من يقف وراء الحملة ضد الإمارات والسعودية في البرلمان الأوروبي؟
في صباح 16 سبتمبر/أيلول الجاري، كان العالم يبدأ يوما عاديا، وسط الأحداث المعروفة والمجدولة مسبقا، لكن البعض خطّط لهذا اليوم بشكل مختلف، على أمل النيل من قصة نجاح كبيرة في المنطقة العربية.
في هذا اليوم، سارت الأمور كما خطط لها، وصوّت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار بشأن حقوق الإنسان في دولة الإمارات، بأغلبية تعكس مدى الانقسام حوله، إذ دعمه 383 نائبا، ورفضه 47 آخرون، وامتنع عن التصويت 259.
مشروع القرار الذي حمل عنوان "سجل حقوق الإنسان في الإمارات"، لم يكن هدفه هذه الحقوق أو حمايتها، بقدر ما كان هدفه تحقيق أهداف بعض المنظمات التي وقفت خلفه، وهو النيل فقط من تجربة نجاح، هي معرض إكسبو 2020 الذي تنظمه دولة الإمارات.
ونص القرار في مادته الـ14 على: "ندعو الشركات الدولية التي ترعى إكسبو 2020 إلى سحب رعايتها، ونشجع الدول الأعضاء على عدم المشاركة في الحدث".
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تمرير مشروع قرار بغلاف إنساني في البرلمان الأوروبي، لكن بأهداف سياسية واضحة.
ففي 11 فبراير/شباط 2021، مرر البرلمان الأوروبي مشروع قرار أيضا تحت عنوان "الوضع الإنساني والسياسي في اليمن، تضمن في مادته الثالثة "المطالبة بفرض حظر كامل على تصدير المعدات الأمنية إلى الإمارات والسعودية".
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مرر البرلمان الأوروبي مشروع قرار حول "وضع المهاجرين الإثيوبيين في معسكرات الاعتقال السعودية".
وتضمن النص أيضا مادة غريبة إذ دعا في مادته الـ25، الدول الأوروبية إلى تقليل مستوى تمثيلها في قمة العشرين التي عقدت في السعودية نوفمبر/تشرين ثاني 2020.
وبين القرارات الثلاثة عدة أوجه تشابه، ورابط واحد، هو عدد من المنظمات والأفراد، يقود تتبع أنشطتها إلى مورد واحد أيضا، وفق تحقيق أجرته "العين الإخبارية".
ماذا حدث؟
في القرارات الثلاثة سارت الأمور بشكل مشابه إلى حد كبير، حيث وقفت مجموعة من المنظمات المتشابكة وراءه، ولعبت دور جماعات الضغط من أجل إصداره، وتحقيق هدف سياسي واضح من وراء عنوان إنساني.
البداية بالقرار الخاص بالمهاجرين الإثيوبيين في السعودية، إذ ظهر الأمر في البداية وكأنه مسار اعتيادي لإصدار قرار بتوصية غير ملزمة داخل أروقة البرلمان الأوروبي، لكن مجموعة من المنظمات بدأت في الافتخار بنجاح حملة الضغط التي نظمتها في إصدار هذا القرار.
فعلى موقعها الإلكتروني، كتبت منظمة "الحرية للأمام" (فريدوم فورورد)، وهي منظمة ضغط تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، في قسم النجاحات، أنها "نظمت بالتحالف مع مجموعة من المنظمات حملة ناجحة لمقاطعة قمة العشرين التي جرت في السعودية في 2020".
وفي تفصيلها لمظاهر "الحملة الناجحة"، كما وصفتها، قالت المنظمة إنها "نجحت في دفع البرلمان الأوروبي لمطالبة الدول الأعضاء في التكتل بخفض درجة تمثيلها في قمة العشرين، في اعتراف واضح بلعب دور في خروج قرار البرلمان في هذا الشأن".
وفي فبراير/شباط الماضي، شاركت نفس المنظمة في حملة لدفع البرلمان الأوروبي لإصدار قرار آخر تحت عنوان إنساني "الأوضاع السياسية والإنسانية في اليمن"، ولكن يتضمن نصا سياسيا واضحا بفرض حظر على تصدير السلاح والمعدات الأمنية للإمارات والسعودية.
واختتمت المنظمة وشركاؤها حملة الضغط بخطاب موجه إلى أعضاء البرلمان الأوروبي في 10 فبراير/ شباط 2021، أي ليلة التصويت على القرار، تدعوهم فيه للتصويت على مشروع القرار بنصه الذي يتضمن حظر تصدير السلاح.
وجاء في نص الخطاب الذي نشرته "فريدوم فورورد" على موقعها الإلكتروني: "سيصوت البرلمان الأوروبي على القرار الخاص بالوضع السياسي والإنساني في اليمن".
وحددت على وجه الخصوص الفقرتين 11 و12 من المقترح، وقالت "تكرر هذه الفقرات دعوات البرلمان الأوروبي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لوقف مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية والإمارات".
وأضافت: "لذلك نناشدكم أن تصوتوا لصالح الفقرتين 11 و12 بأكملها ونص الاقتراح المشترك ككل".
ووقع الخطاب عدة منظمات منها "Freedom Forward" و"Just foreign policy" و"Yemen Relief".
هذا الخطاب جاء في إطار حملة ضغط تقودها هذه المنظمات تحت شعار "قاطع الإمارات والسعودية"، يدعمها عدد من النشطاء أبرزهم "شيرين العديمي، وجيهان حكيم، وسجنيف بري، وحسن الطيب".
وفي 16 سبتمبر/ أيلول الجاري، مرر البرلمان الأوروبي القرار الثالث تحت شعار "حقوق الإنسان في الإمارات"، لكنه تضمن أيضا بعدا سياسيا، إذ دعا إلى مقاطعة معرض إكسبو في الإمارات.
وقبل يوم من تمرير هذا القرار، وقبل أن يعلم به الرأي العام، نشر سنجيف بري، مدير منظمة "الحرية للأمام" على حسابه بموقع تويتر تغريدة مرفق معها صورة ضوئية للفقرة 14 من القرار.
وكتب سنجيف: "هل يدعو البرلمان الأوروبي الشركات والحكومات للانسحاب من معرض دبي إكسبو الإماراتي؟"، مضيفا "يحاول حلفاء الإمارات حذف الطلب من القرار".
تغريدة سنجيف التي أظهرته على علم كبير بما يدور خلف الكواليس في مداولات الأعضاء الأوروبيين قبل يوم من التصويت على القرار الخاص بالإمارات.
سنجيف بري لم يكتف بما سربه من مداولات ما قبل القرار، لكنه ومنظمته والمنظمات المتحالفة معها، احتفوا لأيام بصدور هذا القرار، وتمريره في البرلمان الأوروبي.
وقبل أيام، أقر بأن منظمته ضغطت من أجل إصدار القرار، وكتب على صفحته بتويتر "حققت حملتنا لمقاطعة أكسبو فوزا كبير"، مضيفا "دعا البرلمان الأوروبي إلى مقاطعة إكسبو دبي".
حديث سنجيف دفع "العين الإخبارية" لطلب رد من الاتحاد الأوروبي حول إمكانية حدوث تأثير من منظمات مجتمع مدني أو منظمات ضغط على أي مرحلة من مراحل صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.
ورد المسؤول الصحفي للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، فيكتور المقفيست، على سؤال "العين الإخبارية" قائلا: "غالبا ما يشارك أعضاء البرلمان الأوروبي، على سبيل المثال، مع المجتمع المدني من أجل جمع المعلومات للمناقشات والقرارات، لكن من الصعب تحديد الأمر".
وتابع: "في نهاية الأمر، يقرر أعضاء البرلمان الأوروبي ما يريدون قوله والتصويت عليه، حتى فيما يتعلق بقرار الإمارات".
ووفق تقرير سابق لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن جماعات الضغط تعد صناعة كبيرة في بروكسل، تقدر قيمتها بمليار يورو.
ونقلت الصحيفة عن حملة رقابية أوروبية أن هناك ما لا يقل عن 30 ألفا من أعضاء جماعات الضغط في بروكسل، ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد واشنطن من حيث عدد جماعات الضغط التي تعمل للتأثير على التشريعات والقرارات.
من وراء الحملة؟
القرار الأخير الصادر من البرلمان الأوروبي لا يمكن نزعه من سياقه، أو من الحملات الأوسع في الفترة الماضية ضد السعودية والإمارات بشكل محدد، والمرتبط بدعمهما للسلطات الشرعية في اليمن ضد الانقلاب الحوثي.
فالقرار الصادر في 2020 من البرلمان الأوروبي ضد السعودية واستضافتها قمة مجموعة العشرين، والقرار الصادر ضد الإمارات والسعودية في فبراير/شباط الماضي، وأخيرا القرار الأخير قبل أيام، تقف وراءها نفس المجموعة من المنظمات، وخاصة "freedom forward" و"Just foreign policy" و"yemen relief".
وبالنسبة للمنظمة الأولى "فريدوم فورورد"، فهي تبدو منظمة الشخص الواحد، فسنجيف بري هو مديرها والشخص الوحيد العامل فيها، وصفحة فريق العمل على موقعها الرسمي لا تتضمن اسما غير اسمه.
أما المنظمة الثانية "Just foreign policy" فهي الأكثر دلالة، إذ يضم مجلس إدارتها شيرين الأديمي وهي أكاديمية في جامعة ميتشيجان الأمريكية، وجيهان حكيم المحامية والناشطة في كاليفورنيا، فيما تترأس منظمة "yemen relief" فاطمة جمعان، وهي ناشطة في واشنطن وعملت مع الخارجية الأمريكية.
وقالت مصادر لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه الشخصيات تعمل لصالح الحوثيين ضمن ما يسمى اللوبي الحوثي في الخارج وثلاثتهم يحملن الجنسية الأمريكية".
aXA6IDMuMjIuNDIuMTg5IA== جزيرة ام اند امز