حكاية إثيوبية ملهمة.. أدمن ابنها المخدرات فانتشلت مجتمعها من القاع
بات إدمان المخدرات من الموضوعات الاجتماعية التي تقلق الأسر وتهدد المجتمع بعد أن ولج عدد من الشباب في إثيوبيا إلى هذا القاع المظلم.
"تحتاج هذه القضية إلى مزيد من تسليط الضوء عليها والعمل على إنقاذ آلاف الأشخاص ممن ضلوا طريقهم بسبب تعاطي المخدرات".
بهذه العبارات افتتحت يرغدو هبتو حديثها عن قصة نجاحها في انتشال ابنها من قاع الإدمان إلى حياة مليئة بالكفاح حتى صار نموذجاً.
يرغدو هبتو أم لشاب كان يتعاطى المخدرات ونجحت في انتشاله خلال رحلة طويلة من الكفاح والصبر والعزيمة.
وقالت هبتو لـ"العين الإخبارية": "أنا أم لأربعة أبناء، وفي حالة لا أعرفها ولم أتوقّعها وقع أحد أبنائي فريسة للمخدرات وأصبح مدمناً".
سرحت الأم لبرهة وهي تسترجع تلك الأيام التي صُدِمت فيها، قائلة: "كانت الأمور صعبة جداً لأنني أعرف بأن الإقلاع عن الإدمان صعب ويحتاج إلى إرادة وعزيمة وقلت لنفسي (ابتليت) وكان أصعب امتحان في حياتي".
وأضافت: "ازداد إصراري وعزيمتي عندما جاء ابني وطلب مني المساعدة وأبدى رغبته في الإقلاع عن الإدمان ووقتها كنت أعمل في مستشفى (قدوس باولوس) الحكومي".
وتابعت: "على الفور رتبت له دخول مركز العلاج في المستشفى وبدأ في تلقي العلاج وبتوفيق من الله وعزيمة ابني استطاع الخروج من الأزمة بشكل كامل.. عاد إلى دراسته الجامعية وأكملها بتفوق ثم تزوّج وهو الآن أب لطفلين".
وتحدّثت هبتو بشيء من الفخر والاعتزاز لنجاحها في انتشال ابنها وتحويله إلى رجل ناضج وفاعل حتى أصبح رب أسرة وأباً لطفلين، وقالت: "يغمرني شعور بالسعادة لأن ابني أقلع عن الإدمان ورحلة علاجه مكنتني من أن أصبح ممرضة نموذجية على مستوى إثيوبيا، حيث منحتني وزارة الصحة جائزة (أفضل ممرضة)".
سكري وسرطان وكورونا
هبتو، الممرضة النموذجية الناجحة، تحدت كل الصعاب والعقبات ولم تلتفت حتى لما تعاني منه من أمراض فهي مريضة سكري وأصيبت بسرطان الثدي وتتابع علاجها بعد أن تمَّ استئصال ثديها، وحتى فيروس كورونا هو الآخر لم يتورع عن إصابتها وتعافت منه، مؤكدة حبها لعملها ومواصلة طريقها في خدمة الإنسانية، وفق تعبيرها.
وأوضحت هبتو، التي أسست مركز "أديس هيوت" لإعادة تأهيل مدمني المخدرات في أديس أبابا: "بعد أن تعرّفت عن قرب على مدى خطورة تناول المخدرات ومستوى انتشارها قررت إنشاء هذا المركز"، مشيرة إلى أنها عملت لأكثر من 37 عاماً كممرضة ومتخصصة كطبيب نفسي.
وتابعت: "تمَّ إنشاء هذا المركز قبل 3 سنوات معتمدة على مستشفى (قدوس باولوس) الذي يمثل العمود الفقري لتحقيق أحلامي على أرض الواقع، ومساهمات بعض الأفراد بشيء من مرتباتهم الشهرية في دعم المركز".
الإدمان في إثيوبيا
ولفتت إلى أنَّ غالبية مَن يتردد على مراكز علاج الإدمان في إثيوبيا في المراحل العمرية من 13 حتى 50 عاماً، موضحة: "هذا يعني أن الإدمان ضرب المجتمع بكل فئاته وطبقاته".
وركّزت في حديثها على نصائحها للمدمنين وأسرهم، فقالت إنَّ أي مدمن لا يمكن أن يقلع عن إدمانه دون إرادته وعزيمته ومساعدة الآخرين خصوصاً أنَّ المدمنين يرون أنهم في أفضل حياة وسعداء بوضعهم ولا حاجة لهم بالآخرين.
وضع المركز بسيط ومتواضع مقارنة بتزايد عدد الراغبين للعلاج فيه في ظل إمكانات محدودة بالرغم من الجهود المبذولة للتغلب على التحديات، تقول هبتو مناشدة المجتمع للمساهمة في دعمه.
وحول مركز "أديس هيوت" لإعادة تأهيل مدمني المخدرات بأديس أبابا، قالت هبتو إنَّ المركز يقدِّم خدمات مختلفة تستمر شهرين لكل مَن يطلب خدمة الإقلاع عن الإدمان وهي الفترة المحددة لعلاج المدمنين داخل المركز دون الخروج منه.
وأضافت أنَّ المركز ساعد 260 رجلاً و390 امرأة للإقلاع عن الإدمان، مشيرة إلى أنَّ المركز ينظِّم دورات تدريبية متنوعة نظرياً وعملياً بالإضافة إلى ممارسات رياضية جماعية وانفرادية.
وتطرّقت إلى أنواع المخدرات التي أدت إلى انتشار الإدمان في إثيوبيا، موضحة أن القات والترامادول والهيروين من أكثر أنواع المخدرات انتشاراً وسط المدمنين.
واعتبرت أن أكبر تحد في مجال مكافحة الإدمان هو الحصول على رغبة المدمنين لتغيير أنفسهم، وقالت إن مَن يصل إلى مرحلة الإدمان ينجذب إليها بطريقة سلسة ويصعب الخروج منها.
ولفتت إلى أنَّ مركزها يشهد دوماً حكايات وقصص الأمهات اللاتي يبحثن عن علاج لأبنائهم، وقالت إنَّ كثيراً من الأمهات يبكين هنا لأن أبنائهن أصبحوا تحت قبضة الإدمان.
وذكرت أنَّ المدمن لا يبالي لدينه وثقافته ومجتمعه ولا لأسرته وكثير من الحوادث والمشكلات الاجتماعية التي نشاهدها في البلاد سببها الإدمان.
دور الأسرة
وأرجعت انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان إلى تراجع دور الأسرة في الإرشاد، وقالت: "نجد بين المدمنين أطفال في عمر الـ 13 يبحثون عن سبل للإقلاع عن الإدمان وهذا دليل على غياب أو إهمال الأسرة له".
وشددت على أن تربية الأولاد أمر مهم ويحتاج إلى وعي، فبعض الأسرة تبالغ في مراقبة الأولاد والأخرى تتهاون والبعض الآخر يضع في يد الأطفال أموالاً طائلة.
ودعت الجهات المعنية مثل المؤسسات الدينية والمجتمعية للمشاركة في إنقاذ وحماية الأجيال من الوقوع في الإدمان عبر نشر الوعي بخطورته.
وفي داخل مركز "أديس هيوت" لإعادة تأهيل مدمني المخدرات بأديس أبابا، التقت "العين الإخبارية" أحد متلقي العلاج بالمركز، وقال إن المركز غيّر نمط تفكيري للحياة وأصبحت أشعر بتحسن كبير بالرغم من أني لم أمكث فيه حتى الآن سوى شهر واحد.
وأوضح أنه تورط في عالم المخدرات بسبب أصدقائه بالجامعة، و"دون إدراك وجدت نفسي مدمناً وتركت الدراسة وتغيرت حالتي".
وفي رسالة إنسانية بعث بها إلى الشباب، قال: "أنصح الشباب بألا يجربوا تعاطي أي من المخدرات.. الدخول في هذه الظلمة يكلف صاحبه حياته كلها ويرهق الأسرة والأقرباء والأصدقاء وحتى الأطباء ويجعل منك عبئاً على الآخرين".
aXA6IDE4LjExOC4zMC4xMzcg جزيرة ام اند امز