خطة سلام أوكرانيا.. ماذا يريد الاتحاد الأوروبي؟
تتكرر في العواصم الأوروبية اليوم صورة سياسية مألوفة ومحبطة، عقب إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
فكما حدث بعد قمة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا خلال أغسطس/آب الماضي، سعى القادة الأوروبيون إلى الإشادة العلنية بمساعي واشنطن لإنهاء الحرب، بينما عملوا في الخفاء على تقويض أي مبادرة لا تنسجم مع رؤيتهم القصوى وغير الواقعية القائمة على استسلام روسي كامل.
وبحسب تقرير لموقع مجلة "ريسبونسبول ستيت كرافت" لا تستهدف هذه التحركات الأوروبية صياغة سلام أفضل، بل السعي إلى تفريغ المقترح الأمريكي من عناصره الأساسية إلى أن يصبح غير مقبول لدى موسكو. وهو ما يعني، عمليًا، العودة إلى سيناريو الحرب الطويلة، رغم تحول موازين الميدان الحالية لصالح روسيا، وتزيد من استنزاف أوكرانيا.
وقد جاءت ردود الفعل الأوروبية على خطة ترامب سريعـة وواضحة. فوفقًا لوكالة بلومبرغ، انضم كير ستارمر، وفريدريش ميرتس، وإيمانويل ماكرون إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في رفض أبرز بنود المقترح الأمريكي. وتبرز برلين كأشد العواصم تشددًا داخل “الثلاثي الأوروبي”، إذ تعمل على إعداد مقترح مضاد يتوافق بصورة أكبر مع مطالب كييف.
غياب رؤية أوروبية حقيقية للسلام
وفي موازاة ذلك، عرضت كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ما وصفته بـ"الاستراتيجية الكبرى" لتحقيق السلام، وتختصرها في هدفين، هما إضعاف روسيا، ودعم أوكرانيا.
غير أن هذه “الاستراتيجية” تفتقر إلى أي تصور لمخرج دبلوماسي، أو تصور لأمن أوروبا المستقبلي، أو حتى لإقرار بالحاجة إلى تسويات مؤلمة. وهكذا، لا تبدو هذه خطة سلام بقدر ما هي شعارات سياسية تُترجم إلى حرب ممتدة وتدمير إضافي لأوكرانيا، مع مخاطر متزايدة للتصعيد.
قراءة واقعية للخطة الأمريكية
ورغم الانتقادات الأوروبية التي وصفت خطة ترامب بأنها “استسلام”، يرى الباحث الروسي مارك غاليوتي أنها، رغم ضعف صياغتها، ليست دعوة للاستسلام الأوكراني، بل تقدم أساسًا معقولًا لوقف القتل.
فالخطة تقترح: "جيشًا أوكرانيًا قوامه 600 ألف جندي، وهو رقم يراه محللون قابلاً للاستدامة، ومعالجة مرنة لقضية الأراضي المحتلة في دونباس والقرم من دون اعتراف قانوني بسيادة روسيا عليها. وآلية لتحويل 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة إلى صندوق لإعادة إعمار أوكرانيا".
أما الشرط المتعلق بالتخلي عن الانضمام للناتو، فيُعد ــ من منظور عملي ــ بندًا غير مُلزِم، لأن القادة الأوروبيين أنفسهم يعرفون أن عضوية أوكرانيا في الناتو لن تتحقق، نظرًا لعدم استعدادهم للدفاع عنها عسكريًا. فلماذا إذن إطالة أمد الحرب دفاعًا عن هدف غير واقعي؟
الاعتراض على حماية الأقليات
كما اعترضت بعض الدول الأوروبية على البنود المتعلقة بحماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية في أوكرانيا، رغم أن الخطة تستند إلى معايير الاتحاد الأوروبي نفسها، وليس إلى إملاءات روسية. ومنطقياً، فإن تعزيز حقوق الأقليات في بلد متعدد الأعراق والأديان يمثل استثمارًا طويل الأجل في استقرار الدولة.
المفارقة أن نافذة التفاوض الحالية لا تنبع من ضعف روسي. فبوتين يؤكد أن “ديناميكية الجبهة الحالية” تقرب بلاده من تحقيق أهدافها عسكريًا. لكنه أقر كذلك بأن موسكو تلقت الخطة الأمريكية ومستعدة للتفاوض على أساسها، واصفًا إياها بأنها يمكن أن تكون “أساسًا” لتسوية نهائية. وهذا يشير إلى انفتاح روسي على اختبار إمكانات الحلول الدبلوماسية.
أوروبا أمام لحظة حاسمة
أمام هذا الوضع، على أوروبا أن تختار بين مسارين، إما الاستمرار في المسار الحالي برفض خطة ترامب، وتشجيع كييف على إدخال شروط تعجيزية، وصياغة مقترحات مضادة غير قابلة للتطبيق، بهدف تعطيل المبادرة داخل واشنطن نفسها. أو المجازفة بفقدان نفوذها بالكامل، إذ تمكن ترامب من إقناع زيلينسكي، الذي أضعفته فضائح الفساد داخل دائرته الضيقة، بأن الخطة الأمريكية هي الخيار الأقل سوءًا.
عندها قد تجد أوروبا نفسها خارج أي تسوية تُنهي أكبر حرب شهدتها القارة منذ عقود، بعدما فشلت في تقديم بديل حقيقي. وقد يكون الاتصال “الجيد” الذي أجراه ميرتس مع ترامب محاولة استباقية لتفادي هذا السيناريو، رغم التكتم على تفاصيله.
نحو سلام واقعي أم حرب بلا نهاية؟
وخلص التقرير إلى أن أي اتفاق سلام قابل للتنفيذ سيحتاج إلى تنازلات مؤلمة من جميع الأطراف. ولن يتحقق الاستقرار طالما تصر الأطراف الأوروبية على سياسة أحادية قوامها إضعاف روسيا وتسليح أوكرانيا فقط.
وبذلك، فإن السعي الأوروبي لإفراغ الخطة الأمريكية من مضمونها لا يحمي أوكرانيا، بل يحكم عليها بمزيد من الدماء، ويقود أوروبا إلى هامش التأثير الاستراتيجي. فبديل خطة ترامب، رغم نواقصها، ليس سلامًا أفضل، بل حرب لا نهاية لها، وحينها ستكون أوروبا هي الخاسر الأكبر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg
جزيرة ام اند امز