هذا القانون سيرغم كبرى شركات التواصل الاجتماعي على تعيين مندوبين لها داخل تركيا، ما يعني أنها ستخضع للقانون المحلي في البلاد.
لم يكن من الممكن أن يقرّ البرلمان التركي قانون المنصّات الاجتماعية الجديد كما حصل يوم الأربعاء الماضي، لولا تمتع حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأغلبية برلمانية من خلال تحالفه مع حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرّف، حيث تسمح له هذه الأغلبية النيابية بإقرار البرلمان لكلّ تشريعٍ يطمّح إليه دون أدنى اعتبار لنواب أحزاب المعارضة، لكن ما الهدف من القانون الجديد ولماذا أصرّ عليه أردوغان؟.
إن هذا القانون سيرغم كبرى شركات التواصل الاجتماعي على تعيين مندوبين لها داخل تركيا، ما يعني أنها ستخضع للقانون المحلي في البلاد، وإن لم تفعل ذلك، سوف تفرض أنقرة غراماتٍ مالية كبيرة عليها. وفي الحالتين، المستفيد الأول والأخير من هذا الأمر هو أردوغان وحزبه، ففي الحالة الأولى ومع التزام شركات التواصل بالقانون التركي، سوف تقوم بحذف كلّ محتوى من حسابات مستخدميها، يعتبره الحزب وزعيمه مسيئاً. وفي الحالة الثانية، ومع عدم وجود مندوب، سيحصل أردوغان وحزبه على غراماتٍ مالية ضخمة.
هذا هو الهدف الرئيسي من التشريع الجديد والذي سيمكن أردوغان من كتم أصوات معارضيه ومنتقديه، بعدما سيطر بالفعل على معظم وسائل الإعلام، فبحسب اتحاد الصحافيين الأتراك، أغلقت أكثر من 200 وسيلة إعلامية بعد "الانقلاب الفاشل" على أردوغان قبل أكثر من 4 سنوات. ولذلك لم يكن أمام المعارضين والمنتقدين منذ ذلك الحين سوى خيار اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن امتعاضهم من وضع البلاد وآرائهم الرافضة لسياسات أردوغان، لكن بعد إقرار التشريع الأخير هامش الحرية بات محدوداً ولن يعود التعليق ممكناً كما كان في السابق.
فالرئيس التركي، يعتبر كل انتقاد بمثابة إهانة شخصية له، وهو بالفعل أمر السلطات بالتحقيق واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين بذريعة إهانته منذ توليه رئاسة البلاد، لكنه على ما يبدو لم يحقق أهدافه كلها باعتقال المعارضين تحت بند قانوني وهو "إهانة الرئيس"، لذلك لجأ إلى التشريع الجديد والذي لم يتمكن من تمريره في البرلمان في شهر ابريل/نيسان الماضي، لكنه سعى إلى ذلك الشهر الماضي ونجح فيه. والسؤال الآن: لماذا هذا الإصرار الكبير من جهة أردوغان على إقرار هذا القانون؟
في الشهر الماضي، نشر صهر أردوغان، وزير الخزانة والمالية، بيرات البيرق، صورة لمولوده الرابع وانهالت عليه تعليقات كثيرة اعتبرها هو وأردوغان أنها مسيئة ومهينة للعائلة، وعلى إثرها اعتقل من تمكنوا من معرفته وتحديد مكانه. ومن هنا بدأ إصرار الرئيس التركي يطفو على السطح حول رغبته القوية لإقرار هذا القانون، ويبدو أنه اعتبر ما حصل حينها أمرا يستحق الثأر!.
وقبل هذه الحادثة كان أردوغان قد نسي منصّات التواصل رغم أنه يحاربها منذ احتجاجات منتزه "غيزي" بإسطنبول في العام 2013، ورغم أنه حاول بعد ذلك الوقت القضاء عليها، وأغلق بعدها بسنوات ولفترةٍ محدودة مواقع يوتيوب وموسوعة ويكيبيديا بذريعة أن الأخيرة تتهم أنقرة بدعم جماعاتٍ متطرّفة. حتى أنه لم يتمسّك بضرورة إقرار هذا التشريع في المرة الأخيرة التي جلب فيها حزبه مسوّدته إلى البرلمان في نيسان الماضي. لكن يبدو أنه أراد أن يثأر لحفيده الذي انهالت على والده تعليقات من الشعب الغاضب لم تعجبه واعتبرها مسيئة، لذلك قرر أن يتخلص منها بشكل نهائي هذه المرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة