مشوار غريب بدأ من عام 2003 سار عليه أردوغان على سلم الخداع والتدليس وانهيار المثل في الوفاء السياسي
بعدما كنا نتابع باندهاش وأحياناً باستغراب من سلوكيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تفننه في خسارة الأصدقاء في الداخل والخارج تحت وقع طموحاته الشخصية وحلمه في الخلافة العثمانية ملغياً بذلك النظرية الأساسية التي قام عليها حزب العدالة والتنمية "صفر مشاكل"، انتقل بنا-أردوغان- قبل أيام بسيطة إلى مرحلة أخرى تبدو هي الأخطر في لعبته المفضلة وهي مرحلة تدمير رفقائه السياسيين الذين ساعدوه في الوصول إلى الحكم وكأنه يطبق أحد نصائح نيكولا ميكافيلي وهي التخلص من الأشخاص الذين يوصلوك إلى الحكم، حيث تخلص من أحمد أوغلو، رئيس الحكومة السابق، والشخص الذي وضع نظرية صفر مشاكل.
إنه مشوار غريب بدأ من عام 2003 سار عليه أردوغان على سلم الخداع والتدليس وانهيار المثل في الوفاء السياسي والقيم التي يقوم بها رفقاء الدرب في سبيل التسلق إلى الهاوية، لأن ما فعله قبل أيام لا يمكن أن يقبله أحد ولا يشرف السياسيين سوى الذين يفتقدون إلى المبادئ الوطنية ولكنها جزء من القاعدة الأساسية التي يؤمن بها أصحاب التيارات الإخوانية في حالة التفكير بالموضوع أبعد عن الحزب لأن أردوغان يرفض الاقتناع بالفشل في كل سياساته وبالتالي لا يجد حرجا في القضاء على أتباعه.
من الناحية السياسية يختلف الأصدقاء في المشوار وفي تطبيق الفكرة الأساسية للحزب ولكن يتم كل ذلك وفق أصول الاختلاف التقليدية خاصة في الدول الديموقراطية ولكن لا يمكن أن يصل الأمر إلى أن يعاقب من أوصلوه إلى الحكم وساندوه في أن يكون الشخص الأول في المؤسسة السياسية في الدولة إلا وفق واقع السياسة الأردوغانية الذي فعلاً يؤكد لنا أنه قرأ جيداً كتاب "الأمير"، ويطبق نصائح الكاتب.
إن التجارب السياسية أثبتت أن أردوغان شخصية ليست متسلطة فقط ولكنها شخصية تسير بتركيا وشعبها نحو السقوط الكبير، عجز حتى من تشارك معه عن فهمه، فهو مشغول بصناعة نفسه أكثر من صناعة الدولة.
لم يعد حزب العدالة والتنمية الذي أبهر العالم بقصص نجاحه كما هو فتماسكه ترهل كما ترهلت كل المواقف التركية، وهذا الواقع نراه مع كل يوم جديد حيث لم يعد يُشغل العالم إلا في مشاكل وأزمات وقصص فشل ومؤامرات؛ لأن مصلحة الفرد طغت على الجميع، بل إن التجارب السياسية أثبتت أن أردوغان شخصية ليست متسلطة فقط ولكنها شخصية تسير بتركيا وشعبها نحو السقوط الكبير، عجز حتى من تشارك معه عن فهمه، فهو مشغول بصناعة نفسه أكثر من صناعة الدولة.
عندما يصل الأمر إلى ذلك فإن هذا يعني أن الهدف بات ضائعا أمام قادة الحزب وبدأت مرحلة الضياع، وهذا ما أدركه أحمد أوغلو وبقية أعضاء الحزب الذين بدأوا البحث عن طريقة أخرى للتعبير عن استيائهم.
إن الذي يحدث في تركيا منذ فترة هو متغير استراتيجي لم يكن في حسبان رفقاء أردوغان السياسيين ولا الأتراك؛ خاصة في تحويل تركيا من دولة برلمانية إلى رئاسية، والاتجاه الآن نحو حكم الفرد، فالذي يحدث الآن هو شرخ في بنيان حزب العدالة والتنمية وفي التجربة السياسية بالكامل، وهو أمر يحزن من عاش الفكرة في البدايات وقرأ كتاب "العمق الاستراتيجي" وشاهد بعض تطبيقاته على أرض الواقع لا سيما أن خلاف أردوغان مع أعضاء الحزب ليس سياسياً بقدر ما أنه "شريعة المنتصر" التي غالباً لا تدوم طويلاً بقدر ما أنها إعلان بداية النهاية، فهو يخرج من معركة يخسر فيها صديق ويدخل في أخرى كي يستعدي فيها آخر.
في كل ذلك لم نجد أي اعتراف من أردوغان بالخطأ أو الفشل وإنما في كل مرة كان يقوم بإجراء يؤكد عدم توفيقه وجهله السياسي، أما اتهام الآخرين بالمؤامرات ضد سياساته وحكمه أو تحميل مسؤولية ما يفعله إلى طرف آخر هو في الأصل صاحب قصة النجاح الأولى التي صنعت أردوغان سياسياً، وهذا دليل على أنه بدأ يحيد عن الهدف الحقيقي لقصة نجاح تركيا وحزب والعدالة والتنمية.
إحالة أحمد داود أوغلو أستاذ العلاقات الدولية وصاحب كتاب "العمق الاستراتيجي" إلى المحاكمة داخل الحزب لا تهينه ولا تقلل من كفاءته بقدر ما تبرز جهل أردوغان الذي بات يغرد وحيداً في الداخل والخارج لأنه بذلك أطلق قنبلة سياسية ملوثة ستنفجر بكل ملفات الإرهاب والتطرف في المنطقة التي كان يخدع بها الشعب التركي والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة