زيارة أردوغان للعراق.. طي صفحة الخلافات أم تهدئة مؤقتة؟
لأول مرة منذ أكثر من عقد، يبدأ، اليوم الإثنين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة إلى العراق، في خطوة اعتبرها خبراء "نقلة نوعية ستعيد تشكيل علاقات البلدين من جديد حال تخطي عقبة الخلافات".
ووفق خبراء في الشأن السياسي التركي والعراقي تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، فإن "الزيارة التي تتوج زيارات متبادلة لمسؤولين من الدولتين خلال الأشهر الماضية، تستهدف التوصل إلى تفاهمات ربما لا تكون مرضية بشكل كامل للطرفين، لكنها ستكون أقرب للحلول الوسط".
وأكدوا في الوقت ذاته "وجود تحديات في وجه التقارب بين الدولتين قد تعرقل طي صفحة الخلافات، من أبرزها إيران، وشكل وطبيعة الوجود العسكري التركي بشمال العراق".
نقلة نوعية
المحلل السياسي والباحث في مركز "تحليل السياسات" من إسطنبول، محمود علوش، يؤكد أن "زيارة الرئيس التركي إلى العراق، تكتسب أهمية بالغة، حيث ستمثل نقلة نوعية من شأنها إعادة تشكيل العلاقات الثنائية من جديد، وسوف يشكل العامل الأمني ركيزة أساسية في التقارب".
ويقول علوش: "ستحمل زيارة أردوغان التي سبقتها زيارات لمسؤولين أتراك إلى بغداد، محاولة الاتفاق على خارطة طريق جديدة، وتعاون في مختلف المجالات في ملف الأمن، ومجال مكافحة الإرهاب، وتقويض خطر حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى ملف حصص المياه بينهما".
وهنا، يلفت علوش إلى أن هناك عملية عسكرية تعتزم أنقرة، القيام بها ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق خلال هذا الصيف؛ من أجل إقامة منطقة عازلة بعمق 30 إلى 40 كيلومترا وتعول تركيا على التعاون العسكري والاستخباراتي مع بغداد وأربيل في هذه العملية.
الأمن أولوية تركية
الباحث في مركز "تحليل السياسات"، يؤكد أن أولوية تركيا في المقام الأول هي التعاون في ملف مكافحة الإرهاب، وفي حال حصلت على ما تريده من العراق في هذا الملف، فسوف يكون لديها انفتاح على التعاون في مجالات أخرى.
وفي هذا الإطار، يرى علوش، أنه في حال جرى التوافق حول الخطوط العريضة للوجود العسكري التركي بشمال العراق، والتوصل لتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فإن هذا الأمر سيساعد بلا شك في التوصل إلى تفاهم ليس فقط في ملف المياه، بل أيضا في ملف النفط.
ويضيف: في ظل تطور العلاقات مع الجارة العراقية، يتطلع الأتراك إلى الاستفادة من هذا الوضع الجديد بشكل يساعدهم في التخلص من خطر حزب العمال الكردستاني على الحدود في شمال العراق، أو على الأقل تقويض هذا الخطر، حيث يشكل هذا الملف أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا في هذه المرحلة.
وقال وزير الموارد المائية العراقية، عون ذياب، في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية، الأحد، إن "مصالح تركيا في العراق كبيرة جداً، كما أن لدينا مصالح تهمنا أبرزها موضوع المياه"، مؤكدا ضرورة "إنهاء ملف المياه حتى نؤسس لتنمية العلاقات مع تركيا وكل جيراننا".
وهناك محفزات اقتصادية للتقارب بين البلدين تتعلق بمشروع طريق التنمية، الذي يلعب دورا كبيرا في تحفيز الدولتين على التفكير في مزايا هذه الشراكة الجديدة، والفوائد التي تعود على البلدين، وفقا للمحلل السياسي التركي.
ومشروع طريق التنمية، يشمل طريقًا بريًا وسككا حديدية، ويربط بين طرق التجارة في آسيا ودول الخليج جنوبًا والأسواق الأوروبية عبر الأراضي التركية.
إعادة تشكيل العلاقات
الكاتب والباحث السياسي التركي، الدكتور طه عودة أوغلو، ذهب في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الزيارة ستعيد تشكيل العلاقات التركية - العراقية من جديد، على نحو يحقق مصالح البلدين، على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، والتعاون معا بشأن ملف حزب العمال الكردستاني".
كما يرغب أردوغان في البناء على التفاهمات السابقة التي توصل إليها المسؤولون من البلدين خلال الأشهر الماضية، فيما يتعلق بأمن الحدود، بعد أن عملت فرق ولجان مشتركة على الإعداد للزيارة في ملفات الأمن والمياه والاقتصاد والتبادل التجاري.
ويعتبر عودة أوغلو في هذا الصدد أن تلك التفاهمات، "وضعت اللمسات الأخيرة قبل زيارة الرئيس التركي المرتقبة، ووضعت خطوطا عريضة للتفاهم مع بغداد على التعاون في القضاء على حزب العمال الكردستاني، لكن دون أن يتم التطرق لتفاصيل التفاهمات التي جرت".
وكان وزير الخارجية التركي، قد عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع نظيره العراقي فؤاد حسين ومسؤولين عراقيين آخرين، مؤخرا؛ لبحث تمركز حزب العمال في العراق، والإجراءات التي ستتخذ ضده.
وجاء في بيان مشترك صادر عن البلدين "نؤكد أن منظمة حزب العمال الكردستاني تمثل تهديدا أمنيا لتركيا والعراق، وأن وجودها في العراق يمثل انتهاكا للدستور العراقي".
ويشن الجيش التركي بانتظام عمليات عسكرية جوية وبرية ضد الأكراد المنضوين في حزب العمال الكردستاني، لا سيما في إقليم كردستان وفي منطقة سنجار.
حلول وسط
وفي تقدير الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، فإن "العلاقة بين بغداد وأنقرة ضرورية للبلدين اقتصاديا وأمنيا؛ لذا فمن المرجح التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات ربما لا تكون مرضية بشكل كامل للطرفين، لكنها ستكون أقرب للحلول الوسط؛ لأنه لا سبيل غير التعاون في ظل التحديات الحالية.
ويوضح في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": "فيما يمثل ملف الأمن وتهديد حزب العمال الكردستاني أهمية كبيرة لتركيا الذي تصنف الحزب كمنظمة إرهابية، فإن ملف المياه القادمة من أنقرة، على نفس القدر من الأهمية للعراق؛ لأن المياه من طهران انقطعت كليا منذ أكثر من 10 سنوات".
الكفائي يوضح أيضا أن "ملف المياه سيكون من أبرز الملفات التي سيبحثها أردوغان مع المسؤولين العراقيين، في ظل معاناة العراق من شح المياه والتصحر، بسبب السدود التركية والإيرانية على نهري دجلة والفرات".
توقيت حساس وبالغ الأهمية
"الزيارة تأتي في توقيت حساس وبالغ الأهمية"، وفقا للدكتور بشير عبد الفتاح الخبير المصري في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية، ومقره القاهرة.
ويفسر في حديث خاص لـ"العين الإخبارية": "يتجه الوضع في العراق نحو التوتر ليس فقط بسبب الأزمات الحالية بالبلاد، بل أيضا مسألة حزب العمال الكردستاني، وتحرك الأذرع الموالية لإيران في بغداد سواء ضد إسرائيل والوجود الأمريكي في المنطقة".
الخبير في الشأن التركي، يرى أنه في ظل الحديث عن إمكانية انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فسوف تكون هناك حالة من الفراغ الاستراتيجي بالبلاد، وتسعى أنقرة أن يكون لها دور في ملء هذا الفراغ بالتنسيق مع السلطات العراقية".
وينبه "عبد الفتاح" إلى أن "الملفات الخلافية عديدة من بينها، ملف النفط، وتصدير نفط كردستان عبر خط الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي، ومسألة التجارة مع العراق".
الأمن أمام زيادة حصص المياه
ويشير عبد الفتاح إلى أن "هناك مسألة أمنية هامة تتعلق بوضع حزب العمال الكردستاني، فتركيا بحاجة إلى اتفاق على غرار الاتفاق الأمني الذي أبرمته إيران مع العراق؛ لتحجيم نشاط حزب العمال الكردستاني من داخل العراق".
ويلفت الانتباه أيضا إلى أن أردوغان سوف يحاول التفاهم في الملف الأمني، وحزب العمال الكردستان، والسعي للتوصل إلى صيغة أمنية تضمن لتركيا حفظ أمنها، وفي المقابل العمل على زيادة حصص المياه المقررة إلى الجانب العراقي.
ولم يفت عبد الفتاح، التأكيد على وجود "مسائل خلافية" بين الدولتين، منذ فترة، ستكون محل نقاش وبحث، وتتعلق بحصص المياه؛ في ظل اتهامات سابقة من بغداد بأن جارتها تركيا تقلص حصتها من المياه بسبب السدود التي أقامتها، على نهر الفرات، ما أدى لانتشار الجفاف ونفوق الثروة الحيوانية.
تحديات في وجه التقارب
فيما يؤكد الخبراء في الشأن التركي والعراقي، أن هناك تحديات تقف في وجه التقارب بين البلدين، أبرزها؛ إيران وشكل وطبيعة الوجود العسكري التركي في شمال العراق.
ويشدد الدكتور حميد الكفائي، على أن بغداد لن تكون قادرة على تنفيذ جميع رغبات أنقرة بشأن القضاء على حزب العمال الكردستاني، "العملية صعبة، ورغم أن العراق لا يرغب في وجود الحزب، لكن هناك آلاف من المقاتلين وعوائلهم، وهؤلاء استوطنوا في البلاد وفي مناطق وعرة منذ أواخر الثمانينيات، مما يصعب على الحكومة التخلص منهم".
ومن التحديات الأخرى، يشير علوش، إلى أن العامل الإيراني يلعب دورا هاما في تشكيل ديناميكيات العلاقات التركية العراقية، فهذا الدور لم يساعد البلدين، منذ حقبة ما بعد سقوط نظام صدام حسين، في إقامة علاقات قادرة على التعاطي بشكل إيجابي مع الملفات المهمة، علاوة على عامل المنافسة التركي الإيراني في العراق، وعلى مستوى المنطقة.
ويردف: "طهران لديها تأثير ونفوذ قوي على قرارات بغداد، لاسيما فيما يتعلق بالعلاقات مع أنقرة؛ لهذا فإن قرار العراق بالتوجه نحو التعاون مع تركيا في مجالات مهمة ما كان ليحدث لولا عدم معارضة إيران لهذه الخطوة حتى الآن".
كما يشير علوش إلى أنه رغم أهمية التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، لكن ستبقى مسألة الوجود العسكري التركي في شمال العراق إحدى العقبات التي من المحتمل أن تزعج المسار الجديد في العلاقات بين الدولتين في المستقبل.
20 اتفاقية
وأعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، أنه سيتم توقيع أكثر من 20 اتفاقية مع العراق خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان المقررة إلى العاصمة بغداد الإثنين.
وقال فيدان في مؤتمر صحفي الأحد، "هدفنا تطوير العلاقات (مع العراق) بحيث يكون الاستقرار الإقليمي والازدهار والتنمية ممكنا، وإضفاء طابع مؤسسي على علاقاتنا، وبذل ما بوسعنا لتطوير النظام والازدهار في المنطقة".
في وقت سابق، أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، أن العراق يتطلع إلى علاقات متميزة مع الجارة تركيا على مختلف الصعد، كما أنه يحرص على إقامة علاقات مع الدول الشقيقة والصديقة مبنية على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
aXA6IDE4LjIyNS45Mi42MCA= جزيرة ام اند امز