من التوقعات الأخيرة المؤثرة على معدل الطلب على النفط أيضا ما يتردد بشأن احتمالات انخفاض النمو في بلدان منطقة اليورو
عقدت لجنة المراقبة الوزارية لاتفاق أوبك+ وأعضاء آخرون من خارج اللجنة اجتماعا بمدينة جدة يوم الأحد الماضي 19 مايو/أيار، وتشمل أهداف اجتماعات اللجنة مناقشة أوضاع أسواق النفط العالمية، ومتابعة نتائج قرارات اللجنة في الاجتماعات السابقة، ومعرفة مدى التزام دول أوبك وحلفائها بقرار خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا منذ شهر يناير الماضي، وأخيرا وهو الهدف الأهم الخروج بتوصيات قبل اجتماع دول أوبك+ في 25 و26 يونيو/حزيران المقبل، وربما حتى الأسبوع الأول من يوليو/تموز، حيث يقول البعض إن الاجتماع قد يؤجل لعدة أيام.
إن إحجام لجنة مراقبة الإنتاج عن الخروج من اجتماعها بتوصيات موقف حكيم؛ إذ ينبغي الانتظار حتى موعد اجتماع يونيو المقبل لكي يمكن التثبت أولا من مقدار الانخفاض في إنتاج بعض البلدان مثل إيران وفنزويلا (وليبيا إن حدث)، وما سيترتب عليه من انخفاض في مستوى العرض
لكن الملاحظ على الاجتماع الأخير هو الإحجام عن الخروج بتوصيات محددة، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حالة من التكهناك في وسائل الإعلام ما بين مؤكد أن بلدان الاتفاق تميل إلى رفع مستوى الإنتاج خلال الاجتماع المقبل، وما بين مؤكد استمرار التمسك بالخفض المحدد للإنتاج حتى نهاية العام الجاري.
والواقع أن الإحجام عن الخروج بتوصيات محددة ربما يرجع إلى عدد من الظروف والتطورات التي شهدتها أو قد تشهدها أسواق النفط العالمية، وهو ما أملى الانتظار؛ لأن حالة السوق ما زالت غير مستقرة ما بين عوامل قد تدفع نحو انخفاض كبير في العرض وعوامل أخرى قد تدفع نحو انخفاض كبير في الطلب، وهو ما يجعل التوقع الدقيق لاتجاه السوق في المستقبل القريب أمرا غاية في الصعوبة.
ومن بين أهم العوامل التي ربما تدفع نحو حدوث انخفاض كبير في العرض كمية الإنتاج والصادرات المتوقعة من بعض بلدان الأوبك، وعلى رأسها إيران وفنزويلا إلى جانب بلدان أخرى مثل ليبيا.
فالتوقع السائد الآن هو احتمال انخفاض الصادرات الإيرانية تحت ضغط العقوبات الأمريكية إلى مستوى يبلغ نحو نصف مليون برميل يوميا، أو أقل قليلا، وهو ما يبلغ نحو خُمس الصادرات الإيرانية منذ عام مضى.
ومن ثم فالصادرات الإيرانية لم تبلغ حتى الآن مستوى الصفر -ويراهن البعض على أنها لن تبلغ أبدا- من الصادرات كما تهدف لذلك العقوبات الأمريكية.
ومن المنتظر أيضا انخفاض الصادرات الفنزويلية تحت ضغط العقوبات الأمريكية أيضا، وإن كان الضغط الرئيسي هو عدم القدرة على زيادة مستوى الإنتاج في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في البلاد، وتثار أيضا شكوك في قدرة ليبيا على الاحتفاظ بمستويات إنتاج مرتفعة في ظل الأوضاع التي تمر بها، إلى حد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط أنه يمكن فقدان 90% من الإنتاج الحالي في حال تدهور الأوضاع أكثر وامتدادها لقطاع النفط.
لكن يوازن من هذه الانخفاضات المحتملة ارتفاع الإنتاج في مناطق أخرى، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث ارتفع متوسط الإنتاج خلال الأسابيع الأخيرة إلى نحو 12.3 مليون برميل يوميا، ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى ارتفاع المخزون التجاري من النفط الخام ليبلغ 476.8 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يزيد بمقدار 38.6 مليون برميل عن مستوى هذا المخزون في نفس هذا الوقت من العام الماضي، وربما الأكثر أهمية هو تخطي هذا المخزون متوسطه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بمقدار 4%، ومن المعروف أن أطراف اتفاق أوبك+ يتبنون معيار استقرار السوق المستند إلى أن تكون مستوى المخزونات التجارية لدى الدول المستهلكة عند متوسطها المسجل خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ارتفاع مستوى المخزون إذ يشير إلى عدم وجود أزمة في الإمدادات حتى وقتنا الراهن.
على الجانب الآخر، نجد أن هناك عوامل قد تدفع نحو انخفاض الطلب، ويأتي على رأس هذه العوامل بالطبع التهديد الذي تمثله تصاعد حرب التجارة بين الصين والولايات المتحدة بتخفيض مستوى النمو الاقتصادي العالمي، ولا يقتصر هذا التهديد على البلدين اللذين يعدان أكبر اقتصادين في العالم وأكبر مستهلكين للنفط، بل يمتد للعديد من الأقطار الأخرى، ووفقا لتوقعات أخيرة لمنظمة التعاون الاقتصادي فمن المنتظر انخفاض معدل النمو العالمي إلى 3.2% هذا العام، دون الأخذ في الاعتبار أي تصعيد جديد محتمل في حرب التجارة، بعد أن كان التوقع في مارس الماضي هو معدل نمو 3.3%، وبعد أن كان التوقع خلال الخريف الماضي هو 3.5%.
ومن التوقعات الأخيرة المؤثرة على معدل الطلب على النفط أيضا ما يتردد بشأن احتمالات انخفاض النمو في بلدان منطقة اليورو، وكذا تدهور الأوضاع الاقتصادية في بعض الأسواق الناشئة، خاصة في تركيا والأرجنتين.
وتظل الاستراتيجية المثلى في مثل هذه الأوضاع هي تمسك أطراف اتفاق أوبك+ بهدف استقرار السوق، وإبداء الاستعداد لتغطية أي طلب ينشأ بالفعل في الأسواق، وليس التطوع مسبقا بالتوصية بزيادة الإنتاج دون أن يقابلها طلب حقيقي مما يعمل على انهيار الأسعار مثلما حدث خلال الشهرين ونصف الأخيرين من العام الماضي، وهو ما دفع نحو عودة بلدان أوبك+ لتبني خطة بخفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا.
إن إحجام لجنة مراقبة الإنتاج عن الخروج من اجتماعها بتوصيات موقف حكيم؛ إذ ينبغي الانتظار حتى موعد اجتماع يونيو المقبل لكي يمكن التثبت أولا من مقدار الانخفاض في إنتاج بعض البلدان مثل إيران وفنزويلا (وليبيا إن حدث)، وما سيترتب عليه من انخفاض في مستوى العرض، وكذلك التثبت مما سيحدث على جبهة حرب التجارة بين بكين وواشنطن، وما قد ينجم عنه من انخفاض في الطلب على النفط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة