قتال "تيغراي" بإثيوبيا.. بوصلة الحسم تتأرجح بين السياسي والعسكري
بعد هدنة ٥ أشهر، تجدد القتال بين الحكومة الإثيوبية، وجبهة تحرير تيغراي، في 24 أغسطس/آب مع تبادل الطرفين الاتهامات بإشعال المواجهات.
وتدور معارك عنيفة وشرسة بين القوات الحكومية وجبهة تحرير تيغراي، على جبهات عدة، وسط امتناع تام من الحكومة الإثيوبية عن إصدار أي معلومات حول ما يجري من قتال.
وباتت العودة إلى طاولة المفاوضات شبه مستحيلة في الوقت الحالي، رغم الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي لوقف الحرب والجلوس للتفاوض.
ويعكس تفجر الصراع من جديد، في شمال إثيوبيا مدى هشاشة الوضع على الأرض، وغياب الثقة، إذ انهارت الهدنة قبل أن تحقق أي هدف غير وقف إطلاق النار المؤقت.
وعلى الرغم من شح المعلومات عن ما يدور بجبهات القتال، إلا أن عدة تقارير محلية تشير إلى مواجهات شرسة بين طرفي الصراع يحاول فيها كلا الطرفين حسم المعركة لصالحه، غير أن الموقف الميداني يبدو أنه يصب في صالح الحكومة الفيدرالية.
وتتقدم القوات الحكومية الإثيوبية منذ مارس/آذار 2021 نحو إقليم تيغراي من عدة جبهات، واضعة مقاتلي جبهة تحرير تيغراي في كماشة ميدانية.
ويرى مراقبون محليون أن الحكومة الإثيوبية حسمت أمرها بشأن القتال الدائر مع جبهة تحرير تيغراي عسكريا، مع الإبقاء على الحوار والتفاوض مفتوحا على الأقل للتخفيف من الضغط الدولي.
ووفقا لخبراء ومحللين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" حول تطورات الشأن الإثيوبي والحرب التي تصاعدت مؤخرا، فإن السيناريوهات المتوقعة للحرب الدائرة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي التي يصنفها البرلمان الإثيوبي "إرهابية"، تؤول إلى سيناريو الحل العسكري، مع فرص ضئيلة جدا لخيار الحل السياسي.
الحل العسكري
ويرى سلمون غودي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي في جامعة "جيغجغا" بإقليم الصومال الإثيوبي، أن الصراع الراهن مع جبهة تحرير تيغراي يمكن حله بشكل أساسي وغير قابل للنقاش، عبر نزع سلاح الجبهة وتسريح مقاتليها باعتبارهما العنصرين الأساسيين الذين يمثلان مصدر قوة الجبهة والتهديد الرئيسي للحكومة الإثيوبية.
ويضيف غودين في حديث لـ"العين الإخبارية"، يجب أن يكون هناك جيش وطني واحد وفقا للدستور الإثيوبي، وبالتالي فإن السلاح الذي يحتفظ به مقاتلو الجبهة، يعتبر خروجا عن القانون، وهو أمر يجب أن يحسم أولا ليفضي ذلك إلى عملية حوار سلمية تحل خلالها كل القضايا الخلافية مع الجبهة.
وتابع أن جبهة تحرير تيغراي تبحث من خلال الجولة الثالثة للحرب ضد الحكومة الإثيوبية، عن تموضع استراتيجي عبر السيطرة على عدة مواقع بالأقاليم المجاورة لتيغراي، وخاصة في المنطقة الغربية وصولا إلى الحدود الدولية مع السودان، لتقوية موقفها التفاوضي وفرض شروطها على الحكومة.
غودين يقول أيضا، إن استراتيجية الجبهة تم إفشالها بسبب التجهيزات الدفاعية الضخمة التي أعدتها الحكومة الإثيوبية، وخاصة على المنطقة الغربية التي تقع على الحدود مع السودان.
ووفق غودين، فإن إعلان جبهة تحرير تيغراي مؤخرا، استعدادها لوقف فوري للحرب والجلوس على طاولة التفاوض، يرجع إلى تفوق كفة الجيش الإثيوبي في المعارك ومحاصرته الجبهة داخل الإقليم.
وقال أستاذ العلوم السياسية، إن "الوضع الحالي يستوجب نزع سلاح جبهة تحرير تيغراي وتسريح مقاتليها ونشر قوات الجيش الإثيوبي بطريقة تسمح لهم بالسيطرة على كامل مناطق البلاد، كخطوة أولى تؤكد مصداقية الجبهة في إنهاء الصراع سلميا".
وأضاف أنه "ما لم تكن هناك هزيمة لجبهة تحرير تيغراي خلال الأيام المقبلة، فإن موازين اللعبة قد تتغير نظرا للتحرك الدولي الذي يسعى لوقف الحرب وإجبار الأطراف على الجلوس للتفاوض".
لكن غودين يؤكد أنه "ما لم تتم عملية نزع سلاح جبهة تحرير تيغراي، فإن فرص نجاح المفاوضات ستكون ضعيفًة جدا".
الحل السياسي
ويعتمد سيناريو الحل السياسي، وفق مراقبين، على وصول أطراف الصراع إلى تسوية سياسية مرضية، تشكل مدخلاً لعقد اجتماعي وسياسي جديد مؤسَّس على مصالحة شاملة في إطار الحوار السياسي المرتقب لمكونات الشعب الإثيوبي، والذي لا يزال متوقفا بسبب الحرب.
ويقول أبيبي يرغا، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في معهد مياه النيل الأزرق التابع لجامعة "بحر دار" بإقليم أمهرة، إن الأوضاع التي وصلت إليها الأمور بين جبهة "تيغراي" والحكومة الإثيوبية بعد شن الأولى لجولة ثالثة من الحرب، تستدعي موقفا حاسما من الحكومة الإثيوبية باعتبارها مسؤولة عن أمن وسيادة البلاد.
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الموقف الراهن يستوجب فرض سيادة الدولة الإثيوبية ومنع التدخلات الخارجية المبطنة بورقة المفاوضات لفرض أجندات خارجية.
وتابع "جبهة تحرير تيغراي ظلت تمتنع عن التفاوض طيلة الفترة الماضية وفجأة بعد تيقنها من التفوق العسكري للجيش الإثيوبي، تحاول كسب الوقت بورقة وقف العدائيات والجلوس للتفاوض".
ووفقا لـ"يرغا"، فإن "الصراع الحالي دخلت فيه أطراف خارجية (لم يوضحهم) وجدت ميدانا مناسبا لتصفية خصومها"، وقال إن "عددا من الدول التي لها مصالح مختلفة في إثيوبيا، آخذ في الازدياد، ويجب حسم هذا الصراع في أسرع وقت لمنع هذه التدخلات وتعقيداتها للمشكل الإثيوبي".
موقف "تيغراي"
بدورها، أعلنت جبهة تحرير تيغراي، الأحد الماضي، استعدادها للانخراط في محادثات سلام مع الحكومة الإثيوبية يقودها الاتحاد الأفريقي.
وجاء الإعلان في خضم جهود دبلوماسية دولية تٌبذل منذ تجدد المعارك الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أشهر، في تطوّر نسف هدنة إنسانية في شمال إثيوبيا.
وتؤكد جبهة تحرير تيغراي أنها لا تزال منفتحة على إجراء مفاوضات مع الحكومة الإثيوبية، وتطالب باستعادة الخدمات الأساسية من كهرباء وبنوك واتصالات، لكنّها في الوقت نفسه، تقول إنها عازمة على مواصلة القتال ضد قوات الجيش الإثيوبي.
فيما يمثل امتلاك جبهة تيغراي لمئات الآلاف من المقاتلين المدربين وأسلحة ثقيلة استولت عليها خلال الجولة السابقة من القتال، فضلا عن تخزينها كميات ضخمة من الأسلحة في الإقليم إبان فترة سيطرتها على الحكم بإثيوبيا، عقبات كبرى أمام إجراء مفاوضات مع الحكومة.
وكانت قوات الجبهة شنت هجوما واسع النطاق على الجبهة الجنوبية عبر إقليمي أمهرة والعفر، وحققت بعض التقدم بعد سيطرتها على بلدة "قبو" شمال شرقي أمهرة وتقدمت جنوبا نحو مدينة والديا.
كما شنت هجوما متزامنا أيضا، على الجبهة الغربية نحو مدينة الحُمرا الواقعة غربي البلاد، وبالتحديد على المثلث الحدودي بين إثيوبيا والسودان وإريتريا، في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري.
وتتهم جبهة تحرير تيغراي، الحكومة الإثيوبية بشن هجوم واسع برا وجوا عبر طائرات مسيرة، قالت إنها استهدفت مدنيين بمدينة مقلي عاصمة الإقليم وأسفرت عن مقتل ضحايا وخسائر في البنية التحتية.
وفي ظل تسارع وتيرة الأحداث الميدانية على مختلف جبهات القتال، والتي تشير إلى تقدم قوات الحكومة الإثيوبية نحو عاصمة إقليم تيغراي، مقلي، وفق الأنباء الواردة، يبرز تساؤل حول مدى قدرة الجهود الإقليمية والدولية في تسوية الأزمة بين طرفي النزاع وجمعهما على طاولة تفاوض واحدة.
كما تزايدت خلال هذه الأيام، مطالب مسؤولين حكوميين بنزع سلاح جبهة تحرير تيغراي وتسريح مقاتليها أولا ثم حلحلة قضايا إقليم تيغراي، ضمن الحوار الوطني الشامل لمختلف مكونات الشعب الإثيوبي، فيما تتمسك الجبهة بعدم المساس بسلاحها واعتبار مقاتليها خطا أحمر.