4 طرق أوروبية للتعامل مع ترامب

في 2025 تواجه أوروبا العديد من التحديات لذا أصبحت القارة العجوز أكثر حرصا على حماية مصالحها الأمنية.
وهناك 4 فئات من القادة الأوروبيين الذين لكل منهم طريقة في التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ أولهم:"المتحمسون" وتضم حفنة صغيرة من الزعماء الشعبويين اليمينيين الذين يشاركونه رؤيته للعالم ويقلدون أسلوبه، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو.
أما الفئة الثانية، فهي هؤلاء "المشاركون" وتضم بولندا، ودول الشمال الأوروبي، ودول البلطيق، التي تحتل معظمها مرتبة بين أعلى الدول إنفاقا على الدفاع في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والتي تبذل جهودا براجماتية لبناء علاقة فعالة.
وثالثا، الوعاظ مثل المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتز، الذي تسممت علاقته بترامب بالازدراء المتبادل وفي الفئة الرابعة يوجد الفرنسيون فقط وهي فئة الانتهازيين مثل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يرى في العداوة عبر الأطلسي في ظل حكم ترامب فرصة لباريس لتزعم قيادة أوروبا ما بعد أمريكا وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وليس من قبيل المصادفة أن يكون أول الزعماء الأوروبيين الذين قدموا احترامهم لترامب في مقر إقامته في مار إيه لاغو بولاية فلوريدا بعد فوزه في الانتخابات هما أوربان وميلوني، وأن تشمل قائمة الضيوف في حفل تنصيبه العديد من الشعبويين من أقصى اليمين.
وينبع تقارب ترامب معهم من القرب الأيديولوجي، بما في ذلك وجهات نظر غير ليبرالية بشأن الديمقراطية والهجرة والقيم الثقافية، فضلا عن الإعجاب بالزعماء الأقوياء الاستبداديين كما أن ترامب يحب الإطراء الشخصي، الذي يأتي بصدق من السياسيين الشعبويين.
ومن غير المرجح أن يوفر القرب الأيديولوجي أساساً متيناً للعلاقة لأن السياسة الخارجية لترامب تسعى إلى تحقيق المصلحة الذاتية والتي قد لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الشعبويين.
ولم يتضح بعد ما الذي يمكن أن يقدمه أوربان، مثلا لترامب أو إلى أي مدى سيصل الإعجاب الشخصي المتبادل، خاصة وأن أوربان بذل جهودا كبيرة لبناء علاقات أوثق مع الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة التهديد الرئيسي لها.
ورغم الجذور الفاشية لحزبها، حققت ميلوني البراغماتية مكانة قوية في أوروبا وبالتالي، فإن علاقتها مع ترامب قد تكون أكثر أهمية على نطاق أوسع للقارة العجوز.
ويبدو أن روما تستثمر بكثافة في نهج معاملات، مثل المفاوضات الجارية مع شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك بشأن صفقة محتملة بقيمة 1.5 مليار دولار لخدمات الاتصالات الآمنة، لكنّ الخلاف قد يثور بسبب أن إيطاليا تنفق أقل من 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
وحتى لو تمكن الشعبويون الأوروبيون من انتزاع فوائد من ترامب، فليس من الواضح كيف سيؤثر ذلك على بقية القارة وبغض النظر عن الفرص المتاحة، فالواقع أن كل دولة تقف بمفردها.
أما دول الشمال المشاركة فلديها رؤية صارمة للأمن، وتفضيل استراتيجي للعلاقات المتينة عبر الأطلسي والاستعداد لاستئناف المعاملات التجارية التي يتبناها ترامب بشكل استباقي.
وهذه الدول هي الأكثر تعرضا لروسيا والأكثر قلقا بشأن الإنفاق الأوروبي غير الكافي على الدفاع، وسط المخاوف من تخلي الولايات المتحدة عن الحلفاء.
وتدرك دول الشمال، أنه كلما زاد إنفاقها على الدفاع، زادت احتمالات بقاء الولايات المتحدة في المنطقة وفي المساعدة في ردع روسيا.
ومؤخرا، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك "بدلا من القراءة بين سطور ترامب، دعونا نؤدي واجباتنا المنزلية" لكن زعماء مثل توسك سيحتاجون أيضا إلى إقناع الرئيس الأمريكي بالامتناع عن التصريحات أو الأفعال التي قد تزيد من خطر وقوع هجوم روسي ضد دولة عضو في الناتو.
وبروح إبرام الصفقات، كانت الدول الأسكندنافية حريصة على تقديم فوائد ملموسة لواشنطن، وقد يساعد الاهتمام الاستراتيجي لترامب بالقطب الشمالي كساحة للمنافسة بين القوى العظمى في إيجاد مشاريع مفيدة للطرفين.
وفيما يتعلق بالمجموعة الثالثة من الوعاظ الذين يعبرون عما يرون أنه موقف أعلى في مواجهة ترامب، فتمثلهم بوضوح ألمانيا التي تم الترحيب بزعيمتها السابقة أنغيلا ميركل خلال ولاية ترامب الأولى باعتبارها "زعيمة العالم الحر" الجديدة.
وعندما أعلن ترامب مؤخرا رغبته في السيطرة على غرينلاند، كان شولتز هو الذي قفز لإدانته، فيما يمثل وعظا فارغا خاصة وأن ألمانيا رفضت بوضوح تولي القيادة في صد روسيا.
وأخيرا فإن فرنسا تتمتع بسجل طويل من النظر إلى كل أزمة تضرب أوروبا باعتبارها تبريرا لأجندتها المتمثلة في الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي تحت زعامتها بالطبع، وعادة ما تكون موجهة ضد واشنطن.
والأكيد أن هناك قضية استراتيجية يمكن طرحها لصالح أوروبا لكي تكون أقل اعتمادا على القوى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة إلا أن ما يجعل الفرنسيين يظهرون كانتهازيين هو رغبتهم في قيادة أوروبا واستخدام الاتحاد الأوروبي كوسيلة لتحقيق مصالحهم.
وفي الوقت نفسه، كانت باريس غير راغبة في التخلي عن استقلاليتها مثلا من خلال تحويل مقعدها الدائم في مجلس الأمن إلى مقعد مشترك للاتحاد الأوروبي.
وحتى وقت قريب، أصرت فرنسا على توجيه أموال الدفاع التابعة للاتحاد الأوروبي فقط إلى شركات الدفاع الأوروبية ما يعني، بشكل كبير، الشركات الفرنسية، وهو ما قوض مصلحة دول شمال وشرق أوروبا في إبقاء واشنطن منخرطة في أمنهم، من خلال شراء الأسلحة الأمريكية.
كما أن الصناعة الأوروبية تفتقر إلى القدرة على تلبية الاحتياجات الدفاعية الواسعة والعاجلة لأوروبا وترى الدول التي تواجه تهديدًا وجوديًا من روسيا، أنه من غير الحكمة الإدلاء بتصريحات كبيرة حول استقلالية أوروبا بينما تفتقر القارة إلى القدرات اللازمة للدفاع عن نفسها.
لكن الطموح الفرنسي يمكن أن يخدم المصالح الأوروبية، وكان اجتماع ماكرون مع ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في باريس في ديسمبر/كانون الأول الماضي مثالا جيدا حيث أظهر الفرنسيون مهارة دبلوماسية كافية لإرضاء الرئيس الأمريكي والإشارة في الوقت نفسه إلى استعدادهم للدفاع عن مصالحهم.
وقد تكون ولاية ترامب الثانية كارثة بالنسبة لأوروبا لعدة أسباب فقد يعقد صفقة سيئة مع روسيا حول أوكرانيا، ويعطل التجارة العالمية، ويقلب الدول الأوروبية ضد بعضها البعض، ويزيد من الاضطرابات من خلال تمكين الأحزاب اليمينية.
وحتى أفضل حلفاء ترامب يجب أن يكونوا مستعدين للرد على تصريحاته مثل رفضه استبعاد القوة العسكرية للسيطرة على جرينلاند.
وسيتعين على الأوروبيين التعامل مع ترامب، والحفاظ على بقاء الناتو وتعزيز وكالتهم، وبناء قوة عسكرية لا يستهان بها.