تبقى توجهات الاقتصاد العالمي معلقة بنتائج المباحثات التي ستشهدها العاصمة الأمريكية يومي الخميس والجمعة
أصاب الرئيس الأمريكي ترامب العالم كله بحالة من عدم التوازن بإعلانه المفاجئ رفع الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على صادرات صينية لبلاده بقيمة 200 مليار دولار، وكان الرئيس الأمريكي وأقطاب الإدارة حتى الأسبوع الماضي فقط يرون أن هناك تقدما حثيثا في المفاوضات التجارية بين البلدين، وأنه سيتم التوصل لاتفاق ينهي حرب التجارة بينهما قريبا.
تبقى توجهات الاقتصاد العالمي معلقة بنتائج المباحثات التي ستشهدها العاصمة الأمريكية يومي الخميس والجمعة، فإما إلى انفراج وبث الثقة في جنبات هذا الاقتصاد، وإما إلى تصاعد الحرب التجارية بما قد يترتب عليها من تأزم موقف الاقتصاد العالمي
وكان السبب المعلن وراء هذا التحول الأمريكي المفاجئ هو ما ذكره الرئيس ومسئولون آخرون من أن الصين تتراجع عن التزامات كانت قد التزمت بها سابقا أثناء المفاوضات، وهو ما يؤدي إلى إعاقة التوصل لاتفاق وإطالة فترة التفاوض دون مبرر حقيقي سوى المراوغة الصينية. هذا ما دفع واشنطن باستخدام الكرت الأخير ورفع الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، وهي الرسوم التي كان من المفترض تطبيقها بداية هذا العام، لولا تجميد الولايات المتحدة قرارها مع الاتفاق بين الرئيسين الصيني والأمريكي في بداية ديسمبر/كانون أول الماضي على بدء التفاوض لحل نزاعاتهما التجارية.
وأتى اللقاء بين الرئيسين على هامش قمة العشرين التي عقدت في العاصمة الأرجنتينية "بيونس أيرس"، مما منح العالم فرصة للتفاؤل بأن الأوضاع تميل نحو التحسن، وأن موجة التشاؤم التي أطلقتها الحرب التجارية بين البلدين منذ منتصف العام الماضي في طريقها للانتهاء، وبدأت فترة هدنة معلنة لمدة ثلاثة أشهر كان من المفترض أن تنتهي في بداية شهر مارس/نيسان الماضي، لكن الرئيس الأمريكي مدد فترة الهدنة مع تفاؤله بقرب التوصل لاتفاق بين البلدين.
وكان من المنتظر وفقا لمصادر أمريكية التوصل لاتفاق مع نهاية الشهر الجاري، وإذا بالأوضاع تنقلب رأسا على عقب مع فرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية أعلى تبدأ في العاشر من مايو/أيار الجاري، وهو ما تسبب في ارتباك شديد في الأوضاع الاقتصادية في أربعة أرجاء المعمورة، وقد تمثلت هذه الارتباكات أو حالة عدم الاستقرار في المظاهر الآتية:
أولا: الانخفاض الكبير في مؤشرات أسواق المال العالمية في أوروبا وأمريكا والصين واليابان وغيرها من البلدان، فتصاعد الحرب التجارية عزز من موجة التشاؤم التي ترى أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سيشهد هبوطا ملحوظا هذا العام؛ إذ كان صندوق النقد الدولي أصدر في شهر أبريل/نيسان توقعاته للنمو العالمي ليخفضها إلى 3.3%، بعد أن توقع في وقت سابق معدل نمو 3.5%، وبالطبع فعودة الخلافات التجارية وتصاعد التهديدات المتبادلة تعمل على خفض مستوى التجارة وتعمل على عدم استقرار سلاسل الإمداد لإنتاج السلع والتي تسهم فيها الكثير من البلدان حول العالم، سواء كان من البلدان المتقدمة أم النامية، وانخفاض مستوى النمو يعني بالطبع انخفاض مستوى إنتاج الشركات ومن ثم مستوى إيراداتها وأرباحها، مما يؤدي إلى ضعف الإقبال على أسهم الشركات وانخفاض مؤشرات أسواق المال العالمية.
ثانيا: مع التشاؤم بشأن النمو الاقتصادي العالمي تتزايد بالطبع احتمالات انخفاض الطلب على بعض السلع الأساسية وعلى رأسها النفط، وهو ما تسبب في انخفاض فوري في أسعار برميل النفط من نوع برنت بمستوى فاق 2% يوم الثلاثاء الماضي، هذا إلى جانب ما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعها زيادة الإنتاج الأمريكي خلال العام الجاري إلى نحو 12.4 مليون برميل يوميا في المتوسط، وهو ما يزيد عن توقعات سابقة لها، ويسهم في زيادة العرض، وما عزز من الميل نحو انخفاض الأسعار ما ذكرته أيضا إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعها انخفاض معدل نمو الطلب العالمي على النفط في العام الجاري إلى نحو 1.38 مليون برميل يوميا، بعد أن كانت معدلات الأعوام القليلة الماضية تتجاوز 1.6 مليون برميل يوميا، ناهيك أن هذه التقديرات تزيد على تقديرات أخرى مثل تقديرات منظمة الأوبك التي تضع معدل نمو الطلب العالمي هذا العام عند نحو 1.2 مليون برميل يوميا.
ورغم عودة أسعار النفط للارتفاع نسبيا في اليوم التالي فقد حدث ذلك نتيجة الخشية من حدوث نقص في العرض مع تشديد العقوبات الأمريكية ضد إيران وفنزويلا، إلى جانب انخفاض المخزون التجاري الأمريكي من النفط الخام بشكل مفاجئ بنحو 4 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي يوم 2 مايو/أيار، مع ذلك تظل التهديدات الناجمة عن تصعيد حرب التجارة سيفا مسلطا على رقبة أسعار النفط، أو في الحد الأدنى تشكل عاملا معادلا للخوف من نقص المعروض الذي يخيم على الأسواق.
ثالثا: كان من الملحوظ أيضا الارتفاع في أسعار الذهب وأسعار صرف الين الياباني، مع زيادة الإقبال عليهما باعتبارهما من الأصول الآمنة أو الملاذات الآمنة في أوقات الارتباك وعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
وتبقى توجهات الاقتصاد العالمي معلقة بنتائج المباحثات التي ستشهدها العاصمة الأمريكية يومي الخميس والجمعة، فإما إلى انفراج وبث الثقة في جنبات هذا الاقتصاد، وإما إلى تصاعد الحرب التجارية بما قد يترتب عليها من تأزم موقف الاقتصاد العالمي.
ويراهن الجميع في أمل على أنه في مثل هذه المواقف ستقود الحكمة أكبر اقتصادين في العالم إلى التفاهم، من أجل خيرهما المشترك وخير بقية العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة