ما الذي يعنيه الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور؟
التوصل للاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور له أهمية خاصة، وله دلالات مهمة تتعلق بالثقل الاقتصادي للتجمعين الإقليميين.
توصل الاتحاد الأوروبي وتجمع ميركوسور (البرازيل، والأرجنتين، وبارجواي، وأوروجواي)، في 28 يونيو/حزيران الماضي، لاتفاق تجاري أنهى نحو 20 عاماً من المفاوضات الصعبة حول أحد أكبر الاتفاقات التجارية الإقليمية في العالم. وجاء الإعلان عن التوصل لهذا الاتفاق خلال مشاركة رؤساء كل من دول الاتحاد الأوروبي وتجمع ميركوسور في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في مدينة أوساكا اليابانية. وبمجرد تنفيذ هذا الاتفاق، من المتوقع أن يتم إلغاء 99% من التعريفات الجمركية الزراعية والصناعية في كلا الجانبين، مما سيسهم في تسهيل حركة تبادل السلع والخدمات والمشتريات الحكومية وكذلك تقليل الحواجز التكنولوجية.
أهمية الاتفاق التجاري ودلالاته
للتوصل للاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور أهمية خاصة، كما أن له بعض الدلالات المهمة، وهي على النحو التالي:
1- الثقل الاقتصادي للتجمعين الإقليميين: يستقي الاتفاق جانباً مهماً من جوانب أهميته من القوة الاقتصادية الضخمة للتجمعين الإقليميين المنضويين في إطاره؛ إذ إنه يعني تكامل أسواق نحو 780 مليون شخص، مما يخلق أكبر منطقة إقليمية للتجارة الحرة في العالم من حيث عدد السكان، وأكثر من 100 مليار دولار من التجارة الثنائية للسلع والخدمات سنوياً، كما يضم منطقتين تمثلان ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ويمثل هذا الاتفاق في الوقت نفسه انتصاراً مهماً لرئيسي البرازيل والأرجنتين، اللذين دافعا عن التجارة الحرة في منطقة جغرافية تتميز بالاقتصادات المغلقة والسياسات التجارية الحمائية، حيث كان هذا الاتفاق التجاري هو الأول لميركوسور مع أي تجمع إقليمي آخر، لذلك فإن من شأنه أن يُعطي قوة دفع جديدة لتجمع ميركوسور الذي عانى خلال السنوات الماضية من الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء فيه، والتي أفضت إلى تعليق عضوية فنزويلا في التجمع عام 2017 بسبب "انتهاكها النظام الديمقراطي".
2- أهمية توقيت إبرام الاتفاق: تنبع أهمية هذا الاتفاق من إنه تم الإعلان عنه في ظل توقيت غاية في الأهمية؛ إذ إنه يرسل إشارات إيجابية للغاية لالتزام الطرفين بالتجارة الحرة والاتفاقات التجارية متعددة الأطراف، في وقت تتزايد فيه الحمائية العالمية والتوترات التجارية؛ حيث تخوض الإدارة الأمريكية الحالية العديد من النزاعات التجارية الثنائية مع الصين والمكسيك، بالإضافة إلى الخلافات مع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار، جاء تصريح "جان كلود جونكر" رئيس المفوضية الأوروبية للصحفيين على هامش قمة مجموعة العشرين: "أقيس كلماتي بعناية عندما أقول إن هذه لحظة تاريخية"، وأضاف: "في خضم التوترات التجارية الدولية، نرسل اليوم إشارة قوية مع شركائنا في ميركوسور بأننا نؤيد التجارة القائمة على القواعد". إضافة إلى ذلك، فإن هذا الاتفاق يُفسح المجال أمام الاتحاد الأوروبي لتعزيز نفوذه في أمريكا الجنوبية التي تشهد في الوقت الراهن تنافساً اقتصادياً شديداً بين الصين والولايات المتحدة.
العوامل الدافعة للتوصل للاتفاق
ثمة مجموعة من العوامل التي أسهمت في التوصل للاتفاق التجاري، أهمها:
1- السياسات الحمائية التجارية: كثف المسؤولون في التجمعين جهودهم للتوصل إلى الاتفاق في ظل تبني إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسات الحمائية التجارية، وما ارتبط بذلك من تخليه عن الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف، وفرضه رسوماً جمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم، مما دفع أوروبا من جانبها إلى الانتقام بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأمريكية من عصير البرتقال والدراجات النارية والتبغ. وأدى تعثر المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دفع الأخير للبحث عن شركاء تجاريين جدد، ومن ذلك عقده اتفاقات للتجارة الحرة مع كل من كندا والمكسيك واليابان.
2- الفوائد الاقتصادية المتوقعة: من المتوقع أن يكون للاتفاق التجاري مردود إيجابي كبير بالنسبة لكلا الطرفين. فعلى الجانب الأوروبي، أوضح جونكر في بيان أصدره في بروكسل أن الاتفاق التجاري سيوفر للشركات الأوروبية أكثر من 4 مليارات يورو (4.5 مليار دولار) من الرسوم الجمركية سنوياً، ليكون بذلك ربما الصفقة التجارية الأكثر ربحاً للاتحاد الأوروبي حتى الآن؛ حيث سيوفر رسوماً جمركية على صادراته تفوق في قيمتها أربعة أضعاف تلك التي تحققت في اتفاق التجارة الحرة مع اليابان.
والاتحاد الأوروبي هو بالفعل أكبر شريك تجاري واستثماري لميركوسور؛ حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين ما قيمته 88 مليار يورو من السلع سنوياً، مع وجود فائض لصالح الأوروبيين يبلغ نحو 2.5 مليار يورو، كما يبلغ حجم التبادل الثنائي في الخدمات نحو 34 مليار يورو سنوياً. وسيفتح الاتفاق للاتحاد الأوروبي سوقاً جديداً ضخماً للسيارات والآلات والمنتجات الكيماوية في أمريكا الجنوبية، كما سيتيح له فرص الوصول إلى أسواق الاتصالات، والنقل، والخدمات المالية.
في المقابل، تأمل بلدان ميركوسور في تصدير ما يصل إلى 99 ألف طن من اللحم البقري إلى أوروبا سنوياً بدون أي رسوم جمركية، إلى جانب زيادة صادراتها من الإيثانول والسكر والدواجن وغيرها من المنتجات الزراعية. وأعلنت البرازيل أن الاتفاق سيلغي التعريفات الجمركية على الواردات للعديد من المنتجات الزراعية، بما في ذلك عصير البرتقال والقهوة الفورية والفواكه، ويوفر وصولاً أكبر للأسواق الأوروبية من خلال حصص اللحوم والسكر والإيثانول، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد وزيادة الاستثمارات.
3- تطورات الأوضاع الداخلية: لا يمكن تفسير التوصل للاتفاق التجاري بمعزل عن العوامل المتعلقة بتطورات الأوضاع الداخلية في بعض الدول الأعضاء في تجمع ميركوسور، خاصة البرازيل والأرجنتين؛ حيث قال الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو: "ستكون هذه واحدة من أهم الاتفاقيات التجارية على مر العصور، وستحقق فوائد هائلة لاقتصادنا"، وبولسونارو الذي مضى حوالي 6 أشهر على توليه السلطة، قد تعهد بالبدء في فتح اقتصاد البلاد أمام حركة التجارة العالمية، بهدف إخراجه من حالة الركود التي يعاني منها، خاصة مع انخفاض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2019 من 2% إلى 0.8%، فضلاً عن وجود أكثر من 13 مليون برازيلي عاطل عن العمل. وبالنظر إلى أن البرازيل أكبر مصدر للحوم البقر على مستوى العالم، فستكون من المستفيدين الرئيسيين من هذا الاتفاق.
وأشاد الرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري بالصفقة التجارية التي وصفها بأنها "غير مسبوقة"، خاصة مع حاجته إلى بعض الدعم الخارجي في ظل استعداده لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل، والتي تأتي متزامنة مع تردي الأوضاع الاقتصادية في الأرجنتين؛ حيث بلغ معدل التضخم حوالي 60%، كما توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة 1.7% في عام 2019.
التحديات التي تواجه الاتفاق التجاري
يواجه تنفيذ الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور عدداً من العقبات والتحديات، وذلك على النحو التالي:
1- التأثير على البيئة وحقوق الإنسان: أثار الاتفاق انتقادات واسعة من قبل المنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا البيئة وحقوق الإنسان، بسبب مخاوفها من أن يؤدي إلى مزيد من تدمير غابات الأمازون المطيرة، وانتهاك حقوق الشعوب الأصلية من قبل حكومة الرئيس البرازيلي، والتي بدأت في اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتعلقة بإزالة الغابات وفتح المناطق التي يعيش فيها السكان الأصليون أمام أنشطة التعدين والزراعة، وهو ما تسبب في تسارع وتيرة إزالة الغابات في منطقة الأمازون.
وفي ذات السياق، هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإلغاء الصفقة إذا انسحبت البرازيل من اتفاق باريس للمناخ الذي يلزم الموقعين على تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهو الاتفاق الذي سبق أن هدد الرئيس البرازيلي بالانسحاب منه؛ حيث أكد الرئيس الفرنسي "إذا انسحبت البرازيل من اتفاق باريس، فلن نقوم بتوقيع اتفاقات تجارية معها".
2- مخاوف المزارعين الأوروبيين: أثار الاتفاق مخاوف المزارعين الأوروبيين الذين يخشون المنافسة غير العادلة من مزارعي دول ميركوسور، وأكد مفوض الزراعة في الاتحاد الأوروبي "فيل هوجان" في بيان له "يُمثل الاتفاق بعض التحديات للمزارعين الأوروبيين، وستعمل المفوضية الأوروبية على مساعدة المزارعين لمواجهة هذه التحديات".
وأضاف هوجان: "لكي تكون هذه الاتفاقية مربحة للجانبين، ستضمن الحصص المحددة بعناية عدم وجود خطر من أن أي منتج سيغرق سوق الاتحاد الأوروبي، وبالتالي يُهدد معيشة مزارعي الاتحاد الأوروبي".
وانتقدت جمعيات الدفاع عن حقوق المزارعين الأوروبيين الصفقة، لأنها تعبر عن تبني الاتحاد الأوروبي لما وصفته بـ"المعايير المزدوجة"؛ حيث إنه باستيراد لحوم البقر من أمريكا الجنوبية، فإن الاتحاد الأوروبي سيدعم صناعة زراعية مسؤولة جزئياً عن إزالة الغابات على نطاق واسع في منطقة الأمازون، ولا تتمتع بنفس المعايير البيئية والصحية المطبقة داخل الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من وجود بعض العقبات التي تعترض إتمام الاتفاق الذي يتطلب لدخوله حيز التنفيذ أن يحظى بدعم برلمانات دول ميركوسور الأربع، وكذلك تصديق دول الاتحاد الأوروبي فرادى وكذلك البرلمان الأوروبي، وهو الأمر الذي قد يستغرق عامين تقريباً، فإن من العوامل التي قد ترجح إتمامه، تضمنه لـ"آلية حماية" تسمح لكلا التجمعين بفرض تدابير مؤقتة لتنظيم الواردات، إذا كانت الزيادات غير المتوقعة في بعض المنتجات تضر بقطاعات معينة. كما يشير الاتفاق صراحة إلى اتفاق باريس للمناخ؛ حيث يلتزم الجانبان "بمكافحة تغير المناخ والتفاوض على الانتقال إلى اقتصاد مستدام منخفض الكربون"، بما في ذلك الالتزامات بمكافحة إزالة الغابات.
aXA6IDEzLjU4LjE4OC4xNjYg جزيرة ام اند امز