في موقعة السيارات الكهربائية.. من ينتصر الصين أم أوروبا؟ (تحليل)
في خضم حرب عالمية اقتصادية، أقل ضوضاء من الحروب التقليدية، تتسارع الضربات.
هذه الضربات ليست بأسلحة تعتمد على القذائف والقنابل والمتفجرات، لكنها في طبيعتها هي قرارات تتحكم في مصائر شعوب ومقدراتها وأقواتها.
ويعد الصراع الأخير بين أوروبا والصين بسبب التعريفات التي فرضتها بروكسل على السيارات الكهربائية الواردة من الصين، هو أحدث مؤشرات احتدام هذا الصراع.
والجمعة الماضية، دخلت تعريفات جمركية أوروبية قد تصل إلى 38% على السيارات الكهربائية الصينية المستوردة حيز التنفيذ، وأمام المفوضية الأوروبية مهلة 4 أشهر حتى نوفمبر/تشرين الثاني لتقرر إذا كانت ستفرض هذه الرسوم الجديدة بشكل نهائي، ما يترك الباب مفتوحا أمام حوار محتمل مع بكين، وستكون هذه الرسوم النهائية سارية لمدّة 5 سنوات.
خيط رفيع
لكن المحللين يرون أن الصين يمكنها التوصل عبر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي تعليق الرسوم في نوفمبر/تشرين الثاني، أو يمكنها تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ما يعني حمائية تجارية مضادة من الجانب الصيني على سلع أوروبية.
وفي تقرير نشرته "فورين بوليسي" بعنوان "كيف يمكن للصين الثأر بعد تطبيق التعريفات الأوروبية"، قال محللون إن الصين تسير على خيط رفيع فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع أوروبا. فبكين تحاول منع الاتحاد الأوروبي، ثاني أكبر شريك تجاري لها، وغيره من الدول من اتباع المسار الحمائي الذي مهدت له الولايات المتحدة. والصين تسعى جاهدة لحل الأمر مع بروكسل عن طريق التفاوض، بعكس زهدها في حل الأزمة مع أمريكا.
وقال غريغور سيباستيان، كبير المحللين في مجموعة روديوم ومقرها برلين، إن الاتحاد الأوروبي اتخذ نهجا أكثر اعتدالا، حيث حدد سقف التعريفات الأولية بنسبة 48% بدلا من نسبة 100% التي حددتها الولايات المتحدة، ولا تزال الصين تأمل في أن تتمكن من الحفاظ على بعض الوصول إلى الأسواق في الاتحاد الأوروبي، وأمامها الآن حتى نوفمبر/تشرين الثاني، عندما يتم الانتهاء من التفاوض.
ومن جانب آخر، اعتبر تشاو يونغ شنغ، الأستاذ في جامعة الأعمال الدولية والاقتصاد في بكين، أن "الأمر لا يتعلق فقط بالاتحاد الأوروبي نفسه"، بل إن الصين تريد استخدام هذا كنموذج لإظهار كيف يمكن حل هذه القضايا من خلال المفاوضات.
أدوات ردع وتقويم صينية
لكن في الوقت نفسه، لا تزال الصين تملك بعض أدواتها التي قد تستخدمه لتقويم السلوك الأوروبي، وذكر تقرير فورين بوليسي أنه على مدى الأشهر الستة الماضية أطلقت الصين تحقيقات لمكافحة الإغراق في لحم الخنزير والبراندي الأوروبيين، في حين أشارت تقارير وسائل الإعلام الحكومية الصينية إلى أن منتجات الألبان وغيرها من العناصر قد تكون مطروحة أيضا، ولم تتوصل وزارة التجارة الصينية إلى أي صلة واضحة بين التحقيقات والقيود الأوروبية على السيارات الكهربائية، لكن خبراء التجارة يقولون إن هذه من بين المنتجات التي قد تستهدفها الصين إذا اختارت الرد بتعريفاتها الجمركية في الأشهر المقبلة.
ووفقا للتقرير، فإن الصين من المرجح أن تستهدف المنتجات الأوروبية بتعريفات مقابلة، حيث تختار فيها المنتج الذي يكون ذو قيمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي (كصادرات) ولكن ليس الأهم على الإطلاق لأوروبا حتى لا ينظر لإجراءات بكين فيما يخصه على أنها "تصعيد بشكل مفرط"؛ كما لن تستهدف المنتجات التي تقع ضمن المصالح الأساسية للصين.
وقالت يانكا أورتل، مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الفكرة هي زرع الخلاف بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتخفيف الاستجابة الجماعية". وأضافت "لقد نجحت الاستراتيجية في الماضي".
جدال أوروبي
ووفقا لتقرير آخر نشرته مجلة "فورين بوليسي" فإن الإجراءات التي تتخذها بروكسل بحق الصين ليست محل إجماع، بل إن الجدال الداخلي يحتدم بشأنها.
وفي تقرير بعنوان "القتال حول السيارات الكهربائية الصينية ينقلب رأسا على عقب"، قال محللون إنه من الناحية المنطقية يمكن قبول أن تطالب شركات صناعة السيارات العنيدة في ألمانيا -الرائدة في السوق الأوروبية- بشدة بفرض رسوم استيراد على السيارات الكهربائية المدعومة ومخفضة الأسعار في الصين عند دخولها السوق الأوروبية، التي هي بالفعل في وضع دفاعي.
وفي العام الماضي تم تصنيع ما يقرب من خُمس السيارات الكهربائية المباعة في أوروبا في الصين، وهذا العام يمكن أن ترتفع هذه الحصة من المبيعات الأوروبية إلى الربع، فسيارة BYD الصينية الأنيقة Seagull تباع مثلا مقابل نحو 12000 دولار، في حين أن السيارة الكهربائية الأقل تكلفة في أوروبا هي Dacia Spring تباع بسعر 18500 دولار.
ومن الناحية المنطقية أيضا يمكن قبول أن يعارض أنصار حماية البيئة أي رسوم إضافية تجعل التكنولوجيا النظيفة، مثل السيارات الكهربائية، أكثر تكلفة، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يريد مضاعفة عدد السيارات الخالية من الانبعاثات على الطرق الأوروبية (حاليًا 12 مليونًا) إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، وكانت العقبة الرئيسية أمام التوسع في السيارات الكهربائية لسنوات هي تكلفتها الباهظة.
لكن الواقع هو عكس ذلك: فشركات صناعة السيارات الألمانية هي التي تطالب بإلغاء الرسوم الجمركية التي أعلنها الاتحاد الأوروبي حديثاً على السيارات الصينية، في حين حذر أنصار حماية البيئة من القيام بذلك، أما الألمان فيشعرون بالقلق إزاء الانتقام الصيني.
وتشعر شركات صناعة السيارات الألمانية بالذعر من أن أعمالها في الصين -خاصة السيارات ذات محركات الاحتراق الكبيرة التي تبيعها هناك- سوف تعاني، وبالتالي فإنها تجد نفسها، ومن عجيب المفارقات، في نفس الجانب من نزاع التعريفات الجمركية في الاتحاد الأوروبي مثل منافسيها الصينيين.
وفي الواقع، حقق فرع السيارات الألماني أرباحا جيدة جدا في السوق الصينية منذ فترة طويلة، ففي عام 2021 تفاخرت صناعات سلع السيارات الألمانية بفائض تجاري مع الصين يبلغ نحو 30 مليار دولار.
أما أنصار البيئة الأوروبيون فيشعرون بالقلق إزاء تقويض الوعود الرئيسية للصفقة الخضراء الأوروبية، على وجه التحديد، الزخم الاقتصادي والوظائف ذات الأجور المرتفعة داخل الاتحاد الأوروبي.
ويقول الصينيون إن أوروبا تدعم شركات صناعة السيارات لديها بكثرة، مشيرين إلى إعانات الدعم السخية، ودعم البحث والتطوير، والحوافز الضريبية، وعلى الرغم من صحة هذا فإن الخبراء يتفقون على أن شركات صناعة السيارات الصينية تستفيد أكثر بكثير من نظيراتها الأوروبية.