أردوغان والتقارب مع مصر.. رسالة إيجابية شابها "الخطأ"
رسالة إيجابية وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مضمونها أن "شعب مصر شقيق، ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه، وعلينا الوفاق معه سريعا"، لكنها رسالة شابها "الخطأ" بحسب خبراء، بسبب "تعمد" عدم ذكر القيادة المصرية.
تصريحات اعتبرها سياسيون مصريون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" رسالة لتطوير الحوار مع القاهرة، وإذابة الجليد في العلاقات".
بيد أن هؤلاء انتقدوا ما وصفوه بـ"تعمد" أردوغان عدم توجيه خطابه للقيادة السياسية، خلال التصريحات المتكررة الجيدة عن التقارب مع مصر، قائلين "لا يزال رئيس تركيا يتعمد الإشادة بالشعب، دون الإشارة الإيجابية إلى القيادة المصرية".
وأكدوا في الوقت ذاته أن "أردوغان عليه مخاطبة النظام الحاكم مباشرة في حديثه عن تطوير العلاقات، لأن الشعب المصري وقيادته وحدة واحدة، مع ضرورة اتخاذ خطوات عملية لتطبيع العلاقات".
وفي تصريح أدلى به، خلال رحلة عودته من زيارة إلى أوكرانيا، الخميس، قال أردوغان: "الشعب المصري شعب شقيق ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه، لذا علينا ضمان الوفاق معه بأسرع وقت".
وتأتي تصريحات أردوغان بعد أيام قليلة من إعلان تل أبيب وأنقرة عودة التطبيع الكامل للعلاقات بينهما.
وفي وقت سابق، أكد الرئيس التركي أنه "لا يوجد سبب لعدم إجراء محادثات رفيعة المستوى مع مصر"، حيث ما زالت جهود أنقرة لإصلاح العلاقات مع القاهرة تراوح مكانها".
وأضاف أردوغان في مقابلة مع قناة "تي آر تي" الإخبارية الرسمية: "المحادثات على المستويات الدنيا مستمرة.. ليس مستبعدا أن يحدث هذا على مستويات أعلى ما دمنا نفهم بعضنا بعضا"، ومضى متابعا: "يتعين على البلدين تجنب إصدار بيانات قد تؤذي البلد الآخر".
وأكد الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير المصري في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" أن "الرئيس التركي يبعث برسالة لتطوير الحوار مع مصر، وصولا للتطبيع الكامل للعلاقات في أقرب فرصة ممكنة".
وإذ أشار إلى "الجانب الإيجابي" في تصريحات الرئيس التركي بشأن الرغبة في تطوير العلاقات، قال عبدالفتاح إن "أردوغان ما زال يتعمد الإشادة بالشعب، دون الإشارة الإيجابية إلى القيادة المصرية".
وأضاف في هذا الصدد: "على الرئيس التركي إعادة صياغة تصريحاته الخاصة برغبة التقارب مع القاهرة، بتوجيه خطاب التقارب مع النظام المصري بجانب الشعب لأن القيادة والشعب وحدة واحدة، إضافة إلى ضرورة اتخاذ سياسات وتحركات عملية لتطوير العلاقات".
واعتبر أن "عدم إشارة أردوغان للنظام الحاكم، يعود إلى موقفه الشخصي من القيادة الحالية التي أجهضت مشروع الخلافة المزعوم والذي تراجع لاحقا عنه، علاوة على رغبة الأخير في مغازلة تيار الإسلام السياسي في الداخل والجمهور المتعاطف معهم، في ظل حاجة الرئيس التركي لهم في الانتخابات المقبلة مع تراجع شعبيته، بحسب استطلاعات الرأي".
وأوضح "أردوغان يرغب في الاقتراب من مصر، وفي ذات الوقت لا يريد خسارة شريحة تدعمه في الانتخابات، ومصر تدرك ذلك تماما، وتتعامل في ملف العلاقات دون هرولة".
وذكر عبدالفتاح أن "مشكلة العلاقات بين البلدين (مصر وتركيا) حاليا، وتعطل التقارب، يرجع إلى أن الرئاسة التركية لا تقدم على خطوات عملية تستجيب فيها لمطالب القاهرة وتثبت حسن النوايا".
وبسؤاله عن طبيعة وشكل التحركات المطلوبة من أنقرة، أجاب الخبير بمركز الأهرام "ينبغي أولا الاستجابة للمطالب المصرية بعدم تحويل تركيا إلى ملاذ لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية، أو منصات سياسية وإعلامية لهم، ووقف التدخلات العسكرية التركية في دول الجوار مثل العراق وسوريا وليبيا والسودان وغيرها".
وأضاف عبدالفتاح أن "من بين التحركات التركية المطلوبة توقف أنقرة عن الإضرار بالمصالح المصرية في المحافل الدولية، والتوقف عن عسكرة السياسة الخارجية التركية في الشرق المتوسط، وأن تتعامل مع مصر من منطق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
وكان وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي قد دعا في حديث سابق لـ"العين الإخبارية" النظام التركي في حال رغبته في التقارب مع القاهرة إلى إجراء وصفه بـ"بالغ الأهمية"، وهو ضرورة توجه تركيا للنظام المصري الحاكم بشكل رسمي، بعيدا عن التصريحات التي يؤكدون فيها احترامهم وتقديرهم للشعب المصري.
وتابع: "لا بد أن يأخذ المسلك التركي طريقا رسميا بالتوجه للقيادة المصرية".
وبدوره، قال الدكتور تورهان شوماز، المستشار السياسي السابق للرئيس رجب طيب أردوغان، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "تصريحات أردوغان بشأن مصر تشير إلى أنه يسعى لتعزيز الجهود لتحسين العلاقات مع القاهرة وإذابة الجليد في تلك العلاقة".
واعتبر شوماز أن "هذه التصريحات تمثل أخبارا جيدة"، مشيرا إلى أن "تركيا لا بد أن تكون قريبة من مصر، وأن تكون حليفا وثيقا لمصر وإسرائيل وباقي دول المنطقة".
وفي أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 التي أطاحت بجماعة الإخوان من الحكم في مصر، استضافت أنقرة قادة وكوادر الجماعة، وبعضهم كان ملاحقا في جرائم إرهاب في مصر.
لكن تركيا أقدمت على خطوات لإبداء حسن نواياها تجاه القاهرة بتصفية منصات إعلامية إخوانية دأبت على الهجوم على القيادة السياسية في مصر، منذ عدة أشهر.
كما رحبت مصر بمباحثات مع الجانب التركي، لكن بدا جليا أن القاهرة لا تنوي الإسراع في غلق ملفات الخلاف قبل معالجة الأزمة على نحو أكثر جذرية.