معركة إدلب.. هل تقطع "شعرة معاوية" بين تركيا والاتحاد الأوروبي؟
أردوغان شعر بأن الحليف الروسي لن يتخلى عن سوريا فاستحضر أوروبا إلى المشهد لدعمه عبر فزاعة اللاجئين لإنقاذ جنوده الذين يتساقطون في إدلب
بين الحين والآخر، يخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مهددا الأوروبيين بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين للنزوح صوب بلادهم لمكاسب سياسية أو اقتصادية، وما إن تتحقق إلا ويلتزم الصمت وكأن شيئا لم يكن في محاولة من جانب الطرفين للحفاظ على "شعرة معاوية".
غير أن أردوغان بدأ بالفعل في تنفيذ تهديداته بفتح الأبواب أمام اللاجئين في محاولة أوسع وأسرع للضغط على الاتحاد الأوروبي للدخول المباشر ودعم أنقرة في المفاوضات المتعثرة مع موسكو وإنقاذ جنوده الذين يتساقطون في إدلب السورية.
وتعثرت المفاوضات الروسية التركية في التوصل إلى حل ينهي القتال في ريفي حلب وإدلب، في ظل تقدم يومي لقوات النظام السوري المدعومة من سلاح الجو الروسي.
ويدخل هذا الإخفاق الصراع التركي الروسي إلى مرحلة تكسير العظام وعودة التوتر بين الجانبين.
وهو ما حذر منه اليوم الجمعة، خوسيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قائلا إن التوتر في منطقة إدلب السورية قد يتصاعد إلى صراع دولي كبير.
وأضاف بوريل على "تويتر" أن "التصاعد المستمر حول إدلب يجب أن يتوقف على الفور، هناك خطر من الانزلاق نحو مواجهة عسكرية دولية مفتوحة. هذا يتسبب كذلك في معاناة إنسانية غير محتملة ويعرض المدنيين للخطر".
ودعا جميع الأطراف إلى خفض التصعيد على وجه السرعة، معبرا عن أسف الاتحاد الأوروبي لجميع الخسائر في الأرواح.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس كافة الإجراءات الضرورية لحماية مصالحه الأمنية، مضيفا: "نحن على اتصال مع كافة الأطراف المعنية".
وتمثل إدلب حاليا معقلا للجماعات الإرهابية ومليشيات موالية لتركيا، وتخضع لاتفاق خفض التصعيد الذي توصلت إليه موسكو وأنقرة في حوار أستانة 2018.
إلا أن الجيش السوري تمكن بمساعدة هجمات جوية روسية مكثفة من استعادة عشرات البلدات في المحافظة خلال الأسابيع الماضية في أكبر تقدم لها منذ سنوات، ما أجبر عشرات الآلاف على الفرار إلى الحدود التركية.
كما نجح الجيش السوري في السيطرة على مواقع مراقبة عسكرية تركية في إدلب وتحطيم معدات وآليات عسكرية وقتل جنود وموالين لها، ما أغضب أنقرة التي شنت بدعم فصائل سورية موالية لها هجوما واسعا على جنوب شرقي المحافظة.
فيما عارضت روسيا العملية العسكرية التركية، مؤكدة أن تنفيذها في منطقة إدلب سيكون "أسوأ سيناريو".
واتهمت تركيا بمواصلة انتهاك اتفاق سوتشي لصالح المليشيات المسلحة في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وذلك بقصفها العسكريين التابعين للجيش السوري.
وبعد أن شعر أردوغان بأن الحليف الروسي لن يتخلى عن سوريا، وأن موسكو مستعدة لجميع الخيارات بما فيها التدابير العسكرية، استحضر أوروبا إلى المشهد عبر فزاعة اللاجئين ولكن هذه المرة لم يهدد بل قرر مباشرة فتح الأبواب لتكون خطوات التكتل الأوروبي أسرع نحو إنقاذ جنوده الذين يتساقطون في سوريا.
ومساء أمس الخميس، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 34 عسكريا تركيا في الغارات الجوية التي جرت في المنطقة الواقعة بين البارة وبليون شمالي سوريا.
ويعد مجرد التلويح بفتح الطريق أمام اللاجئين للوصول إلى أوروبا، تراجعا من جانب تركيا عن تعهد قطعته للاتحاد الأوروبي عام 2016 نالت مقابله مليارات الدولارات كمنح ومساعدات.
ونقلت "رويترز" عن مسؤول تركي، رفيع المستوى، لم تسمه، إن بلاده اتخذت قرارا بعدم التصدي لمحاولات هجرة اللاجئين السوريين صوب أوروبا برا وبحرا.
وأوضح المسؤول أنه صدرت تعليمات للشرطة التركية، وخفر السواحل، وقوات أمن الحدود بالانسحاب، وترك المجال مفتوحا أمام المهاجرين.
أردوغان يعلم تماما أن أكثر ما تخشاه دول "الاتحاد الأوروبي" هو رؤية موجة جديدة من اللاجئين السوريين تجتاح القارة.
فاثنتان من الدول التي فتحت أبوابها على مصراعيها خلال موجة تدفق اللاجئين الجماعية السابقة في عام 2015 وهما ألمانيا والسويد غير مستعدتين الآن لتكرار ذلك.
أما فرنسا، فلم تتأثر إلى حدّ كبير بالموجة السابقة، لكن الرئيس إيمانويل ماكرون يسعى مع ذلك إلى تجنيب بلاده من أن تصبح الملاذ الجماعي التالي.
وبدلا من ذلك، اقترح ماكرون آلية لتوزيع اللاجئين الجدد بالتناسب بين جميع الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي"، لكن دول أوروبا الشرقية رفضت هذه الفكرة رفضا قاطعا، خاصة بولندا والمجر.
ورقة اللاجئين نعمة مكنت أردوغان من الضغط على أعصاب أوروبا للحصول على مساعدات مالية، عبر إبرام اتفاق في مارس/آذار 2016 لوقف عبور المهاجرين من أراضيها إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية كبيرة، حصلت منها تركيا على 5,6 مليار يورو من أصل 6 مليارات.
وتقول تركيا إنها تستضيف على أراضيها أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري فروا إثر اندلاع الحرب في بلادهم، ورغم كل هذه المساعدات الأوروبية يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة وفي مخيمات لا ترقى بحياة آدمية.
كما وظف أردوغان ورقة اللاجئين من أجل تقليص الانتقادات الأوروبية لأنقرة بفعل توجه السلطة نحو تكريس الممارسات السلطوية، والانخراط السلبي في أزمات الإقليم.
إلا أن تنفيذ وعيده بفتح الأبواب أمام اللاجئين قد يقابله تمديد الاتحاد الأوروبي لعقوبات نوعية فرضها على أنقرة في يوليو/تموز الماضي على خلفية أعمال تنقيب غير قانونية في منطقة شرق المتوسط، وبخاصة تخفيض مساعدات مالية لتأهيل أوروبا لعضوية الاتحاد.
إضافة إلى استمرار بنك الاستثمار الأوروبي في تقليص أنشطة الإقراض لتركيا، خاصة أن مؤسسات التمويل الأوروبية تمثل ورقة رابحة لمحاصرة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها تركيا، فقد اقترضت في الفترة الماضية، بتسهيلات مريحة نحو 30 مليار يورو من بنك الاستثمار الأوروبي، و11 مليار يورو من البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية.
كما حذرت أوروبا تركيا أكثر من مرة من إمكانية فرض عزلة على سياسة أنقرة من خلال استدعاء السفراء، ووقف بعض برامج التعاون الاقتصادي، وفرض عقوبات تجارية ومالية واقتصادية.
كما تملك أوروبا أوراقا أخرى نفذتها في العملية العسكرية لتركيا "نبع السلام" على شمال سوريا أكتوبر/تشرين الأول الماضي وعلى رأسها تقييد صادرات الأسلحة.
وأعلن العديد من الدول الأوروبية وقف إصدار تصاريح تصدير جديدة إلى تركيا، لا سيما تلك المتعلقة بالمعدات العسكرية، وذلك ردا على العدوان العسكري شمال شرقي سوريا.
ويبدو جليا أن العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مرشحة لمزيد من التوتر بفعل إصرار أنقرة على تعقيد أزمة اللاجئين والإخلال باتفاق 2016 والمطالبة بدعمها في معركة إدلب على حساب روسيا ما قد يقطع شعرة معاوية بين الجانبين.
و“شعرة معاوية” يضرب بها المثل في التعامل مع الناس ومداراتهم وأخذهم بالحكمة والحنكة وقطعها بمثابة إنهاء علاقة طرفين، وكانت أحد مظاهر وفور عقل وغزارة فكر معاوية بن أبي سفيان الذي يعد من أدهى دهاة العرب عبر التاريخ.
aXA6IDE4LjIyMi4xMjEuMjQg جزيرة ام اند امز