أوروبا تضع قدما في سوق العناصر النادرة.. سيطرة صينية منذ 30 عاما
على الرغم من وجود العناصر الأرضية النادرة في جميع أنحاء العالم، فإنه لم يستغلها أي بلد مثل الصين، ويعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كامل تقريبا على الصين في توريد ومعالجة المعادن النادرة، وهو أمر يعتبره الاتحاد تهديدا اقتصاديا خطيرا.
أدركت بكين الأهمية الاستراتيجية لهذه الموارد منذ أكثر من 3 عقود، وقامت ببناء موقع مهيمن في إنتاج أكاسيد الأتربة النادرة العالمية، وهو المنتج الخام المستخرج الذي يمكن فصل العناصر الأرضية النادرة عنه.
ويحاول آخرون اللحاق بالركب، إذ زاد الإنتاج غير الصيني من أكاسيد الأرض النادرة بنحو 4 أضعاف ليصل إلى 90 ألف طن في الفترة من 2015 إلى 2022، وفقا لبيانات أمريكية نقلتها صحيفة "فايننشال تايمز".
لكن الصين لم تقف ساكنة، وتضاعف إنتاج العناصر الأرضية النادرة من 105 آلاف طن إلى 210 آلاف طن في عام 2022، وهو ما يفوق بكثير الزيادة خارج حدودها بالقيمة المطلقة.
يقول إدواردو ريجيتي، الباحث في مركز الأبحاث CEPS ومقره بروكسل "على المدى القصير ستظل الصين اللاعب الرئيسي.. لا يمكن كسر الميزة التنافسية التي بنوها على مدى السنوات الثلاثين الماضية في غضون 5 سنوات".
متى تنتهي هيمنة الصين على سوق العناصر النادرة؟
يخشى مسؤولو الاتحاد الأوروبي من أن التحرك الذي اتخذته بروكسل الأسبوع الماضي لإطلاق تحقيق لمكافحة الدعم في السيارات الكهربائية الصينية قد يؤدي إلى إجراءات تجارية انتقامية على مواد رئيسية أخرى.
وتحاول الصين بالفعل تعزيز موقفها من خلال فرض ضوابط حمائية على الواردات والصادرات من العناصر الأرضية النادرة والمواد المعالجة، وتدرس بكين أيضا فرض حظر على صادرات الملكية الفكرية لتكنولوجيا صنع المغناطيس.
تهيمن الصين بشكل كبير على تعدين ومعالجة وتصنيع المغناطيسات للعناصر الأرضية النادرة، لدرجة أن أماندا لاكازي، العضو المنتدب لشركة ليناس، أكبر شركة غير صينية لتعدين العناصر الأرضية النادرة في العالم، تقول "إلى أن نحصل على كتلة حرجة تعمل خارج الصين، ستحتفظ الصين بذلك".
ويتزايد الطلب على العناصر الأرضية النادرة بسبب أهميتها في إنتاج المغناطيس الدائم، وهو عنصر حاسم في التكنولوجيات المتقدمة الأساسية للنمو المستدام، من توربينات الرياح إلى السيارات الكهربائية والدراجات البخارية.
وتتطلب السيارات الكهربائية التي لا تحتوي على مغناطيس دائم بطاريات أكبر، وتتطلب توربينات الرياح التي لا تحتوي على هذه العناصر مزيدا من الصيانة في البحر، مما يجعل العناصر غير المعروفة ضرورية للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري.
كما أنها حيوية لأنظمة الأسلحة مثل الطائرات المقاتلة، تلعب وزارة الدفاع الأمريكية دورا رئيسيا في جهود واشنطن لتنويع مصادر الإمداد.
ما حجم سوق العناصر النادرة؟
بلغت قيمة السوق العالمية للعناصر الأرضية النادرة 9 مليارات دولار فقط في عام 2023، لكن من المتوقع أن تتضاعف خلال عشر سنوات لتصل إلى 21 مليار دولار، وفقا لشركة بروجيكت بلو، وهي شركة استشارية مهمة للمعادن.
يتوقع التحالف الأوروبي للمواد الخام (ERMA) أن تنمو صناعات التنقل والسيارات في الاتحاد الأوروبي، التي سيلعب فيها المغناطيس الدائم دورا مهما، إلى 400 مليار يورو بحلول عام 2030.
لكن الإنتاج الأوروبي الحالي لا يكاد يذكر على مستوى التعدين والتجهيز.
يقول تون باستين، العالم في TNO، وهو معهد أبحاث في هولندا "لا توجد احتياطيات أوروبية كبيرة مثبتة، لا توجد تكنولوجيا إعادة تدوير متاحة أو يجري تنفيذها، ولا توجد تكنولوجيا معالجة تقريبا باستثناء الصين".
وحتى في مجالات التكنولوجيا التي أصبحت فيها أوروبا رائدة على مستوى العالم، مثل إنتاج توربينات الرياح، فإنها لا تزال تعتمد على مكونات بالغة الأهمية من الصين، إنها قصة مماثلة بالنسبة للمركبات الكهربائية وغيرها من الابتكارات التي تم إعدادها لتوفير مستقبل أكثر اخضرارا.
كيف واجهت أوروبا أزمة العناصر النادرة؟
ومع توقع ارتفاع الطلب الأوروبي على المعادن النادرة بمقدار 5 أضعاف بحلول عام 2030، وتسليط الضوء على التبعيات الاستراتيجية الأوسع للاتحاد الأوروبي وسط الحرب في أوكرانيا، قرر الاتحاد أنه يجب عليه توسيع مصادره، ولكن ليس من السهل تجاوز صعود الصين.
تظهر تقييمات الخبراء الأخيرة أن رواسب المعادن النادرة في جنوب شرق النرويج هي الأكبر في أوروبا، وفقا لمجموعة التعدين النرويجية التي قامت بهذا الاكتشاف.
وقالت Rare Earths النرويجية إن الرواسب الموجودة في مجمع (Fensfeltet) تحتوي على 8.8 مليون طن من هذه المعادن، التي تعتبر حيوية للتحول الأخضر، وهذه كمية كبيرة مقارنة بمنجم كيرونا في السويد، الذي يُزعم أنه يحتوي على ما بين مليون ومليوني طن.
وأعلنت الشركة "بعد 3 سنوات من الحفر والتحليل المكثف أظهر التقدير الأولي للموارد المعدنية أن فنسفيلت هو أكبر مستودع للعناصر الأرضية النادرة في أوروبا"، وفقا لـ"brussels times".
وتشير التقديرات التي ساعدت فيها شركة الاستشارات الكندية WSP إلى وجود 1.5 مليون طن من المغناطيس الدائم في الموقع، التي تستخدم في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، على سبيل المثال.
ماذا عن الاكتشافات الجديدة في أوروبا؟
تشير شركة Rare Earths النرويجية إلى أن التعدين يمكن أن يبدأ في عام 2030 باستثمار قدره 10 مليارات كرونة (نحو 867 مليون يورو) للمرحلة الأولية وحدها.
قال الرئيس التنفيذي ألف ريستاد "هدفنا هو المساهمة في سلسلة قيمة شاملة ومدمجة، من المنجم إلى المغناطيس، مع تقليل التأثير البيئي والمناخي بشكل كبير".
ويعد هذا الاكتشاف حاسما لجهود أوروبا لتقليل اعتمادها على الصين في مجال المعادن النادرة، على الرغم من أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإن النرويج تحافظ على علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي تبحث فيه أوروبا عن طرق لتسريع إنتاج المعادن الأرضية النادرة لتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها وتقليل الاعتماد على الصين كمورد رئيسي لها، لا يزال المصدر الرئيسي للمعادن للاتحاد الأوروبي هو الصين، التي توفر نحو 90% من سوق المعادن الأوروبية، وهذا ليس مستغربا نظرا لأن الصين مسؤولة عن أكثر من نصف القدرة العالمية على معالجة الليثيوم والكوبالت والمنغنيز، وفقا لبيانات Oil price.
وكانت المخاوف من الاعتماد المفرط على قوة منفردة في إمدادات المعادن في أوروبا سببا في دفع الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن المعادن النادرة، لتعزيز سلسلة التوريد الخاصة به.
ما مشكلة أوروبا في صناعة التعدين؟
لا تزال صناعة تعدين المعادن في أوروبا متخلفة، لكن العديد من شركات الطاقة تقوم بجهود استكشاف لتقييم إمكانية تطوير أنشطة تعدين جديدة.
أنشأ الاتحاد الأوروبي قانون المواد الخام الحيوية بهدف استخراج ما لا يقل عن 10% من الطلب السنوي المهم على المعادن في المنطقة من داخل أوروبا بحلول عام 2030.
ومع ذلك، هناك العديد من القيود التي تحول دون التوسع في تعدين المعادن، مثل المخاوف البيئية، وبينما تقوم الشركات بالتنقيب عن المعادن لدعم التحول الأخضر، يشعر علماء البيئة بالقلق من أن هذا قد يسبب ضررا أكثر من نفعه ما لم يتم القيام به بشكل مستدام، مما يؤدي إلى لوائح أكثر صرامة بشأن التعدين في المنطقة.
أعلنت شركة التعدين Rare Earths النرويجية هذا الشهر أنها اكتشفت أكبر مستودع مؤكد في أوروبا للمعادن الأرضية النادرة، الذي تعتقد أنه يمكن أن يكون مفتاحا لزيادة تنويع سلسلة توريد المعادن.
وذكرت الشركة أن مجمع Fen Carbonatite الخاص بها في جنوب شرق النرويج يضم 8.8 مليون طن متري من إجمالي أكاسيد الأرض النادرة.
ماذا عن تجربة النرويج والسويد؟
والنرويج ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي تهدف إلى تطوير صناعة التعدين المعدنية لديها، إذ أعلنت السويد عن اكتشاف رواسب أتربة نادرة العام الماضي.
ووجدت شركة LKAB المملوكة لحكومة السويد أن هناك عناصر نادرة ممزوجة بخام الحديد الذي كانت تستخرجه في كيرونا، المدينة الواقعة في أقصى شمال السويد.
وبعد التقييمات الأولية أعلنت الشركة عن تقديرات أولية لنحو 1.3 مليون طن متري من العناصر الأرضية النادرة في المنجم، وتشير الشركة إلى أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى ستة أو سبعة أعوام لاستكمال الاستكشاف.
ويعلق الاتحاد الأوروبي آمالا كبيرة على سوق المعادن الأرضية النادرة في أوروبا، إذ تستثمر العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة في أنشطة التنقيب.
ومن الممكن أن تساعد الاكتشافات الجديدة الاتحاد الأوروبي على تقليل اعتماده على الصين وروسيا فيما يتعلق بمعادنه الحيوية، مما يساعده على تنويع سلسلة التوريد الخاصة به وتعزيز أمن الطاقة خلال التحول الأخضر، ومع ذلك فمن المرجح أن يستغرق إنشاء مشاريع الإنتاج وقتا طويلا، بعد عدة سنوات من الاستكشاف والتحليل.
aXA6IDMuMTQ3Ljc2LjE4MyA= جزيرة ام اند امز