البيئة.. ضحية الحرب الحوثية على عدن
تتميز مدينة عدن اليمنية بتكوينات طبيعية مثل سلسلة "براكين عدن" التي تشكلت طبيعيا وتعد موقعًا متميزًا لأحد أهم الموانئ الملاحة العالمية.
وتتميز عدن بتنوع ثرواتها الطبيعية بين الجبل والبحر، والذي احتضن العديد من معالم التنوع الحيوي والبيئي من النباتات والطيور والجزر البركانية والصخرية والبيئات البرية والبحرية، غير أن الحرب الأخيرة التي أشعلتها المليشيات الحوثية منذ 2015 على اليمنيين، لم تستثنِ كل هذا الموروث من الاستهداف والدمار والتخريب.
فما أسفرت عنه الحرب من موجة نزوح هائلة صوب مدينة عدن، فرض على النازحين إنشاء ملاجئ عاجلة لإيوائهم، لكن الأمر المؤسف، أن تلك الملاجئ تركزت على مواقع تمثل الموروث الطبيعي للعاصمة المؤقتة.
وهذه المنهجية في استهداف طبيعة التركيب الجيولوجي للمدينة وصفها أكاديميون وخبراء بيئيون في جامعة عدن، بأنها "حرب على البيئة العدنية".
وأشاروا إلى أن التواجد الحوثي في مدينة عدن، مهّد وكرّس لسلوكيات وممارسات لم تستطع الجهات المختصة حينها الخلاص منها، جعلت من البيئة والتنوع الطبيعي للمدينة ضحيةً مباشرة لهذا الوضع.
وأشار أستاذ الجيومورفولوجيا التطبيقية، ونائب رئيس مركز الدراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن الدكتور فواز باحميش، إلى أن ما نتج من تداعيات الحرب الحوثية على عدن من تدفق للنازحين سهّل عملية بناء العشوائيات على سلسلة التلال الطبيعية لمدينة عدن.
وقال الدكتور باحميش لـ"العين الإخبارية"، إن المتضرر الأول من تواجد العشوائيات هي البيئة العدنية التي تم تشويهها من خلال البناء غير المرخص على التلال البركانية والجروف الجبلية، وإن الخطر الأكبر يتمثل في إنشاء العشوائيات على مجاري السيول والأمطار.
وأوضح باحميش، أن البناء العشوائي تسبب بطمس هوية مدينة عدن الطبيعية، وهدد بتلاشي النمط المعماري العدني، بسبب إنشاء أبنية بشكل مستعجل لا تلتزم بالشروط والمواصفات المطلوبة للأبنية المستدامة.
وتفتقر هذه العشوائيات لأبسط الخدمات الأساسية في الوحدات السكنية المخطط لها حضريًا؛ مما يدفع ساكنيها إلى الربط العشوائي للكهرباء واستنزاف آبار المياه التاريخية التي أنقذت مدينة عدن في الحروب وأوقات الطوارئ والكوارث الطبيعية.
وأكد الباحث اليمني، أن البيئة هي الضحية المنسية من الحروب وغياب سلطات الدولة عن التدخل لإنقاذ ليس فقط الموروث الطبيعي لمدينة عدن، بل حتى الإرث التاريخي الذي طالته أيادي العشوائيات من خلال الاعتداء على معالم عدن الأثرية، كالمعابد الدينية التي تثبت تسامح العدنيين وانفتاحهم على الآخر وتعايشهم، بالإضافة إلى انتهاك حرمات صهاريج عدن والقلاع والحصون التاريخية.
وحذر الدكتور باحميش من السكوت على مثل هذه التهديدات التي تطال الغطاء الطبيعي للمدينة، حيث يمكن أن تؤثر حتى على عمل الموانئ الطبيعية من خلال تأثير البسط العشوائي على السواحل والشواطئ وتغيير اتجاهات التيارات المائية والرياح المتحكمة بحركة الملاحة البحرية والسفن.
ولم يذهب الأكاديمي في هيئة علوم البحار اليمنية، الدكتور جمال باوزير بعيدًا عما ذهب إليه أستاذ الجغرافيا باحميش، من حيث تأثير العشوائيات على المساحات المائية الطبيعية لمدينة عدن، حيث يعتبر باوزير أن الأراضي الرطبة في عدن ذات قيمة اقتصادية وبيئية.
فهي توفر مصادر دخل للسكان المحليين، وتنشئ فرص للتنمية المستدامة، كما أنها توفر بيئة مناسبة لأعداد متنوعة من الطيور النادرة المهاجرة إلى عدن، وذات أهمية إقليمية ودولية، بحسب الدكتور جمال باوزير.
ويضيف لـ"العين الإخبارية" أن البيئة في عدن هي الضحية غير المعلنة للحرب التي افتعلها الحوثيون منذ 2015، حيث كانت لها تداعيات سلبية، منها حجم النزوح الكبير الذي شهدته المدينة من خارجها، مما ولّد بؤرةً لانتشار العشوائيات في مساحات واسعة، مع تفاقم تدهور البنى التحتية المدمرة بفعل الحرب الحوثية.
وأكد الدكتور جمال باوزير أن الأراضي الرطبة بمدينة عدن مثلت نموذجًا، من خلال تعرضها للعديد من الانتهاكات، انعكست سلبًا على التنوع الحيوي والبيئي، عبر التعدي الصارخ على مساحات من المحميات الطبيعية والأراضي الرطبة.
ودعا باوزير إلى ضرورة حماية الغطاء الطبيعي لمدينة عدن وتخليص الأراضي الرطبة من الاعتداءات والتعديات وإيقاف التدهور البيئي للمدينة واستنزاف الموارد الطبيعية.
يأتي ذلك في ظل حملات منظمة ينفذها محافظ محافظة عدن المعيّن حديثًا، أحمد حامد لملس، لإزالة كل الاستحداثات العشوائية على مختلف الأراضي والموروث الطبيعي والبيئي لمدينة عدن، خاصةً المتنفسات الطبيعية والمتنزهات العامة، والتي بدأت إرهاصاتها في فترة التواجد الحوثي بعدن.
كما يخطط المحافظ، بحسب اجتماعاته ولقاءاته مع قيادة الوحدة التنفيذية للنازحين التابعة للحكومة اليمنية، خلال الفترات الماضية، على تخصيص مواقع مناسبة للنازحين المتدفقين على مدينة عدن، بفعل حرب المليشيات الحوثية.