عام على حرب تجراي.. محطات في أزمة تراوح مكانها بإثيوبيا
بالتزامن مع مرور عام على انطلاق المعارك بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تجراي، تتسارع المتغيرات، لتدخل منعطفا جديدا، يعقد الأزمة.
ومنذ أن بدأت المواجهات بين الجيش الإثيوبي وعناصر جبهة تحرير تجراي قبل عام، لم تبرح الأزمة مكانها، بل زادت وتيرة المواجهات في الأشهر القليلة الماضية، فما إن تهدأ حتى تستعر من جديد، إلى أن اتسعت رقعتها لتشمل مناطق جديدة في إقليمي أمهرة وعفار المتاخمين لإقليم تجراي شمال البلاد.
وترصد "العين الإخبارية" أهم التطورات التي مرت بها أزمة تجراي وتداعياتها المختلفة داخليا وخارجيا:
بداية الأزمة
بدأت الأزمة إثر اتهام الحكومة الفيدرالية في الـ4 من نوفمبر العام الماضي، لجبهة تحرير تجراي بالاعتداء على القيادة الشمالية لقوات الجيش الإثيوبي في مدينة مقلي عاصمة الإقليم.
ومثلت تلك الحادثة منعطفا تاريخيا في إثيوبيا، حيث أدخلت البلاد في أزمة لا تزال مستمرة، وتصاعدت في الذكرى الأولى مع تمكن جبهة تحرير تجراي من دخول مدينتي "ديسي وكومبلشا" أكبر مدن إقليم أمهرة (جنوب) في تطور وضع الكثير من التساؤلات لدى الشارع الإثيوبي، الذي يتابع بقلق تلك المعارك.
هزيمة مبكرة
وبدأت المعركة بمواجهات عسكرية استمرت لنحو 3 أسابيع أطاحت بالجبهة من إقليم تجراي لنحو ثمانية أشهر، بعد أن فرت قياداتها إلى الجبال بدخول قوات الجيش الإثيوبي إلى الإقليم.
غير أن الحكومة الإثيوبية أعلنت في قرار مفاجئ وقف إطلاق النار ضد الجبهة وسحب قوات الجيش الإثيوبي كاملا من الإقليم، لتعود جبهة تحرير تجراي مجددا للإقليم وتسيطر عليه، ثم سرعان ما بدأت اعتداءات على إقليمي أمهرة وعفار، المجاورين، بعد أن دخلت عدة مناطق ومدن أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين ونزوح أكثر من نصف مليون شخص بالإقليمين
تداعيات الأزمة
تسببت الحرب في تجراي بخسائر تقدر بمئات من القتلى والجرحى، وتضرر نحو 2.5 مليون شخص في إقليم تجراي، لتوقف وصول المساعدات الإنسانية، من منظمات الإغاثة.
كما تسبب الصراع في نزوح أكثر من نصف مليون شخص، في إقليمي أمهرة وعفار، التي تمدد إليها الصراع، فضلا عن انتهاكات لحقوق الإنسان للمئات من المدنيين في الأقاليم الثلاثة، بعد دخول جبهة تحرير تجراي للمدن هناك، ويجري تحقيق مشترك بين الحكومة الإثيوبية والأمم المتحدة، حول ما جرى.
ووفق مسؤولين إثيوبيين حكوميين فقد تسببت الهجمات التي شنتها الجبهة على مناطق بإقليمي أمهرة وعفار، إلى تضرر نحو 4.5 مليون شخص، وأسفرت عن نزوح 500 شخص من الإقليمين في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
ولم يسلم اللاجئون الإريتريون من تداعيات الصراع بالإقليم، حيث تعرض نحو 92 ألف لاجئ إريتري يقيمون في إقليم تجراي للمعاناة إثر دخول الجبهة هناك وفق مدير وكالة شؤون اللاجئين بإثيوبيا تسفاهون غوبزاي، حيث انقطعت المساعدات الطارئة بالمخيمات التي كانوا يعيشون بها.
منعطف خطير
ومثّل وصول المعارك إلى مدنتيْ ديسي وكومبولشا الإستراتيجيتين بإقليم أمهرة منعطفا خطيرا، يهدد النظام الدستوري القائم بالبلاد؛ إذ يعتبر تقدما كبير بالنسبة للجبهة وتراجعا خطير للحكومة الإثيوبية في موازين الحرب.
وأمس الإثنين اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي،آبي احمد، مرتزقة أجانب، من عدة دول بينهم "رجال بيض" بالقتال إلى جانب قوات جبهة تحرير تجراي في معارك مدن "ديسي وكومبلشا"، مشيرا إلى أن جبهة تجراي تستخدم أمواجا بشرية في الحرب التي تشنها، وأن حكومته ستستخدم استراتيجية جديدة لصد توغل الجبهة.
مواقف دولية
الأزمة بين أديس أبابا والجبهة الانفصالية، تباينت بشأنها ردود الفعل الإقليمية والدولية؛ فقد برز الموقف الأمريكي والأوروبي والأمم المتحدة أكثر انتقادا للحكومة الإثيوبية، ومارست الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطا مكثفة على حكومة آبي أحمد، لوقف الحرب والدخول في مفاوضات فورية مع الجبهة التي يصنفها البرلمان الإثيوبي إرهابية.
فيما فشل مجلس الأمن الدولي، في إصدار بيان يحمّل الحكومة المسؤولية بشأن الصراع الدائر، رغم دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتجاه استصدار قرار بهذا الشأن.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، المنصرم، أطلت قضية تجراي على مجلس الأمن الدولي، بعد أن أعلنت إثيوبيا، طرد 7 موظفين كبارا في الأمم المتحدة، وصنفتهم "شخصيات غير مرغوب فيها".
وقالت الخارجية الإثيوبية، في بيان، إن هذه الخطوة جاءت ردا على "تدخلهم في شؤون البلاد الداخلية"، وطالبتهم بمغادرة أراضيها خلال 72 ساعة.
وعلى إثر تلك الخطوة تجدد التوتر بين الحكومة الإثيوبية والأمم المتحدة، وأعرب الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش عن صدمته من قرار الحكومة الإثيوبية طرد الموظفين الأمميين، وعقد مجلس الأمن الدولي، جلسة مشاورات طارئة لمناقشة الأزمة.
آبي أحمد والضغوط
تجاهلت الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد الضغوطات المتعددة التي مارستها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتحشيد المجتمع الدولي ضد حكومته، ورفضت كافة الدعوات الدولية لإجراء مفاوضات لإنهاء القتال.
وتمسكت الحكومة بأن صراع تجراي "شأن داخلي" وظلت تؤكد أنها لن تتفاوض مع فئة "إجرامية إرهابية" واضعة القضاء على الجبهة وإنهاءها، خيارا وحيدا للدولة الإثيوبية.
كما رفضت الحكومة الإثيوبية في عدة مناسبات أية وساطات إقليمية ودولية من شأنها إنهاء العملية العسكرية ضد جبهة تحرير تجراي قبل تحقيق أهدافها، المتمثلة في القضاء على الجبهة، التي قالت إنها تمثل مهددا لوجود الدولة الإثيوبية، ما يعكس إصرار حكومة آبي أحمد على مواصلة القتال ضد الجبهة والقضاء عليها.
ولم تكن المواقف الدولية على قلب رجل واحد، فقد انقسم المجتمع الدولي بين مؤيد وداعم لإثيوبيا انطلاقا من تلك المواقف، وأخذت الولايات والاتحاد الأوروبي مسارا مناهضا لأديس أبابا، تغيرت ما أدى إلى توتر العلاقات مع الحكومة الإثيوبية، جعل الأخيرة تأخذ موقفا من علاقاتها مع واشنطن وبروكسيل.
وهددت أديس أبابا بمراجعة تلك العلاقات، واتخاذ مواقف بشأنها، ما سينعكس على المصالح المرتبطة للولايات المتحدة والتكتل الأوروبي، بمنطقة القرن الأفريقي.
وعلى مدار السنوات الماضية ظل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي مرهوناً باستقرار الدولة الإثيوبية، التي يُنظَر لها اليوم، وعلى نطاق واسع، بأنها نقطة ارتكاز رئيسة للاستقرار والأمن الإقليميين.
وهو أمرٌ سيظل يمثل دافعاً قوياً لمضي العديد من القوى والمنظمات الإقليمية والدولية بالضغط على الحكومة الإثيوبية والطرف الآخر جبهة تحرير تجراي لوقف القتال والجلوس إلى التفاوض وهو ما سيكون مرهونا بمواقف أديس أبابا، التي تسعى إلى حسم الصراع بالقضاء على الجبهة التي تراها إرهابية.
aXA6IDMuMTQ1LjM5LjE3NiA= جزيرة ام اند امز