في أول ردّ فعل له على النتائج التي انتهت إليها الانتخابات المحلية (البلدية)، التي أجريت في عموم تركيا وبلدياتها الـ81، يوم الأحد الماضي، اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخسارة.
كما أنه كان مطالباً بأن يقول شيئاً لجماهير حزب العدالة والتنمية التي احتشدت أمام المقر الرئيسي للحزب، في العاصمة التركية أنقرة، ليسمعوا منه ماذا ينوي أن يفعل مستقبلاً، وتساقط رهاناته على كفاءات رجاله من قادة حزبه الذين دفع بهم لاستعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة، على وجه الخصوص.
لم يجد أردوغان ما يقوله، وهو يحاول استيعاب النتيجة، وتداعياتها المحتملة عليه شخصياً، وعلى حزب العدالة والتنمية، إلا القول بأن تلك الانتخابات «شكلت نقطة تحول» لحزبه، وأوضح أن الشعب التركي «أوصل رسالته إلى السياسيين عبر صناديق الاقتراع»، وأنه «بغضّ النظر عن النتائج فإن الفائز في هذه الانتخابات هو ديمقراطيتنا وإرادتنا الوطنية»، معتبراً أن 31 مارس/آذار «ليس نهاية المطاف بالنسبة إلينا، بل هو في الواقع نقطة تحول».
هل يمكن أن تكون هذه الانتخابات هي الأخيرة بالنسبة إلى الرئيس التركي، الذي وصل إلى السلطة عام 2003 رئيساً للوزراء ومن بعدها بقي رئيساً للدولة، حسب ما سبق أن وعد أمام حشد من الشباب قبل 22 يوماً من إجراء الانتخابات (8 مارس 2024) بـ«مغادرة السلطة»، مؤكداً أن الانتخابات البلدية «ستكون الأخيرة» له؟
الأتراك الذين عايشوا الرئيس أردوغان ويعرفونه حق المعرفة يتشككون في هذه التأكيدات، ويؤكدون أن «نقطة التحول» التي وردت على لسان أردوغان لا تعني أكثر من المزيد من الإصرار على البحث عن الفرص الكفيلة بفرض استمرار حزبه في السلطة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن خسارة «العدالة والتنمية»، لإسطنبول للمرة الثانية، على التوالي، وأمام الشخص نفسه أكرم أمام أوغلو، مرشح أكبر أحزاب المعارضة التركية، أي حزب الشعب الجمهوري، يمكن أن تكون عائقاً كبيراً أمام طموحات أردوغان، ومشروعه السياسي الذي كان يتمحور حول استعادة إسطنبول لضرورتها القصوى لإنجاح هذا المشروع، لدرجة أن أردوغان رهن البدء بتنفيذ رؤيته الجديدة في الحكم «مئوية تركيا» التي أعلنها عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في مايو/أيار الماضي، بفوز مرشح حزبه «مراد كوروم» برئاسة بلديتها، فإسطنبول تمثل نصف قاعدة الضرائب، ونحو ثلث ناتج تركيا الإجمالي، كما أن عمليات التشييد ومشروعات التجديد الحضرية فيها تدرّ كميات ضخمة من الأموال.
هل يمكن أن تكون «نقطة التحول» التي تحدث عنها أردوغان عقب خسارة الانتخابات المحلية هي العدول والتراجع عما تحدث به من تلميحات لاحتمال اعتزال السياسة بعد انتهاء ولايته عام 2028، والبدء بالتفكير مجدداً بتمديد بقائه في السلطة ليحول دون وصول حزب الشعب الجمهوري للرئاسة عام 2028 في ظل دعاية معارضة مكثفة تتحدث عن أن أكرم أمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الفائز سيكون رئيس الجمهورية المقبل؟
المعروف أنه، بحكم الدستور، سوف تنتهي رئاسة أردوغان عام 2028، ولا يحق له الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية، ومن ثم فإن تجديد طموحات أردوغان لفرض «نقطة التحول» التي يريدها غير تعديل الدستور وإجراء انتخابات مبكرة قبل عام 2028، وهو ما يمكن أن يسمح له مجدداً بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية. وبالفعل، بدأ كبار رجال حزب العدالة والتنمية بالتلميح لمثل تلك الخطوات، والقول إنه «إذا قرر البرلمان تجديد الانتخابات خلال الولاية الثانية للرئيس (الحالية) فيجوز له الترشح مرة أخرى (المادة 116 من الدستور فقرة 3).
وكان ترشح أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (مايو/أيار 2023) قد أثار جدلاً بسبب تفسير الفقرة 3 من المادة 101 من الدستور التركي، التي تمنع ترشح الشخص للرئاسة أكثر من مرتين، بينما ترشح أردوغان في عام 2014 و2018، لكن تم اعتبار انتخابات 2018 الأولى له بعد تعديل الدستور في عام 2017، وإجراء الانتخابات على قاعدة جديدة أقرت بموجب هذا التعديل، وبالتالي أصبح من حقه أن يترشح للمرة الثانية عام 2023.
المستقبل سيكشف خفايا «نقطة التحول» التي يعنيها أردوغان.
نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة