الرئيس التركي -الذي يبدو أنه اعتمد على الانسحاب الأمريكي من المنطقة في جرأة قراره- ما يزال مصرا على استمرار عدوانه ضد سوريا
عملية عسكرية أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية الأربعاء، أطلقتها شمال شرق سوريا ومنحتها اسم "نبع السلام"، هذه العملية التي خرقت جميع المواثيق والقوانين الدولية وضربت بها عرض الحائط، تدعي أنقرة حسب رئيسها أنها تهدف إلى "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتأمين منطقة آمنة للاجئين السوريين، وحماية حدودها من تحركات ومرور الإرهابيين عبرها"، هكذا اختصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حجته في إطلاق قواته والمرتزقة المقاتلين معه والمنضوين ضمن فصائل مدعومة تركياً، كانت ولا تزال تشكل عقبة كبيرة في طريق استعادة سوريا أمنها واستقرارها وسلامها.
الرئيس التركي -الذي يبدو أنه اعتمد على الانسحاب الأمريكي من المنطقة في جرأة قراره- ما يزال مصراً على استمرار عدوانه ضد الدولة السورية، وهو الذي يعتقد بذلك أنه سيُصرِف النظر داخليا عن حجم الأزمات التي تعصِفُ بالدولة التركية واقتصادها، غير مدركٍ أنه سيفتحُ الباب من جديد أمام أزماتٍ أكبر
"وحدةُ الأراضي السورية" عنوان رنان يتغنى به أردوغان، محاولا انتزاع صفة حامي الحمى وموحد الدول ومقرب الشعوب، وهي الحجة الأولى التي عنونَ بها الرئيسُ التركي ملامح "نبع السلام" التي أمر بشنها ضد الدولة السورية ككل وليس ضد مكونٍ واحد من الشعب السوري، كما يحاول الأتراكُ إيصال الصورة إلى الإعلام العربي، وليس تحديد المكون الكردي أساسا في إعلان أنقرة سبباً لشن الهجوم على الأراضي السورية، إلا دليلا يعكس مدى التناقض والتشتت التركي في كونه يتحدث عن قتال مكون رئيسي من الشعب السوري ولكن بشكل مستقل، وكأن الأكراد ليسوا في أراضيهم التي هي ضمن حدود الدولة السورية، وأن المستهدف هم فئة من السوريين أيا كانت انتماءاتهم العرقية أو الدينية، وفي المقابل يدعم أردوغان فصائل مسلحة على امتداد الحدود السورية التركية في استقلالهم عن الدولة السورية الأم، وهو الذي يوجههم ويحركهم ضد الدولة التي يدعي أن عمليته تهدف لإحلال السلام فيها.
وعن المنطقة الآمنة و"إحلال السلام" التي يدعي أردوغان أن تحركه العسكري سيحققهما، فعلى الرئيس التركي أن يعي أولا بأن السلام لا يتحقق بالعدوان على الدول وقتل الشعوب ونهب المقدرات كما احترف ذلك أجدادُه العثمانيون، بل يكون إما بالتعاون مع دول الجوار بما فيه مصالح البلدين، أو -وفي أضعف الإيمان- بكف اليد والامتناع عن تمويل الإرهابيين وتسهيل أنشطتهم ودعمهم في سبيل هدم كيان دولة جارة كانت مستقرة، قبل أن يفتح الرئيس التركي حدود بلاده لمجاميع الإرهابيين للدخول إليها وإعاثة الفساد فيها، وهو الذي أسس لحدوث أزمات إنسانية كبيرة عانى منها وما يزال يعاني الشعب السوري، الذي تشرد ونزح ولجأ إلى شتات ومخيمات. وليست المنطقة الآمنة التي يدعي رغبتهُ في إنشائها رئيس النظام التركي اليوم عبر القصف المدفعي والجوي، إلا حلماً قديماً راود الولاةَ قبله لضم تلك الأراضي إلى السلطة التركية الحديثة.
أما حديث أردوغان عن كون عمليته العسكرية الرخيصة تأتي في إطار ما أسماهُ مكافحة الإرهاب وحماية حدوده من عناصره، فيكفي تذكيره بآخر التقارير الاستخباراتية التي عرضتها الإدارة الأمريكية ونشرتها عدد من وسائل الإعلام العالمية، موثقة حقيقة الدعم التركي للجماعات الإرهابية التي قاتلت وتقاتل في شمال سوريا وعلى امتداد الحدود السورية العراقية التركية، على رأسهم تنظيم داعش الإرهابي، الذي أكدت الوثائق أن النظام التركي سهل عمليات انتقال وتدريب وتمويل مقاتليه بشكل منتظم، عدا عن كون تركيا سمحت طوال فترة الأزمة السورية، بحرية التنقل والمرور بين طرفي الحدود السورية التركية لمئات الإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم، كما أثبتت الأدلة تورط أنقرة بتقديم دعم مادي وتجاري في صفقات نفط مشبوهة تمت بين النظام التركي وداعش وعدد من الفصائل المسلحة في سوريا، والتي تكن بولائها للرئيس التركي أردوغان.
العدوان العسكري التركي على الأراضي السورية لاقى في المقابل ردود فعلٍ منددة، والكثير من التصريحات للمسؤولين عربيا وعالميا، غير أن الرئيس التركي -الذي يبدو أنه اعتمد على الانسحاب الأمريكي من المنطقة في جرأة قراره- ما يزال مصراً على استمرار عدوانه ضد الدولة السورية، وهو الذي يعتقد بذلك أنه سيُصرِف النظر داخليا عن حجم الأزمات التي تعصِفُ بالدولة التركية واقتصادها، غير مدركٍ أنه سيفتحُ الباب من جديد أمام أزماتٍ أكبر ويعمق جراح الاقتصاد التركي في محاولاته لاستعادة أمجادٍ اندثرت وانتهت، ونقول لأردوغان اليوم ردا على رسالته التي غرد بها لجنوده "نتمنى كل الفشل لجنودك الجبناء المشاركين في العملية وللعناصر المحلية الداعمة لقواتك".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة