خسر حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "التنمية والعدالة" بشكل واسع في الانتخابات المحلية، حين فاز حزب المعارضة الرئيسي المتمثل في حزب الشعب الجمهوري بالعديد من البلديات والمحافظات.
والمفارقة، كانت على مستوى الأصوات، حيث انخفضت أصوات الحزب الحاكم لحساب المعارضة، ما يعكس تغيرًا كبيرًا في مزاج الناخب التركي للأحزاب السياسية في تركيا، مما يشير إلى تحول في الساحة السياسية، ورغبة الناخبين في تغيير الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.
شكلت نتائج الانتخابات المحلية مقدمة لتغيير في السياسة والحكم، خاصة من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. فهذه النتائج تظهر تحولاً في الدعم الشعبي، وتحفز الحزب الحاكم لإعادة التقييم والمراجعة، وتحليل النتائج والاستجابة لرسائل الشعب.
كما أثرت النتائج سلباً على الليرة التركية، مما يشير إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد المحلي والمشاريع الحكومية المستقبلية، وتحمل ملامح واحتمالات لتقلبات أكبر في السياسة الاقتصادية والنقدية، مما يثير القلق بشأن الاستقرار المالي.
سيواجه الرئيس أردوغان تحديات عديدة خلال المرحلة المقبلة، أبرزها خفض معدل التضخم الذي وصل إلى مستويات مرتفعة، أثرت على مستوى الحياة المعيشية، بالإضافة إلى الاستمرار في التصدي للأزمة الاقتصادية، وتحسين ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي.
ومن جهة أخرى، فإن المعارضة المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري تواجه أيضًا تحديات كبيرة بعد فوزها في العديد من المدن، بما فيها المدن الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة، ومن المتوقع أن تبحث عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع الأوضاع السياسية المتغيرة، فهذا الفوز الراهن كبير، ولكن سيظل متغيرا بحسب تغير الأحداث. ولهذا العمل على بناء تحالفات مع القوى السياسية الأخرى سيكون حاسما، لتوسيع قاعدة المعارضة الشعبية.
هناك عدة عوامل أسهمت في خسارة حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات المحلية، ولعل أهمها تراكم الغضب الشعبي بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مثل التضخم وارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالحزب الحاكم بسبب تصاعد الفساد، وتراجع الحريات، وزيادة التوترات السياسية ولو تحسنت نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية، كما كانت تحالفات المعارضة فعالة في جذب دعم الناخبين خاصة في المدن الكبيرة، وقد يكون ذلك بسبب أداء بعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية في الإدارات المحلية، مما جعل الناخبين يبحثون عن خيارات بديلة.
وتمكنت المعارضة من تحقيق نتائج مهمة بسبب تقديمها إدارات محلية فعالة خلال المراحل السابقة، تمكنوا من خلالها إدارة المدن المسؤولين عنها بشكل فعّال، وتقديم الخدمات العامة بطريقة ملائمة للمواطنين، ما جعل الناخبين يرون فيهم بدائل للحزب الحاكم، كما نجحت القوى المعارضة في توحيد جهودها وتشكيل تحالفات فعّالة، مما زاد من قوتها وقدرتها على جذب دعم الناخبين في المدن الرئيسية، مستغلة الاستياء العام تجاه سياسات حزب "العدالة والتنمية"، مما دفعهم للتصويت للمعارضة كتعبير عن رفضهم للوضع الحالي، والذي أدى إلى زيادة الوعي السياسي والمدني، وتحفيز الناخبين على التصويت للمعارضة.
من المتوقع أن يقوم حزب أردوغان بعدة إجراءات استراتيجية في الفترة المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية، لتفادي استمرار نجاحات المعارضة، وعلى رأسها تحسين الأوضاع الاقتصادية وخفض معدل التضخم لاستعادة دعم الناخبين، حيث تعتبر الأوضاع الاقتصادية السيئة واحدة من العوامل التي دفعت بالناخبين تجاه المعارضة، بالإضافة إلى العمل على إصلاحات سياسية لتحسين الثقة العامة في النظام السياسي، بما في ذلك مكافحة الفساد، وتحسين شفافية العملية الانتخابية، وتعزيز التواصل مع الشعب التركي لتفهم احتياجاتهم ومخاوفهم، والترويج لإنجازات الحزب الحاكم وخططه المستقبلية لإقناع الناخبين بضرورة استمرار حكمه، مع تقديم الوعود الانتخابية الهادفة لتحسين حياة الأتراك وتلبية احتياجاتهم، وقد يسعى الحزب إلى تعزيز التعاون مع أحزاب الأقليات لتشكيل تحالفات قوية قادرة على منافسة المعارضة بفعالية.
وفي نهاية الأمر، سيشكل فوز الحزب الحاكم أو المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تأثيراً كبيراً على العلاقات الخارجية الدولية، فاستمرارية أردوغان في السلطة تعني استمرار سياساته الحالية البراغماتية، وتشمل تحسين العلاقات مع الدول العربية المحورية، وقد تعني الاستمرار في التدخل بشكل أقل في الشؤون الإقليمية مثل الأزمة السورية، والسعي للحفاظ على أدوات الضغط مثل عضوية حلف الناتو، وفي حال فوز المعارضة قد نشهد تغييرات في سياسات تركيا الخارجية، إذ سيسعى الحزب الجديد إلى إصلاح العلاقات مع دول الجوار، والمجتمع الدولي بشكل سريع، واستعادة العلاقات مع الدول العربية بشكل أكبر، مع استعادة الثقة بين تركيا وحلفائها الغربيين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة