«تيغراي» تعيد ترتيب أوراقها.. جنرال على رأس حكومة جديدة

حكومة انتقالية جديدة أُعلن عنها في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، يقودها الجنرال تاديسي ويريدي، القائد العسكري البارز، في تطور سياسي لافت.
وجاء التشكيل هذه المرة مبسّطًا عن الحكومة السابقة التي كان يقودها "جيتاتشو رِدا"، الذي أُعفي من منصبه إثر صراع قوي على السلطة بين أجنحة داخل جبهة تحرير تيغراي، التي تهيمن على الإقليم بموجب اتفاق بريتوريا للسلام، المُوقّع في عام 2022، والذي أنهى حربًا مدمّرة في الإقليم راح ضحيتها مئات الآلاف من الشباب.
الجنرال تاديسي ويريدي كشف عن أن حكومته تضم 21 مسؤولًا في مختلف المؤسسات الحكومية لإقليم تيغراي، إذ أعاد مسؤولين كبارًا في قوات جبهة تحرير تيغراي إلى السلطة بعد أن فُصلوا من الإدارة السابقة، فيما اكتفى بنائب واحد له، مقارنةً بسلفه الذي كانت إدارته الانتقالية تتكوّن من 27 مسؤولًا ونائبين لرئيسها، من بينهم الجنرال تاديسي ويريدي، الذي تسلّم السلطة من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي هذا الشهر، في مراسم تسلّم حضرها مسؤولون وممثلون غربيون، فضلًا عن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.
وتأتي هذه الخطوة بعد مرحلة من الجمود والاضطراب السياسي داخل الإقليم، وتُعدّ محاولة لترسيخ الاستقرار وإعادة هيكلة السلطة بعد صراع داخلي مرير، لم يكن ضد الحكومة الفيدرالية فقط، بل بين أجنحة الجبهة ذاتها.
ما بعد الحرب: صراع داخل الجبهة
وبحسب محللين، فإن تشكيل الحكومة الجديدة لإقليم تيغراي لم يكن مجرد انتقال إداري، بل هو انعكاس لصراع خفي خرج إلى العلن بين إدارة جيتاتشو رِدا، التي قادت الإقليم في مرحلة ما بعد الحرب، وبين ما يُعرف بـ"الحرس القديم" داخل جبهة تحرير تيغراي، الذي هيمن على القرار السياسي والعسكري لعقود.
ولطالما مثّل "جيتاتشو رِدا" وجهًا إصلاحيًا نسبيًا، واجه انتقادات حادة من قيادات تقليدية داخل الجبهة، اتهمته بالتفرّد بالقرار والتقرب من الحكومة الفيدرالية على حساب توازن القوى داخل الإقليم.
وتعمّق هذا الخلاف مع تنامي الدعوات الشعبية لمحاسبة القيادات المتورطة في قرارات الحرب، وارتفاع أصوات تطالب بتجديد النخبة السياسية وتقديم الوجوه الشابة.
وفي خضم هذه المعادلة المعقّدة، جاء صعود الجنرال تاديسي ويريدي، باعتباره شخصية تحظى باحترام داخل قوات جبهة تحرير تيغراي، وتتمتع بقبول نسبي من مختلف الأطراف. وتولّيه رئاسة الإدارة الجديدة لإقليم تيغراي يُفهم ضمنيًا كمحاولة لإحداث توازن بين جناحي الجبهة، واحتواء التوترات المتصاعدة داخل الصف التيغراوي.
ويُعدّ الجنرال تاديسي ويريدي أحد أبرز القيادات الميدانية التي أدارت الحرب ضد قوات الجيش الإثيوبي بين عامي 2020 و2022، ويتمتع بخبرة عسكرية وإدارية طويلة، ما جعله خيارًا منطقيًا لتولّي المرحلة الانتقالية، في ظل التحديات الأمنية واللوجستية التي تواجه تيغراي.
غير أن مراقبين يرون أن خلفيته العسكرية تثير تساؤلات حول مدى قدرته على إدارة الملفات المدنية المعقّدة، مثل إعادة الإعمار، والعدالة الانتقالية، وتحقيق التوازن بين مطالب الجبهة وسكان الإقليم، الذين سئموا الحرب ويريدون إصلاحًا حقيقيًا.
ورغم الخطوة الإيجابية في تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الواقع على الأرض لا يزال يفرض إيقاعًا صعبًا؛ فالوضع الإنساني هش، والمناطق الحدودية مع إقليمي الأمهرا وعفر تشهد توترات متقطعة، في ظل استمرار النزاع حول الأراضي المتنازع عليها. كما أن عودة النازحين ما زالت بطيئة، وسط نقص في التمويل والدعم الدولي.
وفي ظل كل هذه التحديات، يبقى مستقبل الحكومة الجديدة مرهونًا بقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، وإدارة توازن حساس بين طموحات الداخل ومحددات السياسة الفيدرالية للحكومة الإثيوبية.
aXA6IDMuMTM5Ljg2LjEyOCA= جزيرة ام اند امز