حالة الطوارئ وقانون الإرهاب بتركيا.. وجهان لمناورة واحدة
الحزب الحاكم أحال للبرلمان مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" الذي يمنح أردوغان حق تقييد حركة مواطنيه بشكل أتعس مما تفعله حالة الطوارئ.
رفعت تركيا حالة الطوارئ السارية في البلاد منذ سنتين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي رافقتها حملات تطهير مكثفة طالت معارضي الرئيس رجب طيب أردوغان، تحت يافطة الانتماء لمنظمة محظورة بالبلاد (فتح الله كولن).
إعلان تزامن مع رفع حزب "العدالة والتنمية" الحاكم إلى البرلمان، مشروع قانون "مكافحة الإرهاب"، الذي يعزز صلاحيات أردوغان، ويمنحه حق تقييد حركة مواطنيه بشكل أتعس مما تفعله حالة الطوارئ.
مناورة سيئة الإخراج، يقول مراقبون في وصفهم للتسلسل الزمني لها واللعب بالكلمات الذي يعتمد عليه الرئيس أردوغان وحاشيته لتعويم أهدافه الحقيقية وخلق متاهة لا يدرك معها المواطن التركي حقائق الأمور من زيفها.
تمديد وترجيح
حين أعلنت السلطات التركية، في 15 يوليو/ تموز 2016 حالة الطوارئ، كانت تقوم بتمديدها كل 3 أشهر، أولا لإيهام الرأي العام المحلي والدولي أن هذا القرار تفرضه التهديدات "الإرهابية".
وثانيا للتأكيد زيفا بأنه لا بديل عن قرار مماثل في ظل سياق ملتهب كالذي تعيشه البلاد، مع تفاقم ما تعتبره الخطر الكردي متمثلا في الحزب الكردستاني في الداخل، وفروعه على حدودها مع سوريا بالخصوص، وجماعة "جولن".
فمحاولة الانقلاب التقطها أردوغان واستثمرها بشكل صنع به جسرا أمّن له جميع رغباته: قام بتصفية جميع معارضيه تحت يافطة الانتماء لمنظمة محظورة بالبلاد (فتح الله جولن)، وقفز إلى ما وراء الحدود يطارد الأكراد، ويطارده كابوس إمكانية قيام دولة كردية على حدود بلاده.
حكم بقبضة من حديد، قضى على معارضيه، ولم يترك سوى من عجز عن الزج به وراء القضبان أو من نجح منهم في الفرار خارج الحدود.
سوّق لنفسه على أنه الزعيم المنقذ لبلده الذي تتقاذفه تهديدات الأكراد من جهة، ومنظمة جولن من جهة أخرى، وروّج على أن جميع الانتقادات التي طالته ليست سوى "غيرة" من "إنجازاته" التي وضعت البلاد بمصاف الدول الكبرى بالمنطقة والعالم.
كمّم الأفواه وألجم جميع الأصوات التي لا تشدو بـ"السلطان"، فتحولت البلاد إلى سجن مفتوح كان لابد وأن لا يترك أمام الشعب من خيار سوى التسليم لجبروت حاكمه الذي قرر تعزيز قبضته، بتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي.
وبما أنه سبق وأن وعد خلال حملته الانتخابية برفع حالة الطوارئ، فقد كان من الضروري تفعيل وعده دون تجسيده.
كان السؤال الأبرز هو كيف يضحي بحالة الطوارئ التي يستخدمها شماعة يعلق عليها جميع انتهاكاته لحقوق الإنسان، وفزاعة يبرر بها جميع قراراته المستبدة؟
الإجابة كانت لابد وأن تكون في إطار قانوني بحت.. قانون يصادق عليه البرلمان الذي يهيمن على قراره.. قانون يشرعن دكتاتوريته، ويمنحها طابعا إلزاميا لا يمكن لأحد تجاوزه، كما لا يمكن لأحد التشكيك فيه طالما أن التعلة هي مكافحة الإرهاب.
لا أحد سيفعل ذلك لا في تركيا ولا خارجها، لأن من سيفعل سيُتهم بدعم الإرهاب، بغض النظر عن المفهوم الذي يضعه أردوغان للمصطلح الأخير، والذي لا يعدو أن يكون تعريفا على المقاس.
وفي هذه الزاوية الضيقة وبالغة الحساسية، بنى أردوغان مقاربته، وهو ما يمكن فهمه حتى من الصيغة الترجيحية لقرار رفع حالة الطوارئ، ما يؤكد أن الإعلان في حد ذاته يصب في المناورة نفسها.
الوجه القاتم
الإعلام الرسمي في تركيا، قال إن مشروع القانون يقترح السماح للسلطات المحلية بتقييد تنقلات أفراد يشكلون خطراً على "الأمن العام"، أو تمديد فترة توقيف المشتبه بهم.
ووفق بولند توران، رئيس كتلة "العدالة والتنمية" بالبرلمان التركي، فإن النص يتضمن 28 مادة وقد أُرسل إلى أحزاب المعارضة.
وشدد توران على أن حزبه يرغب في عرض المشروع للتصويت الأسبوع المقبل، ما يترجم حرص السلطات على عدم ترك أي حيز زمني، وإن يكن ضئيلا، بين لحظة إلغاء حالة الطوارئ وإقرار قانون الإرهاب.
وزير العدل التركي، عبدالحميد غل، قال من جانبه إن "انتهاء حالة الطوارئ لا يعني أن محاربتنا للإرهاب ستنتهي"، وهي نفس الشماعة التي يعوّل عليها النظام الحاكم بمختلف أركانه، لتشديد قبضته على البلاد، تمهيدا لإخماد أي صوت متمرد، أو كلمة حرة.
مشروع اقترحه حزب أردوغان ويجزم محللون أنه سيكون الوجه الآخر، أو ربما الوجه الأبشع، لمناورته ومخططه ضد شعبه وبلاده، ليكون بذلك هذا النص مجرد واجهة قانونية يدفن بين جنباتها جميع فظائعه وانتهاكاته، ويقيّد مواطنيه بسلاسل قد لا يتخلصون منها إلا بمعجزة.. أو ثورة.