يهدف أردوغان من خلال الاتفاق الأمني والعسكري المُبرم مع السراج إلى "شرعنة" أي تدخل للجيش التركي في ليبيا
وافقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي بالأمس على مقترح قانون للمصادقة على الاتفاق الأمني والعسكري التركي المُبرم مؤخراً مع فايز السراج رئيس حكومة "الوفاق الوطني" الليبية والمدعومة من أنقرة والدوحة، وذلك بعد أيامٍ على إحالة المقترح للبرلمان من قبل الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم والذي يهيمن على البرلمان مع حليفه في حزب "الحركة القومية" الذي يقوده دولت بهجلي.
ولم ينتظر البرلمان التركي طويلاً، فقد وافق على تصديق هذا المقترح بعد مرور يومين على تسلمه، ليدخل الاتفاق الأمني والعسكري المُبرم بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهة، وحكومة السراج الليبية المنتهية صلاحيتها، من جهةٍ أخرى، حيّز التنفيذ.
من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي بالتعاون مع هذه الأطراف العربية على سحب الثقة من حكومة السراج بأسرع وقت ممكن، وهو أمر يطالب به مجلس النواب الليبي أيضاً. دون تحقيق هذا المطلب الليبي الأخير، قد يطالب أردوغان غداً بـ"منطقة آمنة" في ليبيا على غرار التي حصل عليها في سوريا!
ويأتي ذلك رغم عدم نشر أنقرة ومعها حكومة السراج بشكل دقيق، لكل بنود هذا الاتفاق الّذي تزامن أيضاً مع توقيع اتفاق بحري آخر بين الجانبين، لكن يُسمح بموجبه للحكومة التي يقودها السراج طلب "النجدة" من الجيش التركي، وبالتالي تخول عناصره الدخول إلى الأراضي الليبية بشكلٍ فوري، وهو ما قد يحصل قريباً، لا سيما أن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، كان قد أعلن قبل أيام إطلاق "المعركة الحاسمة" لتحرير العاصمة طرابلس من المليشيات الإرهابية المسلحة والموالية لحكومة السراج.
وقد زاد إعلان قائد الجيش الليبي عن معركة تحرير طرابلس، من عزم الرئيس التركي وحليفه السراج إلى تمرير الاتفاق الأمني والعسكري من خلال البرلمان التركي وتصديقه هناك بأسرعِ وقت ممكن وهو ما جرى بالفعل، خصوصا أن المليشيات الموالية للسراج قد لا تصمدُ كثيراً مع وصول مقاتلي الجيش الليبي إلى أطراف طرابلس، الأمر الذي ينذر بدخول وشيك للجيش التركي إلى أرض المعركة بغية حسمها بعجالة لصالح حليفه السراج، لا سيما أن أردوغان أعلن عن استعداد بلاده لإرسال قوات برية إلى ليبيا فيما لو طلبت الحكومة التي يقودها السراج ذلك.
وبدت قضية تصديق البرلمان التركي على هذا الاتفاق مسألة زمنية فقط ومحسومة لصالح حزب أردوغان، لا سيما أنه يهمين على البرلمان من خلال نوابه ونواب حليفه في حزب "الحركة القومية"، وسبق أن صادقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي على الاتفاق البحري مع حكومة السراج مطلع الشهر الحالي، رغم اعتراض مصر واليونان وقبرص وأطراف ليبية عدّة تعارض حكومة السراج. ومرّ هذا الاتفاق بسهولة في البرلمان وكسب تصديقه، كحال الاتفاق الثاني.
ويطمح أردوغان وكذلك وزير خارجيته الذي التقى السراج قبل أيام من تصديق الاتفاق الأمني والعسكري على غرار تصديقهما المماثل للاتفاق البحري في البرلمان، كي يدخل "حيز التنفيذ" بعد موافقة البرلمان عليه. ويبدو واضحاً من إصرار أردوغان وحكومته على ذلك، أن السراج كان قد طلب بالفعل من الجيش التركي التدخل براً إلى الأراضي الليبية، فقد وصل مستشارون أتراك إلى طرابلس دون أن تعلن أنقرة عن ذلك بشكل رسمي، وقد يكون برفقتهم مقاتلون سابقون من تنظيم "داعش" الإرهابي، ولم يعد ذلك غير متوقع، فقد وصل إرهابيون مدعومون من أنقرة إلى لبيبا في وقت سابق بعدما أنهوا المهام الموكلة إليهم من قبل أنقرة في سوريا.
ويهدف أردوغان أيضاً من خلال تصديق هذا الاتفاق الأمني والعسكري المُبرم مع السراج في برلمان بلاده إلى "شرعنة" أي تدخل للجيش التركي في ليبيا، وما يؤكد ذلك هو وجود ضباط أتراك على الأراضي الليبية قُتلوا في المعارك مع الجيش الليبي دون أن تعلن وزارة الدفاع التركية عن ذلك بشكل رسمي، ما يعني أن أنقرة تنتظر الوقت المناسب لإعلان "وجودها الشرعي" في ليبيا، وهو ما يبدو ممكناً بعد حصولها على تصديق هذا القانون في برلمانها.
ختاماً، ما يجب أن يأخذه المجتمع الدولي بعين الاعتبار ومعه بعض الأطراف العربية الفاعلة في الملف الليبي، هو أن دعم أنقرة لحكومة السراج ودخول الجيش التركي المُحتمل لصالحه إلى الأراضي الليبية، لا يهدد فقط وحدة الأراضي الليبية ومناطق سيطرة الجيش الليبي، بل كذلك يهدد مصر وأمنها وحدودها الطويلة مع ليبيا، لذلك من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي بالتعاون مع هذه الأطراف العربية على سحب الثقة من حكومة السراج بأسرع وقت ممكن، وهو أمر يطالب به مجلس النواب الليبي أيضاً. دون تحقيق هذا المطلب الليبي الأخير، قد يطالب أردوغان غداً بـ"منطقة آمنة" في ليبيا على غرار التي حصل عليها في سوريا!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة