بين زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، لتركيا، واستقباله الحافل من الرئيس التركي، وبين زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات، كثير مما يقال.
فالتحولات، التي تمر بها العلاقة بين الإمارات وتركيا، تشهد زخْماً كبيراً، فما الذي تغير؟
الحقيقة أن المنطقة تغيّرت، بل إنها لا تكف عن التغير، فالوضع الذي مر به الشرق الأوسط خلال العقد الأخير استثنائي، ولم يكن ليستمر إلى الأبد بلا شك في حالة الاضطراب التي خلقت بعد 2011، فالجميع يعلم أن العلاقات بين الدول بطبيعتها ليست على وتيرة ثابتة، فتباين المواقف والرؤى وارد من حين لآخر، كما أن التفاهم والتعاون وارد أيضا في كل وقت، خاصة إذا ما تهيأت له ظروف وبيئة مناسبة، وذلك من أجل تغليب المصالح العليا لدول المنطقة، لذا كانت الإمارات أول من استشرف أهمية دعم أمن واستقرار المنطقة والإقليم عبر فتح قنوات التعاون مع دوله جميعها، ومنها تركيا كدولة إقليمية هامة وفاعلة لا ينكر مكانها ومكانتها لبيب.
إن زيارة رئيس الجمهورية التركية إلى العاصمة الإماراتية ستنتقل بالعلاقات بين البلدين إلى أوسع الآفاق، وسينعكس ذلك بالتأكيد على الإقليم ككل، حيث تتصاعد المنافسة ويزداد احتقان الشرق الأوسط، فيما ستنسق الدولتان فيما بينهما للحفاظ على السلام في منطقتنا المضطربة، فضلا عن دعم مكافحة الإرهاب ومسبباته.
ولعل حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول ارتباط أمن تركيا بأمن الخليج العربي قبيل زيارته إلى الإمارات اليوم، رسالة بالغة الوضوح تصد أقاويل أعداء التنمية ودعاة الحرب والخلافات.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد تم توقيع 10 اتفاقيات للتعاون الاقتصادي بين البلدين في مجالات مختلفة إبان زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة، فيما ستشكل زيارة الرئيس التركي فرصا استثمارية تجمع البلدين، كما سيتخلل الزيارة توقيع مجموعة اتفاقيات اقتصادية.
لقد استطاعت الإمارات أن تخطو خطوات كبيرة خلال العقد الأخير لترسيخ مفاهيم حسن الجوار والتفاهم والتعاون الاقتصادي والسلام والتعايش بين الدول، معتمدة على ثقلها ومصداقيتها في المنطقة وقدرتها اللافتة على التعامل مع كافة الظروف والمستجدات بواقعية لخدمة مصالحها العليا، وذلك عبر دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية، بعيداً عن التزمّت السياسي والجمود الدبلوماسي.
تدرك تركيا جيداً أن التفاهم مع دول المنطقة هو سبيل التقدم الاقتصادي، وأن جميع المشكلات التي مرت بها المنطقة خلال العقد الأخير لم تُنتج سوى مزيد من حالة عدم الاستقرار، فأيقنت تركيا أن الوقت قد حان للنظر بطريقة مختلفة نحو الملفات المشتركة والتعاون مع دول المنطقة من أجل غد أفضل للجميع.
في المقابل، يدرك العرب جميعا قوة ومكانة تركيا تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا، ويريد العرب تركيا قوية، جارة تساندهم ويساندونها، وأولى البشائر ها قد ظهرت عبر هاتين الزيارتين بتغير المشهد الإقليمي ونهاية حقبة اللا استقرار، التي شهدتها دول بمنطقتنا.
في الختام.. فإن تطور العلاقات الإماراتية- التركية نبأ سعيد لشعوب المنطقة، وليس لشعبي البلدين فقط، فهي بشارة تحمل خيرا كثيرا للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة