شهدت العاصمة النيجرية نيامي أحداثًا دراماتيكية بعد احتجاز الحرس الرئاسي للرئيس "محمد أبو العزوم" (بازوم) في القصر، وسط غموض حول موقف الجيش الذي سرعان ما أعلن تأييده للحركة الانقلابية.
وظهرت مجموعة من العسكريين على شاشة التلفزيون، لإعلان البيان العسكري الأول على طريقة الانقلابات الأفريقية.
ولم يسعف الرئيس بازوم فوزه بالرئاسة عبر الانتخابات، فقارة الانقلابات لا تعرف صناديق الانتخابات، بل النفوذ والاستقطابات الخارجية، ومن الطريف أن وزير خارجية بازوم نصب نفسه افتراضيًا رئيسًا بالوكالة، في محاولة لاستغلال الوضع، ومهما كانت الأسباب المتداولة للانقلاب، سواء كانت مرتبطة بإبعاد شخصيات سياسية وعسكرية، موالية للرئيس السابق "محمد يوسف"، أو كون بازوم من أصل عربي ليبي من قبيلة أولاد سليمان، فالأزمة الحقيقية أبعد من النيجر.
وتعتبر النيجر من الدول الفقيرة، وتعاني من مشاكل الجفاف، والهجرة غير النظامية والمليشيات الإرهابية، وتتواجد بها قوات فرنسية وأمريكية وألمانية، ليس لأجل الشعب النيجري الذي طال انتظاره للتنمية، ما جعله مستعداً لقبول فاغنر كبديل، للحصول على موارد الحياة، فالحماية الغربية يهمها حماية ثلث المخزون العالمي من اليورانيوم.
وما حدث في النيجر يبعد فرنسا عن آخر معاقلها الرئيسية في الساحل الأفريقي، بعد فقدانها كلا من بوركينافاسو ومالي على إثر انقلابات عسكرية، فتحت الأبواب للتواجد الروسي عبر قوات فاغنر، وهو ما رفضه الرئيس بازوم (حليف فرنسا)، الذي لم يحضر القمة الروسية الأفريقية الثانية في سانت بطرسبرغ، لينوب عنه مستشاره.
ولا تزال التساؤلات عديدة حول مستقبل الانقلاب، فردة فعل فرنسا لم تصل إلى استخدام القوة العسكرية، فيبدو الغرب لم يتعلم من الدروس المستفادة من انقلابي مالي وبوركينا فاسو، وتفهم الجيل الأفريقي الجديد، والضباط العسكريين الشباب، المتأثرين بإرث الاستعمار الفرنسي، ما ولد مع الوقت خطابا يحرض على إخراج فرنسا من الساحل.
والسؤال هنا أين ستتجه ولاءات الحكام الجدد في النيجر باتجاه الغرب أم الشرق، فالحزام الأفريقي يعيش حالة استقطاب بين الغرب وروسيا، فهل تلحق النيجر بالدول الأفريقية التي فتحت أبوابها لروسيا؟ أم تستمر تحت اللواء الغربي وتحديدا فرنسا؟ التي ستسعى لقطع المساعدات الغربية عن النيجر، والتصعيد عسكريًا إن تحالف الحكام الجدد مع روسيا، التي ستقدم بدورها امتيازات مغرية مصحوبة بحماية فاغنر.
انقلاب النيجر هو الرابع منذ الاستقلال عن فرنسا، فظاهرة الانقلابات العسكرية في أفريقيا وصلت إلى نحو 205 انقلابات منذ مطلع الستينيات، طغت عليها المسببات القبلية والعسكرية، ولم ترتبط بالمكونات السياسية، في استمرارية لانقلابات الساحل وغرب أفريقيا، وصولا إلى النيجر التي شهدت شوارعها رفع أعلام روسيا، ما يعكس إعادة صياغة للمشهد الجيوسياسي، وتراجع لمصالح فرنسا والغرب في أفريقيا.
واستطاعت روسيا عبر فاغنر التمركز بأفريقيا الوسطى، ولعب أدوار مختلفة في عدة دول بالحزام الأفريقي، ببساطة لأنها لا تلوح بملفات اليسار الغربي، لاسيما: الديمقراطية وحقوق الإنسان، لتنتزع الدور الفرنسي الكلاسيكي، والمقترن بتقديم خدمات أمنية مقابل حصص محددة، بمجالات المعادن والذهب والألماس وتصدير اليورانيوم.
وحشدت موسكو القارة الأفريقية عبر منصة القمة الروسية الأفريقية التي عقدت جولتها الثانية مؤخرا، بحضور وصل إلى 27 رئيس دولة، مقابل 43 في القمة الأولى عام 2019، ما يعكس الضغط الغربي لاختراق الارتباط الروسي الأفريقي.
وتطمح روسيا من خلال تنشيط صداقاتها القديمة في أفريقيا، بتعويض العقوبات الغربية بمضاعفة التبادل التجاري مع حلفائها في أفريقيا، وحشد التأييد السياسي على إثر الأزمة الأوكرانية، عبر تعزيز كتلتها الأفريقية، بينما يأمل الأفارقة من جني أكبر قدر من المكتسبات من الصراع الروسي الغربي.
وسيشكل انقلاب النيجر تداعيات محتملة على الدول العربية المجاورة لمنطقة الساحل، فقد تتعرض الجزائر وليبيا لتدفق المهاجرين والمهربين والمليشيات المسلحة.
وتعد النيجر ممرا حيويًا لصادرات الجزائر المختلفة إلى القارة الأفريقية وأوروبا، ولو كانت موريتانيا لا تملك حدودًا مباشرة مع النيجر، إلا أنها عضو في مجموعة دول الساحل الخمس، وأخيرًا السودان الذي لا يحتاج لأسباب تزيد حدة الصراع الراهن به.
انقلاب النيجر يعمق أزماتها الاقتصادية، فهذا البلد الفقير لا يحتاج لضغوط أكبر، بل لرافعة إيجابية تجلب التنمية، لتحسين أبسط متطلبات الحياة المعيشية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة