أردوغان يلقي باقتصاد تركيا في حقل ألغام.. انفجار وشيك
سقط الاقتصاد التركي في حقل ألغام من الصعب تجاوزه، خاصة أن تلك الصاعقات المنتظر أن تنفجر زرعت بيد الرئيس رجب أردوغان.
وعلى مدار الأشهر الماضية، يسابق المسؤولون عن الاقتصاد التركي الزمن للتخلص من السياسات التدخلية، التي قادها "بيرت البيرق" صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير ماليته السابق، لكن العودة إلى سياسات اقتصادية تحترم قواعد السوق الحرة قد تعني مزيدا من تذبذب سعر العملة التركية الليرة.
وبحسب وكالة "بلومبيرج" للأنباء، فإنه منذ الإطاحة بمحافظ البنك المركزي التركي واستقالة البيرق من وزارة المالية في وقت سابق من الشهر الحالي، بدأت تركيا رفع القيود التي تمنع المضاربين من خفض قيمة الليرة، كما ألغت قاعدة تمنع المقترضين من تمديد قروضهم ودفع أعلى معدل للفائدة خلال عامين.
- تحالف تجاري "هش" بين تركيا وإيران.. دمره الفيروس
- تركيا في عهد أردوغان.. انهيارات اقتصادية وأكذوبة الصناعات العسكرية
ورحب المستثمرون بالعودة إلى مبادئ السوق، مع رفضهم لتأكيدات الرئيس أردوغان بأن الفائدة المرتفعة تغذي معدل التضخم.
ويقول المحللون إن الخطوة التالية المنطقية، ستكون تخفيف أكثر للقيود على مبادلات العملة وتعاملات المشتقات المالية، التي يمكن للبنوك المحلية القيام بها مع البنوك الأجنبية، والتي كانت قد جعلت الحصول على الليرة التركية في الخارج أمرا مكلفا للغاية.
ويرى المحللون أن هذه الخطوة لن تساعد كثيرا في إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي لتركيا، في حين يمكن أن تزيد الضغوط على العملة المحلية.
ونقلت "بلومبيرج" عن هاكان كارا، كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي التركي منذ 2003 حتى الإطاحة به من منصبه في العام الماضي القول إن "رفع القيود على مبادلات العملة، قد يؤدي إلى تذبذب في احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي وتذبذب أسعار العملة، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا في ثقة الأسواق.. على السلطات وضع خطة عمل بالتنسيق مع البنوك لتخفيف القيود على المعاملات الدولية تدريجيا، وفي الوقت نفسه تنظيم مشتريات البنك المركزي من العملات الأجنبية لكي تحل محل المبادلات".
تحايل ممنهج
وفي إطار جهود إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي المستنزف، تدرس السلطات التركية إعادة تنظيم مزايدات لشراء الدولار بالليرة لأول مرة منذ 2011 بحسب ما نقلته "بلومبيرج" عن مصدر مطلع.
وفي حين يمكن أن تؤدي هذه الآلية إلى إيجاد ضغوط جديدة على الليرة المتراجعة بالفعل، يقول خبراء الاقتصاد: إن المسؤولين قد يختارون في البداية طرح سندات دولية في محاولة لزيادة احتياطي النقد الأجنبي، وتأجيل تنظيم مزايدات شراء الدولار حتى تعود أسعار الصرف في السوق إلى المستويات الطبيعية.
وجاء الإعلان عن أول طرح للسندات الدولية التركية، في أعقاب إعلان هيئة الرقابة المصرفية التركية الثلاثاء الماضي اعتزامها إلغاء ما تسمى "قاعدة معدل الأصول".
وعينت الخزانة التركية بنوك جولدمان ساكس الأمريكي وإتش.إس.بي.سي البريطاني ومورجان ستانلي الأمريكي لإدارة طرح السندات التي يبلغ مداها عشرة أعوام.
المحتمل تنظيم مزيد من طروحات السندات الدولية في إطار سعي البنك المركزي لزيادة احتياطي النقد الأجنبي، بحسب أحد المحللين الاقتصاديين في لندن.
من ناحيته، قال مسؤول في البنك المركزي التركي تعليقا على الموضوع، إنه سيتم الإعلان عن تفاصيل أدوات السياسة النقدية وطرق استخدامها، قريبا، لتحقيق الشفافية والمحاسبة والقدرة على التنبؤ.
وحتى أغسطس الماضي سعت تركيا إلى منع عمليات البيع على المكشوف، من خلال منع المستثمرين الأجانب من الاقتراض من البنوك المحلية.
تراجع دراماتيكي
وخلال فترة عمل البيرق في وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي السابق مراد أوصال شهدت عمليات بيع كثيفة للعملة الأجنبية بهدف تعزيز قيمة الليرة دون الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة.
وتراجع إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا 22% خلال العام الحالي ليصل إلى 82.4 مليار دولار.
وبحسب عديد من المسؤولين المطلعين على ملف احتياطي النقد الأجنبي التركي، فإن هذا الاحتياطي شهد تراجعا دراماتيكيا خلال العام الحال، وهو ما أقنع أردوغان أخيرا بضرورة الإطاحة بكل من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي.
وتعني التغييرات، التي تمت في وقت سابق من الشهر الحالي أن البنوك تستطيع الآن بيع الليرة إلى المؤسسات الأجنبية بما يصل إلى 5% من إجمالي تعاملاتهم، التي تتم خلال سبعة أيام.
وزاد الحد الأقصى إلى 10% بالنسبة للتعاملات التي تتم خلال شهر و30% للتعاملات التي تتم خلال عام.
ومن شأن خفض القيود على المبادلات تقليص التباين في أسعار العائد، بين الأسواق المحلية والأسواق الدولية، بما يوفر خيارا آخر أمام البنوك التركية للاحتفاظ بالليرة وتشجيع المتعاملين في الاستثمار فيها.
كما يسهل ذلك على المضاربين المضاربة على الليرة، لأن عددا أقل منهم سيلجأ إلى الآلية الخاصة بالبنك المركزي وهو ما يمكن أن يؤثر في مستويات احتياطي النقد الأجنبي.
استقالة بيرق
واستقال صهر أردوغان من منصبه كنائب لرئيس صندوق الثروة السيادية الضخم في تركيا، ليكمل مسلسل تخليه عن مناصبه الرسمية، الذي بدأه باستقالة مفاجئة من منصب وزير المالية.
وكان ينظر إلى براءت البيرق على أنه ثاني أقوى شخصية في تركيا حتى رحيله عن الحكومة بداية الشهر الجاري، وكان البيرق (42 عاما) قد أعلن في 8 نوفمبر استقالته من منصبه كوزير للمالية متحدثا عن أسباب صحية.
وتجاهلت وسائل الإعلام الحكومية استقالته من منصبه البارز لأكثر من 24 ساعة، حتى قبلها أردوغان رسميا في الليلة التالية.
وظل البيرق يحتفظ بمنصبه كنائب لرئيس صندوق الثروة السيادية، الذي تم إنشاؤه في 2016، ويدير الآن أصولا عامة تبلغ قيمتها رسميا 22,6 مليار دولار.
ولم يفصح مكتب أردوغان عن كثير من التفاصيل بشأن رحيل البيرق، مشيرا في بيان من جملة واحدة إلى أنه "ترك مجلس إدارة صندوق الثروة السيادية لتركيا بعدما طلب إجازة".
وكان قد تم تعيينه نائبا لرئيس الصندوق في 2018، وهو العام نفسه، الذي أصبح فيه أردوغان رئيسه في شكل رسمي.
تراجع المعنويات
وفي سياق متصل بالاقتصاد التركي، أظهرت بيانات من معهد الإحصاء، أمس، أن مؤشر المعنويات الاقتصادية في تركيا انخفض 3.5 في المائة على أساس شهري في نوفمبر إلى 89.5 نقطة، إذ دفعت زيادة في وتيرة حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا أنقرة إلى فرض قيود جزئيا.
وكان المؤشر قد ارتفع لستة لأشهر متتالية من مستويات متدنية بلغها على خلفية إجراءات التصدي لفيروس كورونا، التي تسببت في تراجع حاد للنشاط الاقتصادي في مارس وأبريل عندما بلغ المؤشر قاعا عند 51.3 نقطة.
وكانت آخر مرة تخطى فيها المؤشر حاجز المائة نقطة في مارس 2018. وتشير أي قراءة فوق المائة إلى توقعات متفائلة، وما دونها إلى تشاؤم.
عقوبات أوروبية
وفيما يتعلق بالخلاف التركي مع أوروبا، فأدت السياسة الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تزداد حدة منذ 2016، إلى قيام هوة بين أنقرة وحلفائها الغربيين وإلى تفاقم الوضع الاقتصادي في بلاده، غير أن المحللين يستبعدون أن يبدل نهجه.
ويواجه أردوغان اتهامات من منتقديه باعتماد دبلوماسية هجومية لتعبئة قاعدته، في ظل صعوبات اقتصادية تضر بشعبيته.
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، صدرت عن أردوغان في الأيام الأخيرة مواقف تهدئة موجهة إلى أوروبا، فأكد أن مستقبل تركيا لا ينفصل عن مستقبل القارة العجوز.
لكن الواقع أن عمليات أنقرة، التي تنشر قوات في مناطق مختلفة من ليبيا إلى سوريا مرورا بشرق المتوسط، تثير غضب الغرب.
فإن كانت عروض القوة هذه تلقى شعبية في تركيا، إلا أنها قد تبعد أي مستثمرين محتملين، في حين أن تركيا بأمس الحاجة إلى أموال خارجية حاليا.
وأوضح سنان أولجن رئيس مركز إدام للأبحاث في إسطنبول أن سياسة أردوغان الخارجية أفضت إلى "علاقة متوترة بين تركيا وشريكيها الاقتصاديين الرئيسين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".
وتشكل عمليات التنقيب عن الغاز، التي تقوم بها تركيا بشكل أحادي في مناطق متنازع عليها مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط، أحد المواضيع الخلافية الرئيسة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.
وهددت بروكسل بفرض عقوبات إذا استمرت أنقرة على هذا النهج، وستكون المسألة في صلب قمة أوروبية تعقد في 10 و11 ديسمبر.
ويبدو أن التهديد بفرض عقوبات أوروبية قد يدفع الاقتصاد التركي إلى الهاوية، وهزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي أقام أردوغان معه علاقة شخصية، في الانتخابات الرئاسية، أقنعا الرئيس التركي بخفض حدة نبرته في الأسابيع الأخيرة.
بايدن وأنقرة
وإلى إبداء تمسكه بأوروبا، وعد في مطلع نوفمبر بإجراء إصلاحات قضائية لـ"تعزيز دولة القانون"، سعيا منه لطمأنة المستثمرين.
غير أن فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يطرح مشكلات جديدة لأنقرة الخاضعة لعقوبات أمريكية إثر شرائها أنظمة صاروخية روسية من طراز إس-400.
ورأى أنتوني سكينر من مكتب "فيريسك مايبلكروفت" للاستشارات أن "العلاقات التركية الأمريكية قد تتراجع إلى حد أدنى جديد في 2021".
وأنفقت تركيا في الأعوام الأخيرة مئات ملايين اليورو لتطوير قدراتها العسكرية، ما يشكل في رأي سينام أدار "عاملا أتاح عدائيته المتزايدة".
لكن هذا النهج رتب عليه أثمانا عالية، فخسرت الليرة التركية نحو ربع قيمتها حيال الدولار منذ مطلع العام، وما زاد من تدهورها التوتر الدبلوماسي ولا سيما مع فرنسا منذ بضعة أشهر.
وقال أولجن إن "المخاطر الجيوسياسية المتزايدة تشكل ضغطا على الليرة" ولها "وطأة على حركة الاستثمارات المباشرة الآتية من الخارج".
وتراجعت هذه الاستثمارات الآتية، خصوصا من أوروبا، التي تساهم، خصوصا في استحداث وظائف، من 16 مليار يورو في 2007 إلى سبعة مليارات في 2019، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وعلقت شركة "فولكسفاجن" الألمانية للسيارات العام الماضي قرار إقامة مصنع في تركيا، مبدية "قلقها" حيال الهجوم العسكري، الذي شنته أنقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا.
وفي نهاية المطاف، تخلت الشركة الألمانية العملاقة نهائيا عن مشروعها في يوليو، متذرعة رسميا بتفشي وباء كوفيد-19.