طموحات غير واقعية لرئيس تركيا تدفعه نحو التوغل في منطقة البلقان ما يثير مخاوف استعمارية
يندفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسرعة خلف إحياء سياسة العثمانيين في منطقة البلقان، صائغا إياها بشكل خاطئ انطلاقا من طموحات غير واقعية، وسوء فهم للعلاقة بين أنقرة ودول المنطقة، ومبالغة شديدة في تقدير القوة التركية.
وفي تقرير نشرته مجلة "دير شبيجل" الألمانية على موقعها الإلكتروني، قالت: "لمئات السنين حكم العثمانيون البلقان، ما يمثل إلهاما للرئيس التركي الذي لا يعطي أهمية لتغير السياق والزمن، ويحاول في الوقت الحالي إحياء نفوذ بلاده في المنطقة".
- معارضة تركية تحذر من ارتفاع أعداد أطفال المعتقلات بسجون أردوغان
- سلطات أردوغان تأمر باعتقال 133 عسكريا والتهمة غولن
"علينا أن نذهب إلى أي مكان تواجد فيه أسلافنا" بهذه الكلمات أعلن أردوغان في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 أثناء افتتاحه مطارا في أحد الأقاليم التركية توجهات سياسته الخارجية.
ويحاول أردوغان متأثرا بأسلافه العثمانيين صياغة سياسة خارجية جديدة وتوسيع نفوذه، وهو الأمر الصعب في عالم اليوم الذي يرفض كل أشكال التجاوزات التوسعية.
وقال الخبير في شؤون البلقان والباحث بمؤسسة العلوم والسياسة في ألمانيا دوسان ريليك: "في تركيا، يؤمن الناس استنادا لاعتبارات تاريخية بالقرابة العرقية والدينية مع بعض سكان البلقان، وبالتالي ينظرون لهم كأخوة في العقيدة"، قبل أن يضيف لـ"دير شبيجل": "لكن في الواقع، هناك اختلافات كبيرة بين المسلمين الأتراك ومسلمي دول البلقان".
ورغم تلك الاختلافات يحاول أردوغان في الفترة الراهنة توسيع نفوذ بلاده الاقتصادي والسياسي والديني في منطقة البلقان، وبالأخص غرب البلقان، ويقدم نفسه كحامٍ للمسلمين في كوسوفا والبوسنة، لتحقيق طموحات وأهداف "تتجاوز الواقع بكثير"، حسب المجلة.
ووفق المجلة، فإن تركيا تضخ أموالا بكثافة في ألبانيا، خاصة في خطوط الطيران والاتصالات ومشروعات البنية التحتية، وتسيطر على أقدم جامعة في البلاد.
فيما تدير شركة تابعة لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم المطار الرئيسي في عاصمة كوسوفا برشتينا، كما تدير شركة تركية مطار عاصمة مقدونيا الشمالية سكوبي.
وفي البوسنة، تسير أنقرة مراكز ثقافية تركية عدة لتدريب الأئمة، فضلا عن ضخ أموال مشبوهة تحت ستار الاستثمار.
فيما يسعى أردوغان إلى إقامة علاقة جيدة مع صربيا ذات الأغلبية الأرثوذكسية، وتنشط أنقرة في قطاع الطاقة الصربي.
وبصفة عامة، تنشط تركيا في ترميم وبناء المساجد في جميع أنحاء المنطقة، فضلا عن محاولة اختراقها بالإنتاج التلفزيوني الذي يتناول قصص الحب والحياة في الدولة العثمانية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد فشل مفاوضات ألبانيا ومقدونيا الشمالية مع الاتحاد الأوروبي لإطلاق محادثات انضمامهما للتكتل، أعرب مراقبون عن مخاوفهم من تحول هذه الدول لتركيا. لكن هذه تعد مبالغة كبيرة تعادل مبالغة أردوغان في تقدير قوة بلاده، حسب دير شبيجل.
وفي هذا الإطار، قال دوسان ريليك: "الطموحات التركية في البلقان تتجاوز الواقع، وغير واقعية على الإطلاق"، مضيفا "كما أنها سياسة خاطئة تستند لسوء فهم".
وأوضح "في حين تنظر تركيا لنفسها على أنها حليف لدول البلقان، وتقول إنها تتمتع بسمعة جيدة في هذه البلدان، فإن دول البلقان ترى أنقرة كشريك جيد، وورقة ضغط قصيرة المدى للضغط على الاتحاد الأوروبي".
ونقلت دير شبيجل عن فلوريان بيير، رئيس مركز دراسات جنوب شرق أوروبا بجامعة جراتس النمساوية، قوله: "إن كوسوفو وألبانيا تتجهان الآن لتركيا فقط لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي، ولا تنوي الاعتماد على أنقرة كبديل للاتحاد الأوروبي".
في الوقت نفسه، أضرت موجة القمع ضد المعارضة في تركيا، وبالأخص في أعقاب الانقلاب المزعوم في 2016 بسمعة أنقرة في البلقان بشكل كبير، ولم تعد شعوب المنطقة تنظر بإيجابية للنموذج التركي، وفق بيير.
لذلك، يعد الاتحاد الأوروبي أكثر جاذبية لشعوب البلقان، وفق دوسان ريليك الذي أضاف "لن تستطيع أنقرة تقديم ما ينظر إليه الناس بإيجابية في النموذج الأوروبي من النواحي الاقتصادية والثقافية والمالية والحضارية".
وتابع "لن تكون أنقرة أبدا بديلا عن الاتحاد الأوروبي، ولن تستطيع الأولى أبدا الوقوف أمام المصالح الأوروبية"، مضيفا "تحول البلقان المتوقع ناحية الاتحاد الأوروبي، سيكون هزيمة كبيرة لأردوغان".
aXA6IDMuMTM1LjIyMC4yMTkg جزيرة ام اند امز