مؤشرات تحمل تأكيدات أن أحلام أردوغان في تحقيق اختراق بخصوص منطقته الآمنة مع ترامب في نيويورك تتهاوى
لم يعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قادراً على تحمّل ما يعتبره «تلاعباً أمريكياً» بتنفيذ ما يسميه بـ«اتفاق المنطقة الآمنة» شمال شرق سوريا الذي وقعته أنقرة مع واشنطن في السابع من أغسطس/أب الفائت.
مؤشرات تحمل تأكيدات أن أحلام أردوغان فى تحقيق اختراق بخصوص منطقته الآمنة مع ترامب في نيويورك تتهاوى على أرض الواقع في الشمال السوري على نحو ما تتهاوى فى إدلب، وسيكون عليه أن يتحمل أثمان هذا الإخفاق في الداخل التركي، حيث تتفاقم الصراعات داخل حزبه الحاكم
توتر أردوغان يتفاقم مع تعاظم نجاحات الجيش السوري في جبهة إدلب، وتحرير خان شيخون وتهديد النفوذ التركي في هذه المنطقة. وإذا كان أردوغان حاول مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بموسكو مؤخراً تحجيم اندفاعة الجيش السوري في إدلب، وإعادة إحياء «منطقة خفض التصعيد» هناك، فإنه يأمل بلقائه مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قريباً في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يحقق اختراقاً في الأزمة المستحكمة مع واشنطن حول تنفيذ المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، ومن هنا جاءت تهديدات أردوغان للأمريكيين بأن قواته ستقوم بشن عملية عسكرية واسعة شرقي الفرات خلال أسابيع.
هذه التهديدات عاود تكرارها خلوصي أكار، وزير الدفاع رغم انطلاق أولى الدوريات المشتركة بين القوات الأمريكية والتركية في مناطق شرقي نهر الفرات عندما قال إن تركيا «لن تقبل أية مماطلة في إنشاء المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا، كما حدث في تطبيق اتفاقية خريطة الطريق حول منبج سابقاً»، مضيفاً أن القوات التركية ستقوم بكل ما يلزم لعرقلة الحزام الإرهابي.
مخاوف الرئيس التركي، ووزير دفاعه لم تأت من فراغ، فهما يدركان تلاعباً أمريكياً متعمداً لإفراغ فكرة «المنطقة الآمنة» التي تريدها تركيا من مضمونها، فتركيا تريد إقامة المنطقة بطول 130كم على الحدود الشمالية لسوريا، وعمق 35 كم، ما يعنى إنهاء أي طموح لقوات سوريا الديمقراطية، وذراعها العسكرية «وحدات حماية الشعب» لتأسيس «منطقة حكم ذاتي كردية» شمالي سوريا.
الرئيس التركي يعرف حقيقة التحالف بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية، ويعرف أن هذا التحالف هو الذي يعطي للأمريكيين مرتكزاً في الشمال السوري، وبالذات في شرقي الفرات، خاصة في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، لسد الطريق كليةً أمام إيران للدخول البري إلى سوريا عبر الأراضي العراقية. وإبعاد الوجود الإيراني عن حلم «الطريق البري من إيران إلى شاطئ المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية» مطلب استراتيجي أمريكي- «إسرائيلي» تنفذه القوات الأمريكية في هذه المحافظات الشمالية السورية، في حين تتولى «إسرائيل» مهمة منع -أو على الأقل عرقلة- تحقيق النصف الثاني من الحلم الإيراني في جنوب سوريا بتأسيس جبهة مواجهة عسكرية مع «إسرائيل» في هضبة الجولان.
ويدرك الرئيس التركي هذه الحسابات، ويدرك أن الأمريكيين لا يستطيعون التفريط في تحالفهم مع قوات سوريا الديمقراطية (الكردية)، لأن هذا التفريط يعنى إنهاء وجودهم (الأمريكيين) شمال سوريا، وربما يدفع قوات سوريا الديمقراطية للارتماء في أحضان النظام السوري، والعودة الاختيارية إلى «الدولة الأم» (سوريا)، لكنه رغم إدراكه لهذا كله يحاول أن يقايض الأمريكيين بتحالفه التاريخي معهم، أي إما أن يختاروا التحالف مع تركيا وهي حليفهم الاستراتيجي التاريخي في حلف شمال الأطلسي، وإما التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (الكردية) المتهمة بالإرهاب من جانب تركيا.
مقايضة يصعب المراهنة على قبولها من الرئيس الأمريكي في لقاء نيويورك المنتظر، ومؤشرات الرفض تتأكد يوماً بعد يوم من جانب العسكريين الأمريكيين، ومن جانب المسؤولين الأكراد. فالمتحدث باسم البنتاجون، شون روبرتسون، تعمد ألا يستخدم مصطلح «المنطقة الآمنة»، وأن يكرر الحديث فقط عما أسماه «آلية أمنية» على المناطق التي يشملها الاتفاق الأمريكي- التركي في شمال سوريا، ما يؤكد وجود خلاف جوهري في وجهات نظر الطرفين، الأمريكي والتركي، حول مفهوم «المنطقة الآمنة»، وكذلك مساحتها، وفي الوقت نفسه أعلن الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أن «قيام تركيا بعملية عسكرية منفردة في شمال شرق سوريا لن يخدم المصالح المشتركة للولايات المتحدة وتركيا».
والأكراد أيضاً يرفضون بالمطلق، السماح لتركيا بتأسيس «المنطقة الآمنة»، حسب ما أشارت ممثلة «مجلس سوريا الديمقراطية» في واشنطن سينم محمد، بقولها «إن ما اتفق عليه الجانبان الأمريكي والتركي هو تنفيذ آلية أمنية وليس منطقة آمنة».
مؤشرات تحمل تأكيدات أن أحلام أردوغان فى تحقيق اختراق بخصوص منطقته الآمنة مع ترامب في نيويورك تتهاوى على أرض الواقع في الشمال السوري على نحو ما تتهاوى في إدلب، وسيكون عليه أن يتحمل أثمان هذا الإخفاق في الداخل التركي، حيث تتفاقم الصراعات داخل حزبه الحاكم، وتتأكد توجهات الانشقاقات التي تهدد وحدته.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة