إن هذا العنوان للوهلة الأولى قد يشير إلى حكايات السرقات والاعتداء الجسدي على بعض السياح العرب في أوروبا خلال موسم العطل الصيفية،
بدءًا من سرقة الساعات من الأيدي في الشوارع وصولًا إلى دخول الغرف الفندقية الفاخرة، وليس انتهاءً - ربما - بقضايا منظورة أمام أقسام الشرطة الأوروبية في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي. لكنني في الوقت نفسه، أود أخذ القارئ الكريم نحو وقائع تذكر لأول مرة في وسائل الإعلام العربية.
فأوروبا، التي تتغنى بحرية الرأي والتعبير في بعض دولها، لديها وجه مظلم لا يراه إلا من عاش فيها وأقام بها لسنوات. فالأمر مرده، في حال أخذناه على حسن نية، إلى تراخٍ أمنيٍ مبالغ فيه أحيانًا. وإن دقق المرء وتأمل أكثر، قد تكون هناك أبعادٌ أخرى مخيفة وغير منطقية.
فبعض الصحفيين العرب المقيمين في أوروبا باتوا يشعرون أحيانًا بعدم الأمان عندما يعبرون عن رأيهم أو يكتبون مقالًا أو ينشرون تغريدة أو يبثون فيديو يتعلق بفضح ميليشيات إرهابية مثل "الحوثي" أو "الإخوان" أو "القاعدة"، بسبب وجود أتباع لتلك الجماعات المتطرفة على الأراضي الأوروبية.
والأسوأ من ذلك - والحديث هنا عن تجربة - حين تجد الأجهزة المختصة في البلد الذي تقيم فيه لا تقيم أي وزن لتهديد بالقتل يتلقاه الصحفي أو المدون. وترى بأم عينيك ازدواجية معايير معينة، حيث يسمح لمن يهددك بالقتل أو يتتبع عنوان سكنك أو عملك يسرح ويمرح دون رادع أو محاسبة من سلطات إنفاذ القانون الأوروبية.
أضف إلى ذلك خطورة الأمر على أرض الواقع حين يكون الإعلامي متزوجاً أو رب أسرة، ويلجأ لحماية نفسه بنفسه، عبر تغيير عنوان مسكنه في العام أكثر من مرة، أو يفكر حتى بالخروج كلياً من الاتحاد الأوروبي نحو وجهة عربية خليجية من أجل التمتع بالأمن والأمان، لأن بعض دول الخليج العربي لاسيما دولة الإمارات والسعودية ضربت أروع المُثل في تأمين مواطنيها والمقيمين على أراضيها أياً كان عملهم أو توجههم تحت سقف القانون والعدالة.
وحتى حوادث حرق نسخ المصحف الشريف المتزايدة مؤخراً في السويد والدنمارك تعطي مؤشرات مفزعة حول مستقبل الإقامة للمجتمعات المسلمة على وجه الخصوص، سيما وأنك تشاهد الشرطة تحمي من ينتهك حرمة دينك ويمس بالإساءة المعلنة والمرخصة قانوناً معتقدك.
زد على ذلك كله، طبيعة التطرف الحاصل في توجهات بعض الحكومات الغربية حيال قضايا الشذوذ أو ما يسمى بـ"المثلية الجنسية"، فالقصة تجاوزت السماح أو التشريعات، لتصل إلى درك خطير من فرض هذه الممارسات غير الأخلاقية والمنافية للفطرة البشرية على مناهج التدريس والتعليم للصغار واليافعين، و هذا أمرٌ لم يعد سراً، بل بات حكام أوروبيون معروفون مثل "فيكتور أوربان" رئيس وزراء المجر و"جورجيا ميلوني" رئيسة وزراء إيطاليا يتحدثون عنه وينتقدونه.
ولعل النظام الاقتصادي الناجح نوعاً ما في بعض دول الاتحاد الأوروبي أغرى الكثير من اللاجئين على مدى سنوات مضت، وجعل الكثير منهم يفضل العيش في أوروبا ويبذل الغالي والنفيس للوصول إليها من خلال طرق مميتة أحياناً، لكن عدداً لا يستهان به أيضاً من اللاجئين العرب وبعد حصولهم على "الجنسية الأوروبية" شرعوا في هجرة جديدة نحو دول عربية ناجحة لاسيما في الخليج العربي، بغية تحصين تربية أطفالهم وكسب الرزق.
والحقائق التي أود ذكرها في دقائق مفادها يستطيع المرء تلخيصه في كلمتين، أوروبا ليست ذلك الفردوس الموعود كما يصورها البعض، ولدى أغلب دولها سلبيات وإيجابيات، والحكم الرشيد فيها أضحى كرة تتقاذفها أحياناً أقدام ساسة عنصريين ومتطرفين يتصدرون المشهد، ومن خلفهم قواعد حزبية وجماعات ضغط مالية، تمتلك القدرة التنافسية من أجل إيصال تكتلات عنصرية إلى برلمانات دول أوروبية عريقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة