جسر نارفا «المحطم».. نقطة ضعف «الناتو» وبوابة الحرب العالمية
مدينة نارفا يلتقي عندها عالمان متصارعان، ويتمزق شعبها بين ثقافتين، ويقطعها جسر لا يمد أواصر الود، بل قد تكون نقطة الاشتعال.
إذ قد يكون الجسر الحدودي المغطى بالثلوج بين حصنين يعودان إلى القرون الوسطى في زاوية ناطقة بالروسية في إستونيا، هو المكان الذي قد تبدأ فيه الحرب العالمية الثالثة.
وكانت مدينة نارفا، المحشورة على طول حدود إستونيا مع روسيا، في قلب الجهود المبذولة لمقاومة ما تدعي البلاد أنها "استفزازات" شبه مستمرة من موسكو، من التشويش على الملاحة عبر الأقمار الصناعية، إلى عوامات ترسيم الحدود والدعاية الصاخبة وطائرات المراقبة بدون طيار والمناطيد التي تطير على شكل حرف ”Z“، رمز القوات المسلحة الروسية.
وقال إيغرت بيليتسيف، المدير العام لمجلس الشرطة وحرس الحدود في إستونيا، بعد ظهر يوم ثلجي في ديسمبر/كانون الأول في نارفا: ”نحن لا ننوي بدء حرب عالمية ثالثة، ولكننا نرى محاولات مستمرة لاستفزازنا للقيام بشيء سيكون له تأثير أكبر“.
فحوالي ربع سكان إستونيا البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة هم من أصل روسي. ويحمل معظمهم الجنسية الإستونية وغالبيتهم يشعرون بروابط وثيقة مع إستونيا، لكن الكرملين، وفق مجلة بوليتيكو الأمريكية، هو "سيد استغلال الاختلافات العرقية لادعاء دور خاص في حماية الشتات الروسي".
مصدر الخوف
والقلق الأساسي في إستونيا هو أن "الكرملين يمكن أن يلعب بالورقة نفسها التي لعبها في أوكرانيا ويحاول الاستيلاء على شرق إستونيا، الذي يضم عددا كبيرا من السكان من أصل روسي"، ومن ثم يتجرأ حلف شمال الأطلسي "الناتو" على شن حرب عالمية ردًا على ذلك.
ومن شأن الفشل في الرد أن يُظهر أن بند الدفاع المشترك في المادة 5 لـ"الناتو" الخاصة بالدفاع المشترك، لا معنى له.
حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشار في عام 2022، بعد فترة ليست طويلة من شن موسكو هجومها على أوكرانيا، إلى أن نارفا هي تاريخيًا جزء من روسيا.
نارفا، ثالث أكبر مدينة في إستونيا، أقرب إلى سانت بطرسبرغ منها إلى تالين. ومن بين سكانها البالغ عددهم حوالي 56,000 نسمة، يتحدث 96 في المائة منهم اللغة الروسية ويحمل ثلثهم جواز سفر روسي.
ويصف بيليتسيف، وهو مسؤول أمني من أصل إستوني، المدينة بأنها ”نهاية العالم الحر“، ولا يعتقد أن حلفاء إستونيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مستعدون لما قد يحدث هنا.
وهناك حوالي 900 جندي بريطاني منتشرين في البلاد كجزء من قوة متعددة الجنسيات تابعة لحلف "الناتو" في قاعدة تابا الجوية غرب تالين، كما أن لفرنسا قوات هناك.
في المقابل، أنشأ "الناتو" مجموعات قتالية في معظم الدول الأعضاء الشرقية، ويخطط لتوسيع تلك المجموعات في لاتفيا وليتوانيا. ولم يقدم هذا الالتزام في إستونيا بسبب النقص في الجيش البريطاني الذي لا يتوفر لديه سوى لواءين مدرعين فقط.
إذا وجهت روسيا ضربة، فمن غير المرجح أن يكون لدى قوة حلف شمال الأطلسي في تابا، التي تكملها قوات إستونية يبلغ عددها 7700 جندي (سترتفع إلى 43000 جندي في حالة الحرب)، قوة نارية كافية لصد الهجوم.
والأكثر من ذلك، ركزت الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد بلجيكي على كيفية إجلاء الرعايا من المدينة في حال الحرب، متجاهلةً مناقشة كيفية إرسال قوات بسرعة للدفاع عن دول البلطيق، حسبما قال بيليتسيف.
وقال بيليتسيف عن حلفاء بلاده: ”أعتقد أن الوعي لم يكن موجودًا بالقدر الذي نمتلكه نحن.. لم يكن موجودًا في عام 2008 [عندما غزت روسيا جورجيا]، ولم يكن موجودًا في عام 2014 [عندما تم ضم شبه جزيرة القرم] وليس موجودًا الآن... الناس لا يفهمون الوضع الفعلي“.
العيون على روسيا
بالنسبة لتالين فإن مسألة ما يجب القيام به حيال جارتها الكبيرة في الشرق مسألة وجودية.
فأصغر دولة في البلطيق تنفق بالفعل 3.4 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وتخطط لرفع هذه النسبة إلى 3.7 في المئة العام المقبل، متقدّمةً بذلك على دول الاتحاد الأوروبي الأكبر حجماً.
والخوف في تالين هو ما سيحدث بعد تسوية الحرب في أوكرانيا، وإذا ما استغلت روسيا أي توقف في القتال ضد كييف، لمهاجمة دولة ضعيفة في حلف "الناتو".
هذا التهديد يجعل ضبط الأمن على الحدود أكثر أهمية، وفق بوليتيكو.
وفي هذا الإطار، قال وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور: ”عندما يحدث الغزو يكون قد فات الأوان بالفعل“، مضيفا: ”نحن بحاجة إلى النظر في نظام الإنذار المبكر، وأن نكون واضحين مسبقًا أنه إذا جاء أول شخص عبر الحدود، فسوف نرد على الفور“.
ولدى إستونيا تجربة طويلة ومريرة لكونها مستعمرة روسية. فهي لم تسترد استقلالها إلا في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنذ ذلك الحين سارعت إلى توثيق الروابط مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وجرى تسليط الضوء على الخطر الذي تشكله موسكو في عام 2014، عندما اختطفت روسيا ضابط أجهزة الأمن إستون كوهفر وسجنته؛ وأُطلق سراحه بعد عام في عملية تبادل للأسرى.
تعزيز الدفاع
لمواجهة التهديد، يهدف برنامج بقيمة 157 مليون يورو إلى تعزيز حماية الحدود في نارفا.
وقال بيليتسيف، إن إستونيا تقوم ببناء ما يسميه ”جدار الطائرات بدون طيار“ الذي يستخدم أنظمة رقمية لمنع الطائرات بدون طيار المعادية.
وتتمثل الخطة أيضًا في تجنيد احتياطي من الشرطة قوامه 1000 فرد أمن على مستوى البلاد في حالة وقوع حدث كبير، بالإضافة إلى 29 ألف متطوع يتدربون بالفعل كجزء من رابطة الدفاع الإستونية.
aXA6IDUyLjE0LjE3Ni4xMTEg جزيرة ام اند امز