزائر) وفي صحراء قاحلة، يوجد "مسجد الموحدين" المشيد تحت الأرض، الذي تبلغ مساحته 200 متر مربع وعلى عمق 6 أمتار، وهو المسجد الوحيد في الجزائر الذي اختير له أن يكون في مكان يفترض أنه مسكن الأموات، كما يذكر أهل هذه المدينة العريقة.
ولدخول المسجد، توجد بوابة صغيرة تقع فوق الأرض، ومنها ينزل المصلون على سلالم متقنة تم إنجازها خلال عمليات الحفر.
فكثير ممن دخلوا المسجد اعتقدوا أن تشييد هذا المسجد كان لمهندس معماري، بسبب التناسق الغريب في كل جدرانه وأركانه، وحتى التطابق الموجود بين مساحة المسجد والأعمدة الأرضية التي تحمله.
لا عجب إن اكتشف زائر هذا المسجد أن بناءه تحت الأرض له قصة مشرفة في تاريخ الجزائر، بل قصة تروي كفاح شعب وإصراره على المحافظة على هويته الإسلامية والعربية التي حاول الاستعمار الفرنسي طمسها بكل الوسائل "غير المشروعة" التي استمرت 132 سنة.
البداية كانت سنة 1930، عندما قرر شيخ من هذه المدينة يسمى "الشيخ محمد بن بحوص" أن يحفر باطن الأرض ليتخذ منها "مسجدا سريا" بعد أن وصل الأمر بالاستعمار الفرنسي إلى منع الجزائريين من ممارسة شعائرهم الدينية ومن تعلم وحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية، مستعملا قوة السلاح لمنعهم من ذلك، بل لجأ حتى إلى تهديم بعضها أو تحويل أخرى إلى كنائس للمسيح ودير لليهود، فكان بناء هذا المسجد بمثابة التحدي الذي رفعه هذا الشيخ في وجه جبروت الاستعمار.
وما يؤكد أن هذا المسجد كان مصدرا لقوة سكان المنطقة، أنْ شهد خلال فترة الاستعمار الفرنسي تخرج 375 طالبا حافظا للقرآن الكريم، والتحاق عدد كبير منهم بصفوف الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة، كما كان وقتها مخبأ للمجاهدين الجزائريين.
ومن طريقة بنائه يتضح أن هذا الشيخ الفاضل كان مصمما على تشييد المسجد بأي شكل من الأشكال؛ حيث استعان بوسائل (يقول سكان المنطقة) إنها أقل ما يقال عنها "بدائية"، ومستعملا أيضا مواد البناء المعروفة في تلك الفترة بهذه المنطقة، وهي الوسائل التي ساعدته على نحت الصخور، إلى أن شكل بعد أشهر من الحفر مسجدا سقفه باطن الأرض ومتكأَ على أعمدة صخرية.
الشيخ محمد بن بحوص، الذي خدع مكر الفرنسيين بفكرة تشييد مسجد تحت الأرض من منطلق اعتزازه وغيرته ودفاعه عن هوية الشعب الجزائري، وجد نفسه بعد 20 سنة يعاقَب بتهمة "جريمة إنشاء مسجد"، بعد أن تمكن الاحتلال الفرنسي سنة 1950 من اكتشاف مكان المسجد، حيث سارع قادة الاحتلال إلى اعتقال الشيخ بن بحوص ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إلى أن وافته المنية عام اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية في 1954.
لكن، ورغم كل محاولات المستعمر طمس هوية الشعب الجزائري، إلا أن هذا المسجد بقي قبلة للمجاهدين ولسكان المنطقة، وما زال إلى يومنا هذا شاهدا على تلك الفترة.
وحتى بعد استقلال الجزائر، لا يزال هذا المسجد القبلة المفضلة لسكان المنطقة لأداء صلواتهم خاصة مع ما يوفره من ظروف ملائمة في فصلي الشتاء والصيف.
aXA6IDMuMTQyLjIwMC4yNDcg جزيرة ام اند امز