بلدة "لاليبيلا" الإثيوبية التاريخية تروي انتهاكات "جبهة تجراي"
وقائع وفظائع يرويها سكان بلدة "لاليبيلا" الإثيوبية، حول انتهاكات "جبهة تحرير تجراي" التي سيطرت على المدينة التاريخية في أغسطس الماضي.
فبعد ظهر يوم 6 من أغسطس/آب، كان الأب تسيج ميزغيبو يترأس الصلاة في واحدة من كنائس لاليبيلا عندما دخل متمردو تيجراي المدينة، وطلبوا من المواطنيين أن يهتفوا "ليحمي الله مدينتنا!".
شعر الأب تسيج على الفور بالخوف من حدوث الأسوأ للكنائس الإحدى عشرة البالغ عمرها أكثر من ألف عام وتجعل من هذه المدينة الواقعة في منطقة أمهرة بشمال إثيوبيا، مكانا مقدسا لعشرات الملايين من المسيحيين الأرثوذكس في البلاد وموقعا سياحيا.
وسبقت وصول "جبهة تحرير تيجراي" أخبار تثير الرعب، فقد اتهمهم قادة اتحاديون ومنظمات غير حكومية بارتكاب جرائم قتل واغتصاب جماعي خلال هجومهم في أمهرة الذي بدأ في يوليو/تموز.
وحث الأب تسيج السكان على التزام الهدوء وعدم الفرار من المدينة، وقال "أؤمن بالله وكان لدي إيمان بأنه لن يحدث شيء في هذا المكان المقدس"، لكن الأشهر الأربعة التالية لم تشهد سوى حرمان وأعمال عنف.
نهب المتمردون منازل ومرافق صحية، وبدون وسائل نقل أو كهرباء أو مصارف أو اتصالات، وجد السكان أنفسهم معزولين عن العالم.
وانتهى هذا الوضع الأسبوع الماضي عندما استعاد الجيش الإثيوبي السيطرة على لاليبيلا في هجوم مضاد خاطف كان أحدث تطور في النزاع الذي يدور منذ أكثر من عام بين الحكومة ومتمردي تيجراي.
وكانت وكالة فرانس برس أول وسيلة إعلامية مستقلة تدخل المدينة منذ ذلك الحين.
صلوات ونهب
لاليبيلا واحدة من البلدات العديدة في أمهرة، وطلب رجال الدين من المقاتلين وكثير منهم من المسيحيين الأرثوذكس، في البداية إزالة مدافع الهاون والأسلحة الثقيلة الأخرى المتمركزة بالقرب من الكنائس، فوافقوا ووعدوا باحترام الموقع.
كما اعتادوا على ترك رشاشاتهم في الخارج قبل التوجه للصلاة في كنيسة القديس جورج، إحدى كنائس لاليبيلا المبنية بشكل صليب.
وبقيت الكنائس سليمة وجميعها صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) ضمن التراث العالمي.
في البلدة نفسها لم يبد المتمردون تساهلا وطرقوا الأبواب في جميع الأوقات لطلب هواتف محمولة وطعام، كما يقول السكان.
وقال بيلاينيو مينجشو أحد منظمي الرحلات السياحية "لا يمكنك أن تطلب منهم إعادة الأشياء إليك. كانوا مسحلين وقالوا إنهم سيقتلوننا".
نهب المتمردون المكاتب الحكومية والمصارف ودمروا المطار الذي تتناثر فيه الآن خطوط الكهرباء المقطوعة والزجاج المحطم وبطاقات الصعود الفارغة.
حمير تنقل أدوية
كان مستشفى المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرين ألف نسمة شاهدا على كل البؤس الإنساني الناجم عن هجوم المتمردين.
فمع نفاد مخزون السكان من المواد الغذائية استقبل 290 طفلاً يعانون من سوء التغذية، بينهم 90 حالتهم خطيرة. مات منهم ستة.
يتنهد تيميسغين موش الأخصائي الاجتماعي في المستشفى "لم نتمكن من علاجهم لأن جبهة تحرير شعب تيغراي نهبت المكملات (الغذائية)"، واضطر الأطباء لابتكار حلول لأداء مهمتهم.
فقد جلبوا سرا على ظهر حمير أدوية من بلدة ميكيت (40 كلم غربا). وتحت جنح الظلام أوصلوها للمرضى المصابين بأمراض مثل الإيدز والسل.
وعلى الرغم من هذه الانتصارات الصغيرة، ساد شعور باليأس في المستشفى في الأسابيع الأخيرة، فاحتياطي الأوكسجين ينفد ولم يتبق سوى ما يكفي لإجراء عملية مدة 30 دقيقة.
وبما أن المصارف تعطلت، لم يتمكن الأطباء من تسلم رواتبهم وأصبحوا يعتمدون على عمليات توزيع الطعام والمال التي ينظمها القادة الأرثوذكس.
وعند عودتهم من مناوبة الليل وجد بعضهم منازلهم منهوبة وقد تعرض أفراد أسرهم للضرب على أيدي المتمردين.
مقاتلون مستعدون
شعر السكان ببعض الارتياح مع وصول الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة للأمهرة، وانتقلت المدينة إلى سلطة أخرى من دون قتال حقيقي، مع أن الجنود تحدثوا عن اشتباكات عنيفة في المناطق المحيطة.
ونفت "جبهة تحرير تيجراي" أن تكون هزمت مؤكدة أنها قامت بعملية انسحاب تكتيكي.
وفي المستشفى، يتدفق المرضى الآن من البلدات والقرى المحيطة التي يُتهم المتمردون بقصفها وإطلاق النار على مدنيين فيها أثناء انسحابهم.
وقامت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بتوثيق أعمال عنف جنسي وقتل في أماكن أخرى في أمهرة.
وقال الأب تسيج إن أصعب ما عاشه السكان في الأشهر الأخيرة هو انعدام بعض الخدمات الأساسية مثل المصارف والاتصالات.
وهذا يجعله متعاطفا مع المدنيين في منطقة تيجراي الذين عاشوا الظروف نفسها طوال معظم العام الماضي.
وقال "أشعر بالأسف تجاههم كإنسان وكمؤمن. نحن عانينا خلال هذا الوقت القصير، ولكن بالنسبة لهم كان ذلك وقتًا طويلًا".
aXA6IDE4LjE4OC4xNzUuNjYg جزيرة ام اند امز