خلال عام 2018 فقط تأسست 500 شركة ترفيهية، وفرت أكثر من 20 ألف فرصة وظيفة، كما قدمت الهيئة أكثر من 3200 يوم من الفعاليات الترفيهية
كعادة الأحداث الاجتماعية الكبرى في السعودية، تصعد في جدلها ونقاشاتها لأبعد مدى، ثم تهبط على الأرض، وتصبح واقعا يعتاد عليه الناس. وعلى هذا المنوال كان التعاطي مع مناسبات الترفيه؛ فبقدر الجدل الذي يثار كلما بدأت فعاليات جديدة تطأ أقدامها المملكة لأول مرة، بقدر القفزات الكبرى التي تتحقق واقعا في كل مرة، ليس في عدد أو نوعية الفعاليات التي تقام، وإنما في القبول والحماس للمفهوم الجديد الذي يتشكل داخل المجتمع. فقبل ثلاث سنوات مثلا، كان لا يمكن لأحد أن يتخيل أن السعوديين سيندمجون بهذه السرعة مع ما يحدث من تطور متسارع في بلادهم، إلا أن الحقيقة أنهم لم يندمجوا فقط، وإنما كسروا حواجز عدة، اعتقد كثيرون أنها ستأخذ عقودا طويلة لتنحسر.
هذه المحاولات التحريضية ليست جديدة على المجتمع السعودي، الفرق أن السعوديين استوعبوا تجاربهم السيئة السابقة جيدا، وطووها في غياهب النسيان، ولم يعودوا يسمحون بأن يسيرهم أحد أو يدلهم على طريق غير الطريق الذي اختاروه بأنفسهم
خلال إحدى جلسات منتدى دافوس 2019، قال محافظ الهيئة العامة للاستثمار في السعودية، إنه خلال عام 2018 فقط تأسست 500 شركة ترفيهية، وفرت أكثر من 20 ألف فرصة وظيفة، كما قدمت هيئة الترفيه أكثر من 3200 يوم من الفعاليات الترفيهية لأكثر من 19 مليون زائر، وكل دولار استثمر فيها تضاعف. تخيلوا 19 مليون زائر كان ممكنا أن تضيع الفرصة عليهم للاستمتاع والفائدة؛ لأن هناك من يدّعي أن هذه الأحداث غير مناسبة؛ بل 19 مليون زائر سيحرمون من حقهم في الاختيار؛ لأن هناك من لا يعجبه مثل هذا التحول. لو تم فعلا الاستماع لمثل هذه الأطروحات التحريضية، لفقدت الدولة، ليس بابا للترفيه لمواطنيها، وهو ذو أهمية قصوى على كل حال، ولكن أيضا موردا اقتصاديا تعول عليه كثيرا، كما في خسارة 500 شركة و20 ألف فرصة عمل، وكل هذا تم في عام واحد فقط، وقبل إطلاق الاستراتيجية الجديدة للترفيه، التي ينتظر أن تفتح آفاقا مضاعفة، باعتبارها تهدف إلى جعل المملكة من بين أول أربع وجهات ترفيهية في منطقة آسيا، وبين أول عشر وجهات على مستوى العالم.
الجميل أن «رؤية المملكة 2030» تعترف بأنه على الرغم من أن الثقافة والترفيه من مقومات جودة الحياة؛ فإن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي تعيشه الدولة؛ فصناعة الترفيه ليست حفلات غنائية أو عروضا سينمائية فحسب، فهي أيضا رافد اقتصادي لأي بلد في العالم، لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية، من مكتبات ومتاحف ومسارح، ودعم للموهوبين من الكتاب والمؤلفين والمخرجين والفنانين؛ بحيث تكون المحصلة النهائية خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة.
تقول الإحصائيات في السعودية إن نحو ثلثي السكان الذين يبلغ عددهم 30 مليون نسمة هم دون سن الـ30. وبالتأكيد هؤلاء هم المستفيدون بالدرجة الأولى من قطاع الترفيه، وهم الأكثر احتياجا وارتباطا بتعدد فعالياته، وهم الشريحة التي وجدت ما يناسبها ويواكب رغباتها، ربما أكبر من الشرائح العمرية الأخرى. وفي الوقت نفسه علينا ألا نغفل عن أن التحفظات من قبل بعض مكونات المجتمع، علينا أن نراها طبيعية، ولا تُستغرب؛ بل من الواجب استيعابها، كجزء أساسي من أي عملية تغيير يواجهها مجتمع بالعالم، وهذا بالتأكيد مختلف عن مساعي استغلال بعض الموتورين لمثل هذه الفعاليات للتجييش عليها، وإظهارها وكأنها أشر ما في العالم. فهذه المحاولات التحريضية ليست جديدة على المجتمع السعودي، الفرق أن السعوديين استوعبوا تجاربهم السيئة السابقة جيدا، وطووها في غياهب النسيان، ولم يعودوا يسمحون بأن يسيرهم أحد أو يدلهم على طريق غير الطريق الذي اختاروه بأنفسهم.
* نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة