مستقبل العملات الرقمية في أوروبا.. هل تقود السوق أم تخسر السباق؟

يشهد الاتحاد الأوروبي جدلا محتدما حول مستقبل تنظيم العملات الرقمية، بين مساع لتعزيز حماية المستثمرين وتوحيد الرقابة، وبين مخاوف من إعاقة الابتكار التكنولوجي.
اعتبر الخبير الرقمي الفرنسي فريد تمساني، أستاذ الاقتصاد والمستشار في الذكاء الاقتصادي، أن النقاش الدائر داخل الاتحاد الأوروبي بشأن مستقبل تنظيم العملات الرقمية يكشف عن صراع مزدوج: بين الرغبة في حماية المستثمرين وتعزيز الثقة في الأسواق، وبين الحاجة إلى عدم خنق الابتكار التكنولوجي الذي تقوده الشركات الناشئة.
وجاء هذا الجدل عقب دعوة مشتركة لهيئات مالية كبرى في فرنسا وإيطاليا والنمسا لتوحيد الرقابة على قطاع العملات الرقمية المشفرة تحت إشراف مباشر من الهيئة الأوروبية للأسواق المالية (ESMA)، بحسب ما أوردته صحيفة لوموند الفرنسية.
وقال تمساني في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "قد تشكّل هذه الخطوة نقطة تحول في مستقبل صناعة الكريبتو داخل أوروبا"، موضحاً أن التحدي الحقيقي يكمن في تحقيق توازن بين حماية المستثمرين من المنصات غير الموثوقة وضمان بقاء أوروبا بيئة جاذبة للابتكار المالي والتكنولوجي".
وأضاف: "إذا بالغت بروكسل في فرض القيود، فقد تخسر أوروبا السباق أمام الولايات المتحدة وآسيا، حيث يُنظر إلى الكريبتو كقطاع استراتيجي".
وأكد تمساني أن الحل الأمثل يتمثل في "تنظيم ذكي" يقوم على رقابة أوروبية مركزية صارمة على المنصات الكبرى، مقابل مرونة أكبر للشركات الناشئة حتى لا يتضرر مسار التطوير والبحث.
وأوضح أن "إسناد الإشراف مباشرة إلى الهيئة الأوروبية للأسواق المالية خطوة منطقية لتوحيد المعايير"، لكنه حذّر في الوقت نفسه من "خطر البيروقراطية المركزية إذا لم يتم إشراك السلطات الوطنية في عملية اتخاذ القرار".
وأشار إلى أن الحل يكمن في "اعتماد قواعد مشددة على اللاعبين الكبار الذين يديرون مليارات، مع مرونة نسبية للشركات الناشئة"، مؤكداً أن "هذا النموذج المزدوج يحمي المستثمرين ولا يخنق الابتكار".
ورأى الخبير الرقمي الفرنسي أن "التشدد المفرط سيدفع الابتكار إلى الهجرة نحو وادي السيليكون أو آسيا، حيث البيئة أكثر مرونة"، مشيراً إلى أن "أوروبا أمام فرصة لتكون منطقة ذهبية للتكنولوجيا المالية إذا جمعت بين الحماية والمرونة".
وأضاف: "السيطرة الكاملة على عمالقة مثل Binance وCoinbase صعبة، لكن الاتحاد الأوروبي يملك ورقة ضغط قوية، إذ إن هذه المنصات إذا أرادت دخول السوق الأوروبية فعليها الالتزام بالقواعد".
وشدد تمساني على أن "الأولوية الآن هي توحيد معايير التنفيذ بين الدول الأعضاء"، لافتاً إلى أن "التعامل مع العملات المستقرة والتمويل اللامركزي يجب أن يكون أكثر وضوحاً، لأنهما يشكلان التحدي الأكبر".
وتابع قائلاً: "أوروبا تملك فرصة لتصبح مرجعاً عالمياً في تنظيم العملات الرقمية، لكن إذا سيطرت البيروقراطية على القرارات ستتأخر عن الولايات المتحدة وآسيا، وتتحول إلى مستهلك بدلاً من أن تكون مبتكرة".
ويأتي هذا النقاش بعد أقل من عام على دخول لائحة MiCA (الأسواق في أصول الكريبتو) حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2024، والتي فرضت قواعد أكثر صرامة على مزوّدي خدمات العملات الرقمية، ما أثار مطالب متزايدة بتعديل آليات تطبيقها.
ففي بيان مشترك صدر يوم 15 سبتمبر/أيلول الجاري، شددت هيئة الأسواق المالية الفرنسية (AMF)، ونظيرتاها الإيطالية (Consob) والنمساوية (FMA)، على ضرورة ضمان إشراف أكثر فاعلية على أسواق الكريبتو، بما يعزز تنافسية الشركات الأوروبية ويحمي في الوقت نفسه حقوق المستثمرين.
ورغم أن لائحة MiCA منحت للمزوّدين المعتمدين "جواز سفر أوروبياً" للعمل في جميع دول الاتحاد بعد الحصول على ترخيص من أي دولة عضو، لاحظت الهيئات الثلاث وجود تباينات كبيرة في التطبيق بين السلطات الوطنية.
وحذّرت هذه الهيئات من أنه إذا لم يتم إصلاح هذا الخلل، فقد تضطر إلى اتخاذ إجراءات احترازية لحماية المستثمرين المحليين. كما دعت إلى أن تتولى ESMA مباشرةً الرقابة على أبرز منصات الكريبتو الكبرى، مع إنشاء "نافذة موحدة" لتقديم طلبات إدراج العملات الرقمية الجديدة.
وأوضحت صحيفة لوموند أن المقصود هنا بالأساس هو المنصات العملاقة خارج الاتحاد الأوروبي، مثل Binance وCoinbase، التي لا تزال تستحوذ على جزء كبير من السوق الأوروبية.
وفي هذا السياق، قالت ماري-آن باربات-لاياني، رئيسة هيئة الأسواق المالية الفرنسية، في تصريح للصحيفة: "أنا مقتنعة بأنه عندما يتعلق الأمر بتنظيم اللاعبين الكبار، لا بد أن يكون هناك قائد واحد للطائرة. ومن المنطقي أن تكون ESMA هي هذا القائد".
وأضافت أن المنظومة الحالية "لا تمنحنا ضمانات كافية بشأن طريقة منح التراخيص في أوروبا"، وهو ما يعزز الحاجة إلى إطار أكثر صرامة وتوحيداً.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTkg جزيرة ام اند امز