أرقام تفضح مغامرات أردوغان.. استنزاف مالي وإفقار وانهيار الليرة
ظهور أطماع أردوغان "المقامر" مؤخرا على السطح تفقد الاقتصاد التركي كل محاولات الاستقرار
تصاعدت التكاليف المالية للمغامرات غير المحسوبة التي ينفذها رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، خاصة السياسية منها، عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى، مثل سوريا والعراق وليبيا والصومال وتونس والجزائر وقبرص، بحثا عن أطماع سياسية وأخرى اقتصادية.
وبينما كانت أطماع أردوغان تسير بشكل سري طيلة السنوات الماضية، إلا أن ظهورها على السطح علنا، أفقدت الاقتصاد التركي كل محاولات الاستقرار المالي والاقتصادي، اعتبارا من أغسطس/ آب 2018.
الليرة التركية
وقبل الخلاف بين أنقرة وواشنطن في العام 2018، كان سعر صرف الليرة التركية يسير قرب 4.9 ليرة/ دولار واحد، لكن بعد تصاعد التهديد الأمريكي بإجراءات عقابية للاقتصاد التركي فقدت أسعار صرف الليرة التركية تماسكها، لتنهار إلى متوسط 7.24 ليرة لكل دولار، وما زال التراجع سيد الموقف بعد عامين من الأزمة.
بحسب بيانات البنك المركزي التركي، بلغ إجمالي قيمة المعروض النقدي التركي بالعملة المحلية حاتى نهاية مايو/ أيار الماضي، نحو 3 تريليونات ليرة (441 مليار دولار أمريكي)، وفق متوسط سعر الصرف في ذلك الشهر البالغ 6.8 ليرة/ دولار.
إلا أن هبوط العملة الناجم ضعف الاستقرار التركي بسبب سياسات أردوغان، كان بالإمكان تجنبه، واحتساب المعروض النقدي وفق السعر القائم قبيل أزمة البلاد مع الولايات المتحدة، إلا أن تراجع سعر الصرف دفع إلى تآكل المعروض.
ويعني ذلك، أن سياسات أردوغان في جزئية ضعف العملة، أفقدت المعروض النقدي نحو 184 مليار دولار، تمثل الفرق بين سعر الصرف قبل الأزمة (4.9 ليرة) وسعر الصرف الحالي، إذ تبلغ قيمة المعروض النقدي 625 مليار دولار بسعر الصرف السابق.
الاحتياطات الأجنبية
وبفعل هبوط العملة وارتفاع حاجة تركيا للنقد الأجنبي، خاصة خلال العام الجاري، الذي شهد انهيار الصادرات والسياحة، لم يجد أردوغان سوى اللجوء إلى احتياطات النقد الأجنبي، كقناة توفير عملة صعبة يحافظ فيها على ما تبقى من الليرة.
وفقد احتياطي النقد الأجنبي التركي أكثر من 28 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط (النصف الأول من العام الجاري)، وسط تراجع حاد لسعر صرف الليرة، وضعف ثقة الأتراك في عملتهم المحلية.
وأظهر مسح أعدته (العين الإخبارية)، استنادا لتقرير صادر عن البنك المركزي التركي، أن احتياطي النقد الأجنبي بلغ قرابة 53.22 مليار دولار حتى 19 يونيو/حزيران الجاري، وهو رقم قريب من أدنى مستوياته في 12 عاما.
ويقل الرقم بمقدار 28.1 مليار دولار أو ما نسبته 34.5%، مقارنة مع أرقام ديسمبر/ كانون الأول 2019، البالغة 81.24 مليار دولار والمسجلة بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأقل بمقدار 2.2 مليار دولار مع تقرير 12 يونيو/حزيران 2020.
عجز الميزانية
وبينما كانت تركيا تسجل عجزا بأقل من 37 مليار ليرة (5.45 مليارات دولار) سنويا حتى 2016، إلا أن تزايد الإنفاق غير المحسوب خاصة العسكري منه، دفع نحو مزيد من العجز خلال السنوات اللاحقة.
وفي 2017، صعد عجز الميزانية التركية إلى 54.8 مليار ليرة (8.05 مليارات دولار) بحسب بيانات وزارة المالية التركية، صعد إلى 72.8 مليار ليرة (10.7 مليارات دولار) في 2018.
بينما في نهاية العام الماضي 2019، بلغ عجز ميزانية تركيا 124.5 مليار ليرة (18.3 مليار دولار)، بينما سجل العجز خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري فقط، نحو 91 مليار ليرة (13.3 مليار دولار أمريكي).
ثالوث (النمو، التضخم، البطالة)
لكن كيف أثرت تلك الأرقام السلبية على الحياة المعيشية للأتراك؟، الأجابة تكمن في متابعة مؤشرات الأسعار وفرص العمل الجديدة، وهو ما لا يمكن الحكم عليه بسهوله خاصة وأن المؤسسات الحكومية التركية تحاول دائما تجميل هذه الأرقام.
والحقيقة أن التكاليف المالية للخسائر غير المباشرة بسبب السياسات التركية كبيرة، ولم تقم أية مؤسسة تركية بقياسها، نظرا لسيطرة حزب العدالة والتنمية على المؤسسات الاقتصادية والإحصائية، وفقا لتصريحات الخبير في الاقتصاد الدولي محمد سلامة.
وذكر سلامة في حديث مع "العين الإخبارية"، أن الخسائر يمكن ملاحظتها على ثلاثة عناصر تحدد الوضعية الاقتصادية لأية دولة، وهي البطالة، والتضخم، والنمو، وكلها ليست في صالح الاقتصاد التركي خلال الوقت الحالي.
وتابع: "أحدث تقارير هيئة الإحصاء التركية تشير إلى أن عدد عاطلين عن العمل قرب 4 ملايين فرد، بنسبة بطالة تتجاوز 13% وهذا يقود إلى تلقائيا لارتفاع في نسب الفقر والجريمة لعدم توفر بيئة اجتماعية ومعيشية مواتية".
وأشار إلى نسبة التضخم: "لم تهبط أسعار المستهلك في السوق التركية عن 7% منذ 2017 ووصلت في نهاية 2018 عند 25%، والشهر الماضي كانت في حدود 12.6%، ما يعني مزيدا من الضغوطات الاقتصادية على المواطنين".
والشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري، إلى انكماش نسبته 5%، مدفوعا بالتحديات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا، وضعف الليرة الحاد وتأثيره على مختلف القطاعات.
واعتبر سلامة أن "أحد أكبر عمليات الاستنزاف المالي التي تمت خلال السنوات الخمس أو الست، بحق تركيا، تتمثل في استثمارات تركيا في السندات والأذونات الأمريكية.
وتابع: "تملك تركيا اليوم استثمارات في السندات الأمريكية بقيمة ملياري دولار، بينما كانت هذه الاستثمارات بلغت في يناير/ كانون ثاني 2015، نحو 82.4 مليار دولار (..)، تركيا فقدت استثمارات بـ 80 مليار دولار في خمس سنوات".