من التبخر إلى الهطول.. الإعجاز القرآني في دورة الماء على الأرض
تصف دورة الماء، المعروفة أيضا باسم "الدورة الهيدرولوجية"، الحركة المستمرة للماء على سطح الأرض وفوقه وتحته، وتنطوي على العديد من العمليات الأساسية التي تمر من خلالها المياه بتحولات طورية وتدور بين الغلاف الجوي والأرض والمحيطات.
ويشرح صبري سويلم، أستاذ الموارد المائية بجامعة الزقازيق المصرية لـ"العين الإخبارية"، كيف فصلت آيات القرآن عناصر "دورة الماء"، قبل أن يتم توصيفها علميا بآلاف السنين، وجاءت كالآتي :
التبخر والنتح
استقر العلم الحديث على أن أول عناصر تلك الدورة، هي التبخر والنتح، حيث تسخن الشمس الماء الموجود على سطح الأرض، بما في ذلك المحيطات والأنهار والبحيرات والتربة، مما يؤدي إلى تحوله من سائل إلى بخار الماء، وتحدث هذه العملية في المقام الأول في المسطحات المائية، ولكن أيضا من التربة الرطبة والنباتات، وتوفر الطاقة المستمدة من الشمس الحرارة اللازمة لجزيئات الماء للهروب إلى الغلاف الجوي.
كما يدخل الماء أيضا إلى الغلاف الجوي من خلال النتح، وهي العملية التي تطلق بها النباتات بخار الماء من أوراقها إلى الهواء، ويساهم النتح في محتوى الرطوبة بالغلاف الجوي، وهو عنصر أساسي في دورة المياه، وخاصة في النظم البيئية الأرضية.
وبين القرآن الكريم الدور الذي تلعبه الشمس في تلك العملية المهمة من خلال قوله تعالي في سورة النبأ ﴿وَجَعَلۡنَا سِرَاجا وَهَّاجا ١٣ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلمُعصِرَ ٰتِ مَاۤء ثجَّاجا ١٤﴾، حيث ساهمت الشمس وهي في الآية الكريمة (السراج) في تبخير المياه، وساهمت الرياح (المعصرات) في تحريك السحب، مما أدى إلى هطول الأمطار.
تكوين السحب والهطول
وما بين التبخير وهطول الأمطار، تحدث عملية تكوين السحب عبر تكثيف بخار الماء في الغلاف الجوي، فعندما يرتفع بخار الماء إلى الغلاف الجوي، فإنه يبرد ويتكثف على شكل قطرات ماء صغيرة أو بلورات ثلجية، وتحدث هذه العملية حول جزيئات صغيرة في الهواء، والتكاثف هو المسؤول عن تكوين السحب.
وعندما تتشبع السحب بقطرات الماء يحدث الهطول، ويمكن أن يتخذ الهطول أشكالًا مختلفة، بما في ذلك المطر أو الثلج أو الصقيع أو البَرَد، اعتمادا على عوامل مثل درجة الحرارة والظروف الجوية.
ويصف القرآن السحب وعملية تكوينها، وما يتبعها من نزول الماء في كثير من الآيات منها الآية 43 من سورة النور ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾.
عودة الماء لسطح الأرض
ويعيد هطول الأمطار المياه من الغلاف الجوي إلى سطح الأرض، مما يجدد مصادر المياه ويحافظ على النظم البيئية، وكثيرا ما يذكر القرآن هطول الأمطار وأهميته لاستمرار الحياة على الأرض، كما هو الحال في الآية 18 من سورة المؤمنون ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾
ويتفق العلم الحديث مع هذا الفهم، حيث يعترف بأن هطول الأمطار عنصر حاسم في دورة الماء، وضروري لتجديد مصادر الماء والحفاظ على النظم البيئية.
إعادة تغذية المياه الجوفية
بعد هطول الأمطار، تتسرب المياه إلى الأرض لتجديد احتياطيات المياه الجوفية أو تتدفق على السطح كجريان سطحي، لتعود في النهاية إلى المحيطات والأنهار والبحيرات.
ويشير القرآن إلى وجود المياه الجوفية والينابيع في الآية 21 من سورة الزمر، والتي تتحدث عن الماء الذي يستقر في الأرض ويخرج على شكل ينابيع ﴿ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾.
ويعترف العلم الحديث بهذا الجانب من دورة المياه، موضحًا كيف يجدد هطول الأمطار احتياطيات المياه الجوفية ويساهم في تكوين المسطحات المائية السطحية من خلال الجريان السطحي.