انطلقت في COP28 بدبي دعوة صريحة للعودة إلى الطاقة النووية كخيار جوهري للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، وإحراز الخفض الكلي لها من مزيج الطاقة العالمية.
هذه الدعوة تتواكب مع مناشدة حديثة لسبعة من قادة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى المفوضية بشأن دور القوى النووية في سياسات المناخ والطاقة بالاتحاد الأوروبي.
وفى خطاب مناشدتهم عَبَّر القادة الأوربيون عن تقديرهم البالغ للجهود المستمرة للاتحاد الأوروبي لبلوغ التعادلية المناخية بحلول عام 2050، في إطار غاية أساسية للاتحاد الأوروبي بالوصول إلى خفض في الانبعاثات المحلية لغازات الدفيئة مقداره 55% بحلول عام 2030 مقارنة بمستوى الانبعاثات عام 2000.
وقال الرؤساء إن اهتمامهم يتجه على الأخص إلى الاعتبار الذي لم يعد يترك إلا القليل أمام وضع السياسات الداخلية حيال المسار المحدد حالياً لإحراز هذه الغاية وفقاً للظروف الخاصة بكل دولة على حدة.
وإنهم لعلى قناعة كبيرة بأن جميع التكنولوجيات صفرية أو منخفضة الانبعاثات المتاحة التي تسهم في التعادلية المناخية Climate Neutrality، بينما لدعم الأهداف الأخرى لسياسات الطاقة، يجب ألا يتم اعتبارها فقط، لكن يتعين دعمها أيضاً بواسطة الاتحاد الأوروبي.
وذلك يليق على الأخص بالقوى النووية التي تعتبر تنميتها من الأهداف الرئيسية للاتفاقية التي أنشأت الجماعة الأوروبية، والتي تلزم مؤسسات الاتحاد الأوروبي بالارتقاء بها على نحو دائم.
كذلك فالمفوضية الأوروبية في سياق مساعداتها للدول الأوروبية أدركت تطور ونمو القوى النووية كهدف ذي أهمية مشتركة، حتى ولو لم يكن يشكل مسعى ثابتاً لكل الدول الأعضاء، في الوقت الذي أكدت فيه محكمة العدل للاتحاد الأوروبي في قرار حديث بشأن مشروع هيكلي، أن الطاقة النووية بالإمكان أن تنال دعم المساعدات الممنوحة للدول، وأن الطاقة النووية لا تساوم على الأهداف البيئية للاتفاقية في تفعيل التعاون داخل الاتحاد الأوروبي.
وعلى ذلك، فكل دولة أوروبية لها الحرية في تطوير القوى النووية أو الكف عنها في علاقة تبادلية مشتركة، بغض النظر عن الخيارات السياساتية للدول الأعضاء الأخرى.
ورغم ذلك، فإن تطور القوى النووية ونموها في عدد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي لا يزال محل منازعة أو مخاصمة، رغم مساهمتها الضرورية التي لا غنى عنها لمكافحة التغير المناخي، ورغم الاتساع في الوشائح التي لم تستغل بعد بين القوى النووية والتكنولوجيات المتجددة، فحيث تقدم إمداداً قوياً ثابتاً منخفض الكربون لأحمال الأساس، تضمن في الوقت ذاته انتشاراً متواصلاً للمتجددات إلى مستويات اختراق أعلى بكثير. والقوى النووية تبدو كذلك مصدراً واعداً جداً للهيدروجين منخفض الكربون بأسعار يمكن دفعها، وتؤدي في الوقت ذاته دوراً رئيسياً في تكامل قطاع الطاقة، كما تولد عدداً كبيراً من فرص الأعمال المستقرة، ذات الجودة العالية، التي ستكون في غاية الأهمية للتعافي فيما بعد من الوباء والحرب.
وفي ضوء هذه الحقائق المؤكدة، أبدى القادة الأوروبيون تخوفهم البالغ من أن حق الدول الأعضاء في الاختيار بين المصادر المتعددة للطاقة، وحقها في تحديد الهيكلية العامة للإمداد بالطاقة (وفقاً للمادة 194 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي)، لا يزال محدوداً على نحو جسيم في صنع القرار بالاتحاد الأوروبي، الذي يستثني القوى النووية وينتزعها من السياسات الجديدة، وعلى ذلك طالبوا بقوة دعم بحوث وتنمية القوى النووية التي تعززت في الاتفاقيات السياسية الحديثة حول برامج البحوث والتطوير الأوروبية.
على أن التركيز على جعل التكنولوجيات ملائمة على المستوى التجاري فيما بعد 2050، وكذلك دعم وتقوية أنشطة إيقاف التشغيل وإنهاء الخدمة والأمان دون وجود إطار هيكلي ملائم للمحطات النووية الكهربية الجديدة قد يؤدي تدريجياً إلى خروج القوى النووية نهائياً من مزيج الطاقة الأوروبي، وخروج التكنولوجيات النووية القائمة من الخدمة نهائياً أيضاً، مما سيكون له أسوأ الأثر على فقدان الأشغال عالية النوعية في العديد من الدول الأوروبية، وذلك في حَدِّ ذاته تخوف كبير ليس فقط بالنسبة للمحطات الجديدة للقوى النووية، لكن أيضاً للاستثمارات المرتبطة مثل تكثيف المحطات الحالية لإنتاج الهيدروجين.
وضغط قادة الدول الأوروبية التي ناشدت المفوضية الأوروبية العودة القوية للخيار النووي على حقيقة أن جميع الدول الأوروبية الأعضاء تصنع سياساتها في مجال الطاقة وخياراتها للمزيج الأمثل منها على اتفاق كامل مع قانون الاتحاد الأوروبي، بما فيه الاتفاقية الأوروبية، وتلك لا تزال مجادلة أخرى للدعوة العاجلة المُلِّحَة للتأكيد على مجال حقيقي للفعل بشأن القوى النووية في الاتحاد الأوروبي دون نزعها من حافظة الطاقة تجاه سياسات وحوافز الاتحاد الأوروبي، مع الأخذ في الاعتبار أن نصف دول الاتحاد الأوروبي تستخدم أو تطور القوى النووية لأجل بلوغ ما يقارب من نصف التوليد الكهربي منخفض الكربون في الاتحاد الأوروبي، على أن اتفاقاً كاملاً مع أكمل معايير الأمان تشدداً على نحو ما تم تأكيده بواسطة إطار العمل الهيكلي للاتحاد الأوروبي، ولأجل ذلك يرحب القادة الأوربيون بالتصريح الأخير لنائب رئيس الوكالة الدولية للطاقة IEA تجاه الأفكار الكبرى التي تطرحها الوكالة فيما يتعلق بالتعادلية التكنولوجية Technology Neutrality للمفوضية الأوروبية.
وناشد القادة الأوروبيون المفوضية الأوروبية أن تؤكد على نحو قاطع أن سياسة الاتحاد الأوروبي للطاقة والمناخ تستوعب جميع المسارات المؤدية للتعادلية المناخية بناء على مبادئ التعادلية التكنولوجية، وفي هذا السياق يجب أن تُعَامَل جميع التكنولوجيات المستقبلية صفرية الانبعاثات وخفيضتها على قدم المساواة في جميع السياسات، بما في ذلك تصنيف الاستثمارات المستدامة، ابتغاء الوصول إلى التعادلية المناخية بحلول عام 2050.
وفى ختام مناشدتهم القوية لإحياء أهمية الخيار النووي في مزيج الطاقة الأوروبية أكد القادة الأوروبيون التزامهم المُطلق بالانتقال الأخضر، وانفتاحهم للتبادل المستمر للآراء والحوار الخلاق حول الجدوى الأساسية والجوهرية للقوى النووية في مزيج الطاقة الأوروبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة