زيارة أردوغان للإمارات.. المنطقة تجني ثمار "مبادئ الخمسين"
"26 اتفاقية تعاون.. 4 مباحثات على مستوى القمة.. زيارتان تاريخيتان متبادلتان.. مشاركة تركيا في إكسبو دبي.. زيارات ورسائل إيجابية متبادلة".
نماذج من مؤشرات عدة حدثت خلال الثلاثة شهور الماضية فقط تبرز مرحلة تقارب غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين دولة الإمارات وتركيا.
مرحلة تقارب تعد تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدتها دولة الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد في مختلف المجالات للخمسين عاما القادمة، والتي تكرس قيم التسامح والحوار والسلام وتؤكد أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
العلاقات الإماراتية التركية
وترجم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، تلك المبادئ بزيارة تاريخية لتركيا، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أسست لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين بعد فترة فتور شهدتها على مدار سنوات.
ويصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات، اليوم الإثنين، في زيارة "تاريخية" تستمر يومين، هي الأولى له منذ نحو 9 أعوام، تعزيزا ودعما للعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين.
وتحمل زيارة الرئيس التركي أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها أول زيارة له للبلاد منذ توليه الرئاسة في أغسطس/آب 2014.
وكانت آخر زيارة أجراها أردوغان لدولة الإمارات في فبراير/شباط 2013، حينما كان رئيسا للوزراء.
أيضا تعد هذه أول زيارة لرئيس تركي لدولة الإمارات منذ 10 سنوات، بعد زيارة الرئيس التركي السابق عبدالله غول في يناير/كانون الثاني 2012.
كما تعد زيارة الرئيس التركي إلى دولة الإمارات هي الأولى له خارج البلاد، بعد تعافيه من الإصابة بفيروس كورونا قبل أيام.
وحرص الرئيس التركي على إتمام الزيارة في موعدها المقرر، بعد تعافيه دون إرجائها، في رسالة تعكس حرصه على تسريع خطى التقارب والتعاون مع الإمارات، بعد الزيارة الأخيرة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بلاده.
وتعد القمة المرتقبة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركي خلال الزيارة هي الثانية خلال 3 شهور، بعد الأولى التي عقدت في تركيا 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما تعد المباحثات التي ستجري خلالها هي الرابعة خلال نفس الفترة، بعد إجرائهما مباحثات هاتفية مطلع ديسمبر الماضي، و8 فبراير/شباط الجاري.
العلاقات الاقتصادية الإماراتية التركية
وتم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين خلال الشهور الثلاث الماضية هو الأعلى الذي يتم توقيعه بين البلدين خلال تلك الفترة القصيرة في تاريخهم، حيث تم توقيع 14 اتفاقية تعاون خلال الفترة الماضية، فيما يرتقب توقيع 12 اتفاقية خلال زيارة الرئيس التركي.
وخلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتركيا تم عقد قمة إماراتية تركية تم في أعقابها توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات بين البلدين، إلى جانب إعلان دولة الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.
وفي 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي وقع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو خلال زيارة الأخير لدولة الإمارات، مذكرة تفاهم بين أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية والأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة خارجية جمهورية تركيا.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وقع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والبنك المركزي التركي اتفاقية ثنائية لمقايضة العملات بين الدرهم الإماراتي والليرة التركية.
ويبلغ حجم القيمة الاسمية لاتفاقية المقايضة 18 مليار درهم و64 مليار ليرة تركية.
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون المالي والتجاري بين البلدين، وتسري مدتها إلى ثلاثة أعوام مع إمكانية تمديدها من خلال اتفاق مشترك.
كما تعتزم تركيا والإمارات توقيع 12 اتفاقية للتعاون بين البلدين خلال الزيارة المرتقبة لأردوغان لدولة الإمارات.
إكسبو يعزز التعاون
يأتي هذا فيما تشارك تركيا في "إكسبو 2020 دبي" الذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم.
وزار العديد من المسؤولين الإماراتيين جناح جمهورية تركيا، الذي يقع في منطقة الاستدامة ويحمل شعار "نرتقي إلى المستقبل من أجل عالم مستدام".
وضمن أحدث تلك الزيارات، زار عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي جناح تركيا 12 يناير/كانون الثاني الماضي، واطلع على معروضات الجناح.
وتعد مشاركة تركيا في "إكسبو 2020 دبي" فرصة لعرض مقومات اقتصاد تركيا المتنوع بما يصب في صالح تعزيز التعاون بين البلدين.
يذكر أن تركيا تأتي في المرتبة 11 بين أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات التي تمثل الشريك التجاري الثاني عشر لتركيا عالمياً.
ويعد الذهب والحلي والمجوهرات أهم سلع التبادل التجاري بين البلدين على مدى السنوات العشر الماضية.
وسجلت التجارة غير النفطية بين البلدين في عام 2020 نحو 33 مليار درهم إماراتي، بنمو نسبته 21% مقارنة بعام 2019 على الرغم من آثار جائحة كوفيد-19 على التجارة العالمية خلال هذه الفترة، وفي النصف الأول من عام 2021 بلغت أكثر من 26.4 مليار درهم إماراتي، بقفزة نمو 100% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وسيجري أردوغان زيارة إلى المعرض الدولي "إكسبو 2020 دبي"، وسيزور الجناح التركي في المعرض في الـ15 من فبراير/شباط الذي تم تحديده كيوم وطني لتركيا في المعرض.
التقارب التركي الإماراتي
واستبق البلدان زيارة الرئيس التركي برسائل متبادلة تعكس اهتمامهما ببدء صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين بلدين هامين في المنطقة، تصب في صالح دعم الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء والازدهار.
أردوغان حرص على توجيه رسائل عدة تبرز حرصه على تعميق العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين ودفعها قدما إلى الأمام.
وأكد الرئيس التركي أن زيارته ستتيح الارتقاء أكثر بعلاقات التعاون بين البلدين، مؤكدا في مقال له بصحيفة "خليج تايمز"، السبت، أنها تظهر الأهمية التي يوليها لعلاقات الصداقة بين البلدين، معربا عن ترحيبه بتطور علاقات البلدين نحو التعاون.
وأعرب عن ثقته بأن زيادة مجالات التعاون بين البلدين ستنعكس إيجابا على المنطقة.
كما أشار إلى أن تركيا ودولة الإمارات تتمتعان بإمكانية التعاون في مناطق مختلفة من العالم لا سيما ما يخص المنطقة القريبة وأفريقيا.
وعبر أردوغان عن ثقته بأن تركيا ودولة الإمارات يمكن أن تساهما بشكل مشترك في السلام والتعاون والازدهار الإقليمي.
وشدد على أن تركيا لا ترى أمن واستقرار دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع الأشقاء في منطقة الخليج منفصلين عن أمنها واستقرارها.
وأشاد بالزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بلاده قبل 3 شهور، معربا عن سعادته بتلك الزيارة التي "فتحت صفحة جديدة في العلاقات التركية الإماراتية".
وأشار إلى أن الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة خلال هذه الزيارة تضمنت مؤشرات مهمة حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
وأكد أن تركيا تهدف إلى تعزيز التعاون مع الإمارات العربية المتحدة في مجالات الطاقة والصحة والزراعة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والتمويل والسياحة، بالإضافة إلى مجالات تغير المناخ والطاقة والمياه والأمن الغذائي.
ولفت أردوغان إلى أن الإمارات احتفلت باليوبيل الذهبي لتأسيسها قبل 50 عاما، معربا عن سعادته في المضي قدما بعلاقات البلدين نحو 50 عاما أخرى مبنية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والثقة.
وفي المقابل أقامت الإمارات مظاهر احتفائية بزيارة الرئيس التركي، تعبر عن ترحيبها بضيف البلاد، وتقديرها لزيارته.
وأضاء برج خليفة في مدينة دبي، مساء الأحد، بألوان العلم التركي، عشية الزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى الإمارات.
وترافقت إضاءة البرج الذي يقع في دبي ويعد الأعلى في العالم، مع عزف النشيد الوطني التركي.
كما أضاء البرج بعبارة "أهلا بكم Hoş geldiniz" باللغة التركية، إضافة إلى عبارة "الإمارات وتركيا علاقات استراتيجية" باللغتين العربية والإنجليزية.
كما تم تفعيل اللوحات الإلكترونية في الطرقات الرئيسية لاستعراض رسائل الاحتفاء بالشراكة بين البلدين.
مبادئ الخمسين
وتبرز تلك الرسائل المتبادلة والمباحثات السياسية والاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين مرحلة تقارب غير مسبوقة، تعد تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان،رئيس دولة الإمارات، أكتوبر الماضي، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد للخمسين عاما القادمة.
وينص المبدأ الثالث من المبادئ العشرة على أن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد".
كما تعد زيارة الرئيس التركي أحد ثمار الزيارة الناجحة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا، والتي جاءت في إطار دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية، وبناء صفحات جديدة في العلاقات لتعزيز التعاون والتكامل المبدأ الخامس الذي ينص على أن "حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها. وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
وكذلك المبدأ الثامن الذي ينص على أن "منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح (....) وستبقى الدولة داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية".
وأيضا المبدأ العاشر الذي ينص على "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية".