بين تشاؤم ميركل وتفاؤل ماكرون.. يوم "حاسم" للقمة الأوروبية
تستمر القمة الأوروبية في جولة أخرى اليوم الأحد، ولكن التوصل لاتفاق من عدمه يظل أمرا مشكوكا فيه
يبدو أن مفاوضات القادة الأوروبيين تتجه إلى الاتجاه الصحيح بعد اقتراح جديد لخطة الإنقاذ طرحه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بالرغم من أنهم لم يتمكنوا من حل العديد من الأسئلة الشائكة التي تعيق الاتفاق.
ومن المقرر أن يجتمع رؤساء الحكومات الأحد (1000 بتوقيت جرينتش) خلال يوم حاسم من المناقشات، بعد أن مدد قادة الاتحاد الأوروبي الـ 27 قمتهم ليوم إضافي، في مسعى لإبرام صفقة بشأن حزم تحفيز ضخمة بمليارات اليورو لاقتصاداتهم المتضررة من فيروس كورونا.
بين تشاؤم وتفاؤل، خرجت تصريحات أكبر شريكين في القمة، وهما ألمانيا وفرنسا.
حيث صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها تعتبر إخفاق القمة الأوروبية أمرا واردا، وفي المقابل قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه ثمة رغبة في تقديم حلول وسط لإبرام اتفاق.
تريد ألمانيا وفرنسا برنامجا للتعافي الاقتصادي بقيمة 1.8 تريليون يورو (2.06 تريليون دولار) لإنقاذ اقتصادات المنطقة من أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
ويثور الخلاف على حجم صندوق التعافي الجديد ونسبة المنح والقروض، إذ تسعى بعض الدول الأكثر ثراء بقيادة هولندا لتقييد ذلك، بما يسلط الضوء على عمق الانقسام بين دول شمال وجنوب الاتحاد الأوروبي.
وعلى نحو منفصل، تواجه القمة مصاعب في الاتفاق علي تخفيضات في ميزانية الاتحاد للدول الأغنى، فضلا عن الخلاف على آلية جديدة مقترحة قد تجمد تمويل الاتحاد الأوروبي للدول التي تنتهك المبادئ الديمقراطية.
- طريق مسدود لخطة الإنعاش.. الاتحاد الأوروبي يمدد قمته يوما آخر
- قمة استثنائية.. قادة أوروبا يعلنون الحرب على الفيروس بحزم اقتصادية ضخمة
وبعد أن دعا ميشيل إلى محادثات مساء أمس السبت بعد أكثر من 38 ساعة من بدء القمة قال مصدر دبلوماسي ألماني لوكالة الأنباء الألمانية إن "المداولات في مرحلة مهمة ولا يمكن القول ما إذا كان يمكن التوصل إلى حل (الأحد)".
وأضاف المصدر "لكن الأمر يستحق مواصلة العمل لأن هناك استعدادا واسعا بين الدول الأعضاء لإيجاد حل".
تشمل القضايا الرئيسية التي تعوق الاتفاق حتى الآن كيفية الإشراف على إنفاق الأموال، وما هو التوازن بين القروض والمنح التي يجب تقدم بها الأموال، وكيفية تضمين آلية تربط الوصول إلى الأموال بالامتثال لمعايير سيادة القانون.
وبعد أسابيع من المشاورات المحمومة وبعض الانتقادات الصاخبة، قام رئيس المجلس الأوروبي بتغيير تركيبة حزمة التحفيز، واقترح أن يقوم الصندوق بدفع بمبلغ 450 مليار يورو على شكل منح و300 مليار يورو على شكل قروض.
ميركل: القمة قد لا تسفر عن اتفاق
وصرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها تعتبر إخفاق القمة الأوروبية بالنسبة لحزمة إعادة الإعمار المخطط لها بالمليارات في ظل أزمة كورونا، أمرا واردا .
وقالت ميركل صباح اليوم الأحد في بروكسل عند بدء اجتماع القمة في اليوم الثالث من المشاورات: "لا يزال لا يمكنني قول إذا ما كان سيتم التوصل لحل أم لا".
وأضافت المستشارة الألمانية: "هناك الكثير من النوايا الحسنة، ولكن هناك أيضا كثيرا من المواقف.. ولكن من الممكن ألا يتم التوصل لنتيجة اليوم أيضا"، وأكدت ميركل أن اليوم الثالث في القمة سيكون بالتأكيد يوما حاسما في المفاوضات.
يذكر أن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل قرر تمديد القمة لمدة يوم من أجل العمل على مقترح تسوية جديد على مدار الليل.
ماكرون: ينبغي رفع سقف الطموحات
ومن جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الأحد إنه ثمة رغبة في تقديم حلول وسط لإبرام اتفاق بشأن صندوق التعافي الاقتصادي خلال قمة الاتحاد الأوروبي، لكن ينبغي ألا يكون ذلك على حساب طموحات الاتحاد.
وصرح لدى وصوله لاجتماعات اليوم الثالث من أعمال القمة التي تواجه مأزقا منذ انطلاقها "يجب ألا تثنينا الرغبة في التوصل لحل وسط عن بلوغ طموحات مشروعة ينبغي أن نسعى إليها.. سنرى خلال الساعات المقبلة إذا كان يمكن التوفيق بين الأمرين".
وتابع "لا علاقة للأمر بالمبدأ، لكن لأننا نواجه أزمة صحية واقتصادية واجتماعية استثنائية، ولأن دولنا بحاجة إليها، نحتاج إلى وحدة صف أوروبية".
دبلوماسيون: ميركل وماكرون على استعداد لتقديم تنازلات
وصرح دبلوماسيون فرنسيون بأنه من الممكن أن يصير البرنامج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من أجل مواجهة تداعيات كورونا أصغر مما كان مقترحا في الأساس.
وبحسب تصريحات الدبلوماسيين، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على استعداد لإدخال 400 مليار يورو فقط للمخصصات المالية غير القابلة للسداد بدلا من الـ500 مليار يورو التي كان مخططا لها في الأساس.
ولكن لن يتم القبول بمخصصات أقل من ذلك، بحسب ما نقله الدبلوماسيون ليلة السبت/الأحد في القمة الأوروبية في بروكسل.
يشار إلى النمسا والدنمارك والسويد وهولندا وفنلندا تعارض هذا البرنامج، وتسعى لمنح قروض فحسب بدلا من تلك المخصصات من أجل تحفيز دول مثل إيطاليا وإسبانيا نحو إصلاحات أسرع.
وبحسب الدبلوماسيين ليلة السبت/الأحد، لم يسفر لقاء ميركل وماكرون مع رؤساء دول وحكومات الدول الخمس عن أية نتائج ملموسة، وبعد مساعي حثيثة للتوصل لتسوية، ترك ميركل وماكرون الأمر.
رئيس وزراء بلغاريا يؤيد اقتراحات سيادة القانون
ذكر رئيس وزراء بلغاريا، بويكو بوريسوف أنه يؤيد الدول التي تقدم اقتراحات بسيادة القانون في محادثات الميزانية.
وقال قبل اجتماعات بشأن الميزانية "مساء أمس السبت، أيدت بطريقة قوية للغاية هؤلاء الزملاء الذين يتحدثون لصالح سيادة القانون".
غير أنه أضاف أنه سيتعين أن يكون هناك "حل وسط" لتبديد مخاوف بعض دول الاتحاد الأوربي الأخرى.
المجر تصر على عدم ربط سيادة القانون بميزانية الاتحاد
بينما يصر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على أن سيادة القانون لا يجب أن تكون مرتبطة بميزانية الاتحاد الأوروبي كما اقترح رئيس وزراء هولندا، وقال إنه مستعد "للبقاء لمدة أسبوع" إذا تطلبت المفاوضات ذلك منه .
وأكد مجددا أنه يدعم سيادة القانون بشكل عام، ويقول إن الوفد الهولندي كان يحاول إنشاء آلية جديدة تتطلب تعديل المعاهدة.
وقال: "لا أعرف ما هو السبب الشخصي الذي يجعل رئيس الوزراء الهولندي يكرهني، أو يكره المجر، لكنه يهاجم بقسوة شديدة"، مشيرا إلى أنه لا يزال هناك الكثير من الخلافات بين الأطراف المختلفة. "لذا علينا أن نوضح أنه إذا لم يتم التوصل لاتفاق، فهذا ليس بسببي، ولكن بسبب الرجل الهولندي، لأنه بادر بشيء ما".
وأضاف: "لكن نحن المجريين مستعدون للبقاء. ندير فندقنا لمدة أسبوع".
وبشكل رسمي سوف تستمر القمة الأوروبية في جولة أخرى اليوم الأحد، ولكن التوصل لاتفاق من عدمه يظل أمرا مشكوكا فيه.
ويواصل قادة الاتّحاد المجتمعون منذ صباح الجمعة في بروكسل البحث عن تسوية، في وقتٍ تصطدم المحادثات بمعارضة شديدة من جانب دول صارمة في الشؤون المالية، على رأسها هولندا.
وفي صلب المحادثات، خطة إنعاش لما بعد كوفيد-19 بقيمة 750 مليون يورو يمولها قرض مشترك، وهي فكرة مستوحاة من اقتراح تقدم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وتتألف هذه الخطة في صيغتها الأولى من 250 مليون يورو من القروض ومساعدات مالية بقيمة 500 مليار لن يترتب على الدول المستفيدة منها إعادتها. وهي تستند إلى ميزانية طويلة الأمد (2021-2027) للاتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو.
- تفاصيل العشاء الصعب
وبعد عشاء أقيم مساء أمس السبت، جمع رئيس المجلس الأوروبي وقائد القمة شارل ميشيل الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية وقادة الدول "المقتصدة".
وقال مصدران أوروبيان لوكالة فرانس برس إن "هذا الاجتماع كان صعبا جدا". فبعد محاولات عدة لإيجاد حل، غادرت ميركل وماكرون الاجتماع لمقابلة الزعيم الإيطالي جوزيبي كونتي في الفندق الذي ينزلان فيه، وفقا لمصدر دبلوماسي.
وكان الزعيمان يتوقعان خطوة من "الدول المقتصدة" إلا أنها لم تأت: أمام الصحافيين، أعلن رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي "أنه لم يسمع أن هناك مهلة"..
وقدم شارل ميشال السبت اقتراحا منقحا لمحاولة رفع التحفظات عن خطة الإنعاش. ويفترض أن يقوم بذلك الأحد مرة جديدة.
ومن الخيارات المطروحة تعديل التوزيع بين القروض والمنح عن طريق زيادة حصة الأولى إلى 300 مليار (مقابل 250 في الاقتراح الأولي) دون خفض حصة المنح المخصصة لدعم خطط الإنعاش الخاصة بدول معنية.
ومن الواضح أن "الدول المقتصدة" تفضل القروض على المنح. لكن باريس وبرلين ترفضان أن تكون قيمة المنح أقل من 400 مليار دولار.
- حق التعطيل
يقترح ميشال آليّة تسمح لأيّ بلد لديه تحفّظات على خطّة إصلاح أيّ بلد آخَر، أن يَفتح "خلال ثلاثة أيّام" نقاشاً بمشاركة الدول الـ27 إمّا في المجلس الأوروبي أو في مجلس وزراء الماليّة.
وهذه الخطوة هي رد على روتي الذي يريد أن تتم الموافقة على هذه الخطط الوطنية بإجماع الدول الـ27 ما يمنح فعليا لكل عاصمة حق التعطيل.
وتلقي البلدان "المقتصدة" باللوم على جيرانها في الجنوب التساهل في ميزانياتها وافتقار اقتصاداتها للقدرة التنافسية.
لكن هذه المطالب الملحة للإصلاحات تقلق روما ومدريد اللتين تخشيان مواجهة برنامج إصلاح مفروض (سوق العمل والرواتب التقاعدية...) مثل ما حصل مع اليونان في السابق.
كما اقترح ميشال توفير "تخفيضات" معينة للدول بينها "المقتصدة" التي تعطي للاتحاد الأوروبي أموالاً أكثر مما تتلقّى منه.
ستكون هذه الحال بالنسبة إلى فيينا وكوبنهاجن وستوكهولم لكن ليس بالنسبة إلى لاهاي وبرلين اللتين لا تزال حسوماتها دون تغيير.
كما تتطرّق القمّة إلى موضوع حسّاس آخر، هو ربط منح الأموال باحترام "دولة القانون". وبإمكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن يستخدم حقّ التعطيل لوقف أيّ محاولة لربط تمويل الموازنات بالمحافظة على المعايير القانونية الأوروبية.