تمثل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، إشراقة فجر جديد على العلاقات الإماراتية التركية، في ثوبها المتجدد ورؤاها الطموحة، وبهدف بناء مستقبل واعد، وسيرا على دروب التعاون الدولي، والتي لم يعد هناك غنى عنها في حاضرات أيامن
تفتح زيارة الضيف التركي الكبير، كما أشار إلى ذلك الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، صفحة جديدة وإيجابية في العلاقات الثنائية بين البلدين، وبخاصة أنها تأتي بعد زيارة تاريخية قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى تركيا، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم.
تمضي الإمارات قدما، وعلى الأصعدة الدولية كافة، في طريق بناء الجسور، وبهدف واضح ورؤية رائقة تنسج خيوط التعاون وتبني مداركه، وتهدف بين هذا وذاك إلى تحقيق أكبر قدر من الاستقرار والازدهار في المنطقة.
وقبيل زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، كتب الرئيس أردوغان عن تطور العلاقات مع الإمارات، الأمر الذي يقود إلى حل المشكلات الإقليمية بالتعاون الخلاق.
يرى الرئيس التركي أردوغان أن جميع دول المنطقة مهمة لتركيا، وفي القلب منها تأتي الإمارات، تلك التي تعد اليوم من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ما فاه به الرئيس التركي حقائق واقعية، تدعمها الأرقام والإحصائيات، وليس بلاغة إنشائية، فقد بلغ حجم التجارة البينية بين البلدين العام الماضي، وبعيدا عن المبادلات النفطية، قرابة التسعين مليار دولار، خلال العقد الثاني من القرن الحالي.
آمنت الإمارات العربية المتحدة بسياسة الحوار والجوار، كأداة فاعلة وناجزة على صعيد العلاقات بين الدول والمؤسسات الأممية، ومن هنا كانت رؤية الإمارات في الفترة الأخيرة بارعة بجدارة، وقد قُدر لها أن تتحول إلى متغيرات على الأرض تفتح الدورب أمام تشكيل مستقبل جديد، يمكن فيه أن تسهم الدولتان بشكل مشترك في النهوض بمقدرات السلام والتعاون والازدهار الإقليمي بين الشعوب.
هل حان الوقت بالفعل للقيام بمبادرات السلام والتعاون الإقليمي، على حد تعبير الرئيس التركي؟
الشاهد أن الإمارات العربية المتحدة، ومنذ عقود خمسة، رافقت مسيرتها الزاهرة، عملت كحجر زاوية في بناء السلام ومراكمة الاستقرار في منطقة الخليج العربي بنوع خاص، وفي الإطار الإقليمي للشرق الأوسط بشكل عام، ولهذا باتت مركزا جاذبا وحاضنة يشار إليها بالبنان حين يجد جد الحديث عن السلام في الشرق الأوسط.
زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى الإمارات، وتأكيده أن بلاده لا ترى أمن واستقرار منطقة الخليج العربي شأنا منفصلا عن أمن وسلام تركيا، يقطع بأن الإمارات نجحت بالفعل في أن تصبح وجهة سياسية واقتصادية حيوية جاذبة على خريطة العالم تستقبل بحفاوة قيادات العالم، من زعماء سياسيين وروحيين، وباتت دون تزيُّد، رواق الأمم المعاصرة، حيث يلتقي على أرضها الجميع سعيا إلى بلورة رؤى الوفاق، وتحاشيا لمنهجيات الصدام والافتراق.
هل تأتي زيارة الرئيس التركي في وقت له طبيعته الخاصة؟
ذلك كذلك قولا وفعلا، فعلى صعيد الإقليم، تبدو هناك حاجة إلى تضافر الجهود من أجل تعزيز التعاون الذي يقطع الطريق على الرؤى الأحادية، وكذا للوقوف صفا واحدا أمام الساعين لتعكير صفو المنطقة بأوهام القوة الخشنة، والسيادة الاستعلائية.
وعلى الصعيد الدولي، تأتي الزيارة في توقيت عالمي حرج وحساس، بل ولا نغالي إن قلنا إن السلم والأمن العالميين مهددان وبدرجة ربما لم تحدث منذ أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا عام 1962، ما يعني أن قراءة واستشراف الواقع العالمي القريب، من خلال نظارة المقاربات الدولية، والتعاون الإقليمي، بات فرضا وليس نافلة.
تبدو تركيا كجسر وقنطرة بين قارتين، آسيا من جهة وأوروبا من جهة ثانية، ثرية بخبرات التعايش بين كتل ديموغرافية متباينة التوجهات، الأمر الذي يكسبها ثراء معرفيا ودبلوماسيا، وبحضورها التاريخي تضحي قيمة مضافة في محاولة التواصل مع بقية أطراف وأطياف العالم، يزخمها في مسيرتها إرث إنساني لحضارات عدة مرت بها من بيزنطية وعثمانية.
لم تكن تركيا بحال من الأحوال بعيدة عن السياقات الثقافية والفكرية العربية، بل إن الأقدمين يخبرون بأن أي مسؤول تركي سابق لم يكن له أن يتبوأ أي مركز متقدم في البلاد ما لم يكن يجيد اللغة العربية وآدابها، وشرط أن يمر باختبار في قواميس اللغة العربية.
أنفع وأرفع ما في التجربة الإماراتية، روح التسامح والتصالح، تلك التي تدفعها لفتح أحضانها دوما للقريب والغريب، حيث لا تتوقف أمام العقبات أو الخلافات، بل تتجاوزها وتتخطاها، وتسعى من ثم إلى زمن المودات من أجل خير الشعوب في الحال والاستقبال.
هل ترحب الإمارات العربية المتحدة بالزائر التركي الكبير من خلال المظاهر الاحتفالية المعروضة على واجهة برج خليفة، وإضاءة أهم المعالم والمؤسسات والمباني الأيقونية بألوان العلمين الإماراتي والتركي، إلى جانب تفعيل اللوحات الإلكترونية في الطرقات الرئيسية لاستعراض رسائل الاحتفاء بالشراكة بين البلدين، فحسب؟
الثابت أنه عطفا على كل ما تقدم فإن سردية القلب الواسع والعقل المبدع، والروح الوثابة، هي التي ترحب بالرئيس التركي في عالم المودات الإماراتية، تلك السمة التي باتت تُعرف بها هذه التجربة الإنسانية، التي تتمثل في دولة الإمارات الرسائلية، والتي هي أكثر منها كيان "ويستفالي"، يجتمع من حوله الشرق والغرب دفعة واحدة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة