انتخابات تجراي بإثيوبيا.. بين فرض الواقع وسيادة القانون
تشهد الساحة السياسة الإثيوبية حالة من التوتر والاحتقان على وقع انتخابات أجرتها حكومة إقليم تجراي شمالي إثيوبيا بشكل منفرد.
تشهد الساحة السياسة الإثيوبية حالة من التوتر والاحتقان على وقع انتخابات أجرتها حكومة إقليم تجراي شمالي إثيوبيا بشكل منفرد، الخميس، وصفتها السلطات المركزية في أديس أبابا بأنها "غير شرعية" ولن تجد اعترافا منها.
ويأتي مسلسل التصعيد ما بين جبهة تحرير تجراي الحاكمة في الإقليم، والتي قادت المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة (1991- 2018) من جهة والحكومة الفيدرالية بزعامة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ضمن خلاف بدأ منذ مجيء الأخير رئيسا للحكومة، حيث رأت الجبهة أن خططه الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها.
تعمقت خلافات الجانبين بعد المصالحة مع إريتريا، حيث تعتبر جبهة تحرير تجراي الرئيس الإريتري أسياس أفورقي عدوها اللدود، ما زاد من الجفوة بين الجبهة وآبي أحمد، فأصبحت جبهة تجراي من أشد وأبرز المعارضين له.
انتخابات تجراي عدها مراقبون تحديا صارخا وسابقة في تاريخ البلاد، حيث لم يحدث أن أجرى أحد الأقاليم انتخابات منفصلة عن الانتخابات العامة التي تجرى كل 5 أعوام، وأرجئت هذا العام بسبب جائحة كورونا.
وأجرت حكومة إقليم تجراي انتخابات إقليمية، الأربعاء، صوت فيها نحو 2.7 مليون ناخب لمجلس الإقليم تقدمهم قيادات الجبهة الحاكمة وزعيمها دبراصيون جبراميكائل، متفاخرين بأنه لا تراجع أبدا أمام أي شخص ينوي قمع حق منحه لهم الدستور بإجراء الانتخابات في موعدها.
اعتبرت أديس أبابا الانتخابات ليست ذات جدوى وقيمة، وقلل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من أهمية تأثير هذه الانتخابات على حكومته أو مستقبل البلاد.
وقال في مقابلة مع التلفزيون الإثيوبي الحكومي: "ما تم من انتخابات في إقليم تجراي أشبه بأولئك الذين يبنون أكواخا في الظلام وهم سكان غير قانونيين"، مشيرا إلى أن "أي عمل يتم في الظلام والخفاء يظل صاحبه قلقا لأنه يتم بطريقة غير شرعية".
وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي أن "هذه الانتخابات لا تشكل له مصدر قلق ومشكلة كبيرة للحكومة الفيدرالية، لأن نتائجها غير معترف بها".
وشدد آبي أحمد على أنه في حال عدم مشاركة جبهة تحرير تجراي بالانتخابات الوطنية العامة فلن يكون لها اعتراف كحكومة بالإقليم، وسيترتب عليها اتخاذ إجراءات تفرض سيادة النظام الدستوري.
وفي مشهد نادر، اعتبر رسالة وجهها آبي أحمد للساعين إلى تأزيم الوضع الدستوري وهيبة الحكومة الفيدرالية، استعرض قوات من الحرس الجمهوري الإثيوبي في عروض عسكرية وقتالية محترفة اليوم الخميس، على هامش افتتاح مشروع منتزه "شغر بارك" لتجميل العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور رئيسة إثيوبيا سهلى ورق زودي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وكبار المسؤولين الإثيوبيين.
ويرى المحامي والخبير القانوني الإثيوبي وبشت مولات بأن انتخابات إقليم تجراي تمت خارج إطار الدستور ومكايدة لتأزيم الوضع الدستوري.
وقال "مولات" في حديث لـ"العين الإخبارية" إن جبهة تحرير تجراي نجحت في تنفيذ مقصدها الذي تهدف منه إحراج موقف رئيس الوزراء الإثيوبي من الانتخابات التي أجرتها والمخالفة للدستور، وجره لمواجهة عسكرية يكون الخاسر فيها الشعب.
وأضاف: جبهة تحرير تجراي تسعى إلى فرض سياسة الأمر الواقع من خطوتها، لضمان تأسيس حكومة لها في الإقليم لخمس سنوات مقبلة تمكنها من الضغط على الحكومة الفيدرالية، وإجبارها التفاوض معها للعودة للمركز في أديس أبابا.
وشدد "ملات" على ضرورة "عدم السماح للجبهة الحاكمة في الإقليم بفرض سياستها الرعناء، منبها إلى أن الوضع القائم في تجراي يستوجب اتخاذ إجراء من قبل الحكومة الفيدرالية تضمن سيادة القانون.
غير دستورية
بدوره أكد المستشار القانوني مولالينج ملسي على أنه وفقا للمادة 102 من الدستور الإثيوبي فإن المجلس الانتخابي الفيدرالي هو الوحيد المخول بإجراء الانتخابات الوطنية العامة في البلاد,
وأضاف "ملسي" في حديث لـ"العين الإخبارية" أن انتخابات تجراي التي أجريت الأربعاء تفتقر لكل الضمانات الدستورية لأنها تمت بطريقة تحدي فقط للحكومة الفيدرالية وليس كحق دستوري تنظمه المؤسسات الدستورية.
وأوضح أن الحكومات الإقليمية الوطنية لا تمتلك سلطة إجراء الانتخابات خارج سلطة مجلس الانتخابات الفيدرالي الذي أعلن عدم اعترافه بانتخابات تجراي في وقت مبكر.
وقال المستشار القانوني الإثيوبي: يتطلب الدستور إجراء أي انتخابات إقليمية موافقة مجلس الانتخابات الفيدرالي لضمان شرعيتها، باعتباره مؤسسة دستورية تمتلك سلطة إجراء جميع الانتخابات والاستفتاءات في جمهورية إثيوبيا.
وتابع: عدم الامتثال لهذا الأساس الدستوري من قبل إقليم تجراي يجعل انتخاباته غير دستورية.
واعتبر المستشار القانوني أن الانتخابات هي السمة المميزة للنظام السياسي، لذلك يجب إجراء الانتخابات على نحو يحترم أحكام الدستور، وأن أي انتخابات أو نشاط آخر غير ذلك، يعرض النظام الدستوري للخطر.
ولم يعترض أي إقليم آخر من أقاليم إثيوبيا العشرة التي تضم 10 حكومات ولايات على تأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا باستثناء، حكومة إقليم تجراي، التي قادت سابقا المشهد السياسي في إثيوبيا من خلال ائتلاف حكومي متعدد الأحزاب لـ27 عامًا.
وانتهت قيادة الجبهة فعليا بوصول آبي أحمد إلى سدة السلطة في أبريل/نيسان 2018، وتأسيسه تحالفاً جديداً بقيادة حزب الازدهار والذي أعلنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وترفض حكومة إقليم تجراي الالتزام بقرار تأجيل الانتخابات، معتبرة التأجيل محاولة من صاحب جائزة نوبل للسلام لإطالة قبضته على السلطة وتقليص الحكم الذاتي للأقاليم، وفق تصريحات لمسؤولي حكومة إقليم تجراي وعلى رأسهم، دبراصيون جبراميكائيل، حاكم الإقليم وزعيم الجبهة.
ويستبعد مراقبون محليون نشوب أي مواجهة عسكرية بين أديس أبابا وحكومة إقليم تجراي، وتوقعوا تدخل حكماء ووسطاء لإجراء حوار بين الإقليم والحكومة المركزية في أديس ابابا لحلحلة الخلافات بينهما.
لكن يبقى المحك الأخطر في حال رفض جبهة تحرير تجراي الحاكمة مشاركتها في الانتخابات البرلمانية الوطنية العامة المؤجلة، مما سيعرضها إلى مواجهة حتمية مع الحكومة الفيدرالية وفقدانها لأي تمثيل في مجلس نواب الشعب (البرلمان المركزي) ماسيخلق وضع مخالفا للدستور القائم في البلاد، وفقا لتصريحات سابقة، لرئيس الوزراء الإثيوبي،آبي احمد.
وصوت نحو 2.7 مليون ناخب في انتخابات تجراي بأكثر من 2672 مركز اقتراع بمختلف المدن والمناطق، وتستند حكومة الإقليم في تمسكها بإجراء الانتخابات إلى ما تقول إنها خطوة "يكفلها لها الدستور".
وسبق أن أرجأت الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا الانتخابات العامة في البلاد جراء تفشي وباء كورونا لكن حكومة إقليم تجراي رفضت القرار وواصلت الاستعداد لإجراء الاقتراع على نحو منفرد في سابقة هي الأولى في البلاد.
كان المجلس الفيدرالي قد صادق نهائيا على تأجيل إجراء الانتخابات في 10 يونيو/حزيران الماضي كما وافق على تمديد استمرار البرلمان الفيدرالي والحكومة الحالية وجميع المجالس الفيدرالية والإقليمية في تسيير العمل في ظل تفشي كورونا، على أن يتم إجراء الانتخابات في فترة لا تتجاوز ما بين 9 أشهر إلى عام من انقضاء التهديد.
وإقليم تجراي هو أحد الأقاليم الإثيوبية العشرة، ويتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن النظام الفيدرالي المتبع في البلاد.