«جليد» قبل الشتاء.. استراتيجية ترامب تغضب أوروبا
العلاقات بين أمريكا وأوروبا تصل لأدنى مستوياتها في ظل انتقاد لاذع تضمنته استراتيجية دونالد ترامب الأمنية للقارة العجوز.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنه مع انتقادها الشديد لأوروبا، أثارت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، موجة من الاستياء عبر المحيط الأطلسي.
وقال المسؤولون الأوروبيون إن الوثيقة حولت انتقادات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اللاذعة للديمقراطيات الأوروبية إلى سياسة رسمية.
جاء ذلك في الوقت الذي تأجج فيه التوتر بين الحلفاء بسبب مساعي ترامب لوقف حرب أوكرانيا بشروط مواتية لروسيا، بالإضافة إلى إعلان الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضي عن غرامة تُقدّر بنحو 140 مليون دولار على شركة "إكس" لانتهاكها القواعد الرقمية للاتحاد.
بأدنى المستويات
هذه التوترات دفعت العلاقات عبر الأطلسي إلى أدنى مستوياتها منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، كما يدعو إيلون ماسك، مالك شركة "إكس"، إلى إلغاء الاتحاد الأوروبي.
بينما يُهاجم أنصار ترامب التكتل وذلك وفقا لما ذكرته الصحيفة التي أشارت إلى أن المسؤولين الأوروبيين يصفون القواعد الرقمية بأنها مسألة سيادة.
ووصفت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الاتحاد الأوروبي بأنه تهديد أكبر من روسيا أو الصين، وقالت إن أوروبا تُخاطر "بالانقراض الحضاري" بسبب المهاجرين والسياسات الاجتماعية التقدمية.
في المقابل، يقول مسؤولون ومحللون أوروبيون إن الوثيقة تكشف عن عمق الخلاف في التحالف الغربي الذي يبلغ عمره 80 عامًا، وتُعدّ دليلاً على أن الدول الأوروبية ينبغي أن تسعى جاهدةً لتحقيق استقلال عسكري أكبر.
وكان أول هجوم لاذع على أوروبا من نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في فبراير/شباط الماضي خلال خطابه في مؤتمر ميونخ للأمن الذي اتهم فيه الحكومات الأوروبية بفرض رقابة على المعارضين السياسيين، وخاصة أقصى اليمين من خلال تقييد خطاب الكراهية، واعتبر أنها خلقت "أهوالًا" بقبولها عددًا كبيرًا من المهاجرين.
كما نشبت خلافات عبر الأطلسي حول الرسوم الجمركية واللوائح التنظيمية، وقال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في فعالية بباريس يوم الإثنين الماضي: "بات واضحًا الآن أن خطاب فانس في ميونخ وتغريدات ترامب أصبحت عقيدة رسمية للولايات المتحدة، وعلينا أن نتصرف وفقًا لذلك".
وحث كوستا أوروبا على إدراك أن "تحالفات ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تغيرت" والاستعداد "لحماية أنفسنا ليس فقط من خصومنا، ولكن أيضًا من حلفائنا الذين يتحدوننا".
ويبدو أن جهود قادة أوروبا لإقناع ترامب بالتوصل إلى اتفاق بشأن التعريفات الجمركية، والموافقة على زيادة الإنفاق العسكري، وتولي الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، لم تحدث فرقًا.
وقالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية ومقره روما ومستشارة السياسة الخارجية السابقة للاتحاد الأوروبي: "هناك اعتراف متزايد بأن استراتيجيتهم لم تنجح".
وأضافت أن الاستراتيجية الأمريكية تصف القارة بأنها "المنطقة الوحيدة في العالم التي يبدو أن الديمقراطية فيها مهددة" وتكرر نظرية "الاستبدال العظيم" وهي ادعاء لا أساس له من الصحة بأن السكان البيض يتم استبدالهم عمدًا بمهاجرين غير بيض.
كما "تتبنى رواية" روسيا، التي ألقت باللوم على الأوروبيين في حرب أوكرانيا.
كما أثار احتضان الاستراتيجية الأمريكية للأحزاب القومية الأوروبية، ووعدها بـ"تعزيز مقاومة المسار الحالي لأوروبا" ردود فعل سلبية أيضًا، وقال كوستا "ما لا يمكننا قبوله هو هذا التهديد بالتدخل في الحياة السياسية الأوروبية".
وأعرب المفوض الأوروبي السابق، تييري بريتون عن نفس الرأي، قائلاً إن الوثيقة "صادمة للغاية"، حيث يرى البيت الأبيض المؤسسات الأوروبية "عدوًا" يسعى إلى "زعزعة استقراره".
حرب على «إكس»
وفي حرب تغريدات على منصة "إكس"، قال عضو في البرلمان الأوروبي من ألمانيا إن القارة لا تريد "حكمًا تكنولوجيًا شموليًا"، وكتب آخر، من فرنسا أن "أوروبا ليست مستعمرة للولايات المتحدة".
لكن البعض انتقد الاتحاد الأوروبي والقادة الوطنيين لعدم ردهم بقوة أكبر، ووصف كبير الدبلوماسيين السابق في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الاستراتيجية الأمريكية بأنها "إعلان حرب سياسية"، وقال إن ترامب يبدو أنه يريد "أوروبا بيضاء مقسمة إلى دول تابعة".
ودعا بوريل القادة الأوروبيين إلى "التوقف عن التظاهر بأن ترامب ليس خصمنا، مختبئًا وراء صمت مريب وراضٍ، والتأكيد بدلًا من ذلك على سيادة الاتحاد الأوروبي".
في المقابل، شكا نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو، بعد زيارة لمقر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من سعي الدول الأوروبية إلى "جميع أنواع الأجندات التي غالبًا ما تكون معادية تمامًا لمصالح الولايات المتحدة وأمنها".
ترحيب وسط الغضب
مع ذلك، لم يكن الجميع مستاء من الاستراتيجية الأمريكية حيث رحب حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي تصنفه السلطات الألمانية كحزب متطرف، بالاستراتيجية واعتبرها "اختبارًا واقعيًا للسياسة الخارجية لأوروبا، وخاصة لألمانيا".
وأشاد رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بإيلون ماسك "لصموده" في وجه ما وصفه بـ"هجوم على إكس" من "أسياد بروكسل" في السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.
ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الغرامة المفروضة على "إكس" بأنها "هجوم على جميع منصات التكنولوجيا الأمريكية والشعب الأمريكي من قِبل حكومات أجنبية".
بينما نشر ماسك سلسلة من المنشورات ضد الاتحاد الأوروبي الذي قال إنه "يجب إلغاؤه وإعادة السيادة للدول" ورد الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف عليه قائلا "بالضبط".
ورحبت موسكو بجوانب من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وقالت المتحدثة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا إن روسيا تأمل أن "يكون لها تأثير على معسكر الحرب الأوروبي".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg4IA==
جزيرة ام اند امز