خبير فرنسي: قيود AI المفرطة في أوروبا خلقت مناخاً طارداً للاستثمار
يعكس توجه الاتحاد الأوروبي نحو تخفيف القواعد التنظيمية في مجال الذكاء الاصطناعي اعترافاً متأخراً باختلال التوازن بين الابتكار والتنظيم داخل التكتل.
وأكد أستاذ الاقتصاد في المعهد الأوروبي المتخصص في التنظيم الاقتصادي، المنافسة، والذكاء الاصطناعي جياكومو كالزولاري لـ"العين الإخبارية" أن الإفراط في القيود القانونية خلال السنوات الماضية خلق مناخاً طارداً للاستثمار التكنولوجي، حيث فضّلت الشركات الناشئة نقل أنشطتها إلى الولايات المتحدة أو آسيا بحثاً عن بيئات تنظيمية أكثر مرونة وقدرة على استيعاب التجريب والابتكار السريع.
وفي ظل التسارع العالمي لسباق الذكاء الاصطناعي واشتداد المنافسة بين القوى الاقتصادية الكبرى، يعتزم الاتحاد الأوروبي إدخال تعديلات جوهرية على منظومته التنظيمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وحماية البيانات، في خطوة تهدف إلى تخفيف القيود البيروقراطية وتعزيز جاذبية بيئته الاستثمارية الرقمية. غير أن هذا التوجه أثار جدلاً واسعاً بين مؤيدين يرونه ضرورة ملحّة لاستعادة القدرة التنافسية، ومعارضين يحذرون من تداعياته على خصوصية المستخدمين وسيادة أوروبا الرقمية.
وأعلنت المفوضية الأوروبية، تبسيط نصوصها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وحماية الحياة الخاصة. وقد أثار هذا المقترح انتقادات من قطاع التكنولوجيا الذي اعتبره غير كافٍ، كما واجه اعتراضات من جمعيات حماية المستهلك التي رأت فيه تنازلاً لصالح عمالقة التكنولوجيا الرقمية.
وأوضحت المفوضية أنها أقرت حزمة من الإجراءات تهدف إلى تقليص العبء التنظيمي في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، مبررة ذلك بالحاجة الملحّة لاستعادة القدرة التنافسية لأوروبا وتقليص فجوتها التكنولوجية.
واعتبر كالزولاري أن تسهيل استخدام البيانات وتقليص التعقيد التنظيمي قد يمنح دفعة مؤقتة للقطاع التكنولوجي الأوروبي، لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن هذه الخطوة قد تتحول إلى سلاح ذي حدين إذا لم تُرفق بسياسات استثمارية قوية في البحث والتطوير والبنى التحتية الرقمية والتعليم التقني.
ولا يكمن ذلك فقط في كثافة القوانين، بل في ضعف منظومة تمويل الابتكار مقارنة بالولايات المتحدة والصين، وهو ما يجعل أوروبا متأخرة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
وشدد الخبير على أن التحدي الحقيقي أمام الاتحاد الأوروبي يتمثل في بناء نموذج توازني يجمع بين حماية حقوق المستخدمين وضمان السيادة الرقمية من جهة، وخلق بيئة محفزة للمخاطرة وريادة الأعمال من جهة أخرى.
ورأى أن التخفيف الذكي للتنظيم يجب أن يكون موجهاً لدعم الشركات الأوروبية المتوسطة والصغيرة، لا لفتح المجال أمام الهيمنة الكاملة للعمالقة الأمريكيين والصينيين على بيانات وأسواق القارة.
تقليص استخدام نوافذ الكوكيز
ينص المشروع الذي يحمل اسم "ديجيتال أومنيبوس" على السماح للشركات التكنولوجية باستخدام البيانات الشخصية لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى "المصلحة المشروعة" دون اشتراط الحصول على موافقة المستخدم. كما يقترح تأجيل تنفيذ القواعد الخاصة بأنظمة الذكاء الاصطناعي عالية الخطورة إلى نهاية عام 2027.
وتسعى المفوضية الأوروبية أيضاً إلى الحد من الانتشار المفرط لنوافذ القبول أو الرفض الخاصة بملفات تعريف الارتباط، وهي أدوات تستخدم للتتبع وقياس النشاط الإعلاني. وتريد تمكين المستخدمين من الرد بنقرة واحدة فقط، إضافة إلى إمكانية حفظ تفضيلاتهم بشكل دائم في المتصفح أو نظام التشغيل، بحيث لا تظهر هذه النوافذ مع كل زيارة لموقع جديد.
ضغوط ولوبيات مكثفة
ورغم تقديم المفوضية لهذه الخطوة على أنها تعديل تقني من شأنه أن يجعل التشريعات الأوروبية أكثر فاعلية على المدى الطويل، فإنها جاءت عقب ضغوط قوية مارستها شركات التكنولوجيا العملاقة ومجموعات الضغط التابعة لها.
فطوال عام 2025، طالب قادة شركات مثل "ألفابت" و"ميتا" و"سيمنز" و"SAP" بتأجيل بعض بنود قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي لتسهيل أنشطتهم التجارية.
وفي الوقت نفسه، واصلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادها للتشريعات الأوروبية، معتبرة أنها تستهدف الشركات الأمريكية، وهي اتهامات نفتها المفوضية الأوروبية.
"يجب أن نبتكر قبل أن ننظّم"
وخلال قمة حول السيادة الرقمية للاتحاد الأوروبي عُقدت في برلين، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى "تبسيط جذري للممارسات التنظيمية الأوروبية" التي اعتبروها عائقاً أمام الابتكار، في وقت تعاني فيه أوروبا من تأخر كبير في مجال الذكاء الاصطناعي.
هل هو دعم حقيقي للشركات الأوروبية؟
غير أن إلغاء بعض بنود التشريع الرقمي الأوروبي قد لا يؤدي، على المدى القريب، إلى تحسين وضع الشركات التكنولوجية الأوروبية.
ويرى نيكولا فان زيبرُوك، أستاذ الاقتصاد والاستراتيجيات الرقمية في مدرسة "سولفاي" ببروكسل، أن تبسيط الإطار القانوني أمر ضروري، قائلاً :"التشريعات الأوروبية أصبحت معقدة للغاية، تشبه كاتدرائية مكوّنة من عشرات النصوص التي يصعب فهمها. ومن الصحيح أن الابتكار وريادة الأعمال في أوروبا يعانيان من فرط التنظيم".
المستفيد الأكبر: الولايات المتحدة والصين
لكن هل يكفي هذا التبسيط؟ يجيب الخبير بالنفي، موضحاً أن هذه التعديلات المحدودة لن تكون كافية لإطلاق ديناميكية ابتكار قوية، بل من المحتمل أن يستفيد على المدى القصير الفاعلون المهيمنون من الولايات المتحدة والصين، الذين سيحصلون على مساحة أوسع لاستغلال البيانات الأوروبية.
تراجع في حماية المستخدمين
من جهتهم، اعتبرت منظمات الدفاع عن الخصوصية مثل "نويب" وجمعيات الحقوق المدنية أن هذه الخطوة تمثل إضعافاً للتشريعات الأوروبية.
وحذر النائب الأوروبي دافيد كورمان، عضو كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، من أن هذا التبسيط قد يقوض مكتسبات أساسية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (RGPD)، معتبراً أنه يعكس أجندة إزالة القيود التي تدفع بها شركات التكنولوجيا العملاقة.
وقال في بيان صحفي :"لا يمكن لأوروبا أن تضحي بقواعدها الخاصة وتغامر بالتحول إلى مستعمرة رقمية واقتصادية لمنصات أمريكية وصينية. إن التبسيط الحقيقي الذي يحتاجه اقتصادنا يمر عبر تعزيز تطبيق القوانين وتوضيح الالتزامات".
ومن المنتظر أن تخضع هذه المقترحات لموافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، ولا سيما النواب المعنيين بحماية الحياة الخاصة، قبل دخولها حيز التنفيذ.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTM1IA== جزيرة ام اند امز